قبل سنوات خلت قرأت لم اعد أتذكر أين, قرأت بأن أعضاء الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تداولوا إمكانية منح صفر للفريقين المتعادلين في المباراة, بدلا من نقطة لكل منهما كما هو معمول, أي كانت نتيجة المباراة 0/0 أو 1/1 أو حتى 7/7 على اعتبار ان الخسارة قد لحقت بالفريقين بتعادلهما, الفكرة أهملت ولم يؤخذ بها, لأسباب متعلقة بالحسابات النهائية, بعد ان تحولت كرة القدم إلى صناعة ملياردية. لو تم إسقاط الفكرة على ما حدث في المعلا والمكلا وكريتر خلال الأيام القليلة الماضية لاتضح ان نشطاء الحراك الجنوبي السلمي والنشطاء الجنوبيين للإصلاح قد خسروا كفريقين نتيجة المباراة بينهما وذهبت النتيجة لصالح فرق أخرى في دوري كأس الرئيس المحتدم في الجنوب أكثر من احتدامه الشمال! الأمر الفادح أننا كجنوبيين درجنا في أحايين كثيرة الانشغال يبعضنا, البعض تصنيف وتوصيف وتخوين, هذا من جماعة فلان, وذاك من المنطقة الفلانية أو المحافظة العلانية, والأمر الأكثر فداحة أننا وعلى نحو دائم نتعمد النبش في تاريخنا المشترك ونهديه للأخر, سلاحآ لضرب بعضنا الأخر, ومن اجل إثبات حسن النية نجتهد في البحث والتنقيب عن النقاط السوداء والمعتمة في ماضينا القريب والبعيد, لنقدمه عربون محبة, نتوسمها في هذا الأخر, واقرب محطة يتعمد البعض استدعاءها هي محطة 13 يناير 1986م, للتدليل على عدم أهليتنا في تحمل مسئولية أنفسنا, وأننا بحاجة إلى وصاية الآخرين حتى لا نكررها, على الرغم من ان المجرى الجنوبي قد جرت فيه منذ ذلك التاريخ, الكثير من المياه التي لا تقل تلوثآ عن مياه ذاك اليوم الأسود, كما وان المياه التي تتدفق اليوم في مجاري الجنوب السياسية لا تختلف كثيرا عن المياه التي تتدفق في شبكة مجاري الصرف الصحي.
بالأمس ألبسنا خلافاتنا ثوب القومية العربية, ومن تعز رفع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر شعار "على بريطانيا أن تأخذ عصاها من الجنوب العربي المحتل وترحل" فتناحر القومي مع التحريري, ثم تماشيا مع موضة التوجه الاشتراكي في سبعينات القرن الماضي قاد الرئيس عبد الفتاح إسماعيل ما اسماها "مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية" وكانت النتيجة ان الساسة أكلوا حصرم الحكم والجنوبيين كانوا يضرسون!.
واليوم يلتزم نشطاء إصلاح الجنوب موقف جماعة الإخوان المسلمين داخل التجمع, القائم على السعي للإبقاء على الوحدة اليمنية بأي ثمن طالما وأنها تأتي في الطريق نحو إعادة إحياء الخلافة الإسلامية .. وعلى قاعد العبارة الشهيرة للمرشد العام السابق لجماعة الأخوان المسلمين في مصر الشيخ محمد مهدي عاكف, العبارة التي وردت في حديث صحفي نشرته صحيفة روز اليوسف في ابريل 2006م عندما قال: (طز في مصر .. وأبو مصر .. واللي في مصر) بالاستناد إلى هذه المقولة التي أثار ضجة كبيرة حينها في الشارع المصري تحاول قيادة حزب الإصلاح مصادرة حق الجنوبيين في التعبير عن أنفسهم.
وقد تعودنا في الجنوب انه, ايآ كان ثوب الخلاف سرعان ما نكتشف أننا جميعا ضحايا شطحات ايديلوجية, ووقود لشطط أفكار مستوردة أكانت شرقية أو غربية شمالية أو جنوبية, يتعامل أصحابها معنا كأدوات لا كشركاء, ولا نلبث ان نجد أننا نعير الشموع لبعضنا البعض دون نسأل عن أي كتاب يمكن قراءته على ضوء تلك الشموع بعد ان يكونوا قد دمروا بقذائفهم نور مدينتنا, كما وهي عادتنا أننا نتعاون في حفر أبار المياه الأقل ملوحة من مياه البحر لإرواء العروق, دون ان نسال ان كان الشارب ملتح أو حليق الذقن, فالظمأ قد أرادوه وسيلة لإركاع مدينتنا الساحلية وبلادنا الجنوب, حينها نكتشف ان مدينتنا وجنوبنا هما الأبقى لنا من كل الأيديولوجيات العابرة للقلوب والقارات, ولكن بعضنا لا يتعض عندما يصر ان يكون أداة بيد الحزب أي كان اسمه اشتراكي إصلاح مؤتمر رابطة, فالحزب وان عظم شأنه أو علت مكانته فهو متحول أما الوطن فهو الثابت الوحيد في هذه المعمعة.
وفي حضرة الإصلاح ما زلت أتذكر ابتسامة المرحوم عمر الجاوي (لا يختلف اثنان على وحدويته) وهو يحاول في لقاء تلفزيوني بث قبل الاستفتاء بأيام, يحاول إقناع القطب الإصلاحي عبدالله صعتر بأن يقول نعم لدستور الجمهورية اليمنية دون جدوى .. فالشيخ الذي أبى واستكبر على الدستور كان جاهزا بكل الأدلة والبراهين (قصاصات صحف) وأمور كثيرة سوقها باحتراف سياسي كدليل إدانة للدستور وكتأكيد بان جذر دولة الوحدة علماني, لذا صوت الاصلاحيون بلا للدستور, نعم صوت الاصلاحيون برفض دستور دولة الوحدة في 15 و16 مايو 1991م, وان كانوا يومها قد احتفظوا بحقهم في قلب الطاولة متى شاءوا الذود عن دولة الوحدة وتحديدا إذا ما تبين بان فيها مصلحة لهم .. فهل ان أوان ذالك الحق؟.
فعودا على بدء نقول ان العادة درجت على ان السياسة والمنطق لا يتفقان دائما في الظروف العادية فما بالنا بالظروف الاستثنائية فنحن اليوم في الجنوب نعيش في زمن استثنائي ومفاتيحه لا بد ان تكون استثنائية .. فأي كان الانتماء السياسي فإذا خلا احدنا لجنوبيته سيكتشف بأننا جميعا نئن من موقع المعتدى عليه, وإذا ما ابتعد قليلا عن زاوية نظر الحزب اوالجماعة، سيكتشف بأن الشعب الذي انتفض العام 2007م, ضد الذل في زمن السبات, كفيل في أن يرى مصلحته فهل تكفون عن إحراق الخيام فالثمن هو القضية والوطن.