بسم الله الرحمن الرحيم إدارة الدول الراعية لمشكلة القضية الجنوبية مندعي ديان
يشكل تتبع إدارة أزمة اليمن العامة الحادة الجارية الآن ، اشكالها و أساليبها و سياساتها و غيرها ، أهمية خاصة بالنسبة للقضية الجنوبية و بالذات للحراك السلمي الجنوبي و غيره من القوى السياسية الجنوبية الأخرى الساعية لتكثيف نشاطها السياسي و الجماهيري و الدبلوماسي في المرحلة الحالية من أجل تحقيق أهداف أبناء الجنوب بعد نضال شاق دام عقدين من الزمن و أتخذ طابعه الجماهيري الواسع منذ عام : 2007م. و تأتي هذه الأهمية الخاصة كون محاولات حل القضية الجنوبية إحدى المحاور الأساسية لنشاط إدارة الأزمة العامة في اليمن .
و في هذا السياق ، ندون هذه المقالة كمحاولة لفهم إدارة الدول الراعية / المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية و آلية تنفيذها الموقع عليها في مدينة "الرياض" بتاريخ : 23 نوفمبر 2011م. لمشكلة القضية الجنوبية و كيف تنظر أليها و تتعامل معها . و أولا ، لا بد لنا من تذكير القارىء الكريم بما نعنيه ب " الادارة المذكورة" و التي أتخذت عدة أشكال ، أهمها : الأول ، الدول الراعية للمبادرة ( الدول العشر ) الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي و دول مجلس التعاون الخليجي ( باستثناء دولة قطر ) . و الثاني " مجموعات العمل " و التي شكلت في مطلع يناير 2012م. و هي عبارة عن عشر مجموعات عمل ، مثل : المجموعة العسكرية و الأمنية ، و مجموعة الأستتقرار الأقتصادي ، و مجموعة مؤتمر الحوار الوطني ، و غيرها . و شملت تلك المجموعات عضوية الأممالمتحدة و الاتحاد الأوروبي و مجلس التعاون الخليجي و البنك الدولي و خمس دول . و في 9 فبراير الماضي ذكر سعادة السفير الأمريكي بصنعاء في مقابلة تلفزيونية أن الدول المشرفة : 11 دولة و لم يسم الدولة المضافة ما إذا كانت " قطر " أم " ألمانيا " . و عند إقرار " لجنة التواصل من أجل الحوار " لخطتها في منتصف شهر مايو الماضي أضافت إلى الدول العشر الراعية كل من هيئة الأممالمتحدة و ثلاث دول جديدة ، هي : ألمانيا و هولندا و تركيا .
طبعا ، ليس من الهين تناول مسألة إدارة الدول الراعية / المشرفة / الدولية لمشكلة القضية الجنوبية لأسباب عدة من أهمها : عدم ذكر القضية الجنوبية في المبادرة الخليجية و جعلها في آليتها التنفيذية كقضية داخلية من جملة قضايا خاضعة للحوار و مفتوحة الحل ، و أيضا غياب الشفافية تجاه القضية الجنوبية و التي تمنع معرفة ما إذا كان هناك تباينات أو أختلافات بين الدول و الهيئات المكونة لإدارة الأزمة اليمنية التي ما زالت قائمة . و لكن ذلك لا يمنع محاولة تناول المسألة لهدف إيجابي هو التقريب بين وجهات نظر الحراك السلمي الجنوبي و غيره من القوى السياسية الجنوبية الأخرى الساعية لحل القضية الجنوبية من جهة ، و وجهات نظر الدول الراعية / المشرفة / الدولية التي تدير الأزمة اليمنية ، من جهة أخرى . . و يمكننا ذلك على النحو التالي : - الأطار لحل القضية الجنوبية :
لا ينظر إلى مسألة حل القضية الجنوبية في إطار خاص بها ، بل ينظر إلى أن حلها ضمن إطار الأزمة اليمنية العامة السارية المفعول حتى الآن . نظريا يأتي هذا المنظور تبعا لنصوص المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية و ذكرها في آليتها التنفيذية ، و عمليا لأن الدول الراعية / المشرفة / الدولية التي تدير الأزمة اليمنية لم تهتم الأهتمام المناسب السياسي أو الأنساني بالقضية الجنوبية طوال الفترة الماضية بالرغم من تحولها إلى حركة جماهيرية واسعة بقيادة الحراك السلمي الجنوبي منذ عام : 2007م. بل بدأ الأهتمام بها مع نشوب الأزمة اليمنية العامة في عام 2011م . و التي بدأت بوادرها بسبب نتائج نضال الحراك السلمي الجنوبي و تأثيره على قوى السلطة المتحالفة منذ عام 2009م. و أصبح التأثير واضحا تماما في النصف الثاني من عام 2010م. و المشكلة هنا هي أن الأزمة اليمنية العامة ستطول معالجاتها في حين أن مشكلة القضية الجنوبية تستفحل يوما بعد يوم . . إن التزامن و التناسق بين متطلبات القضية الجنوبية و متطلبات حل الأزمة العامة مشكلة حقيقية بالفعل . - القوى الفاعلة و المؤثرة :
المقصود هو القوى السياسية الجنوبية الفاعلة و المؤثرة التي يمكنها أن تساهم و تقود بقية القوى و أبناء الجنوب إلى المعالجات الصائبة للقضية الجنوبية . حيث ينظر إلى أن الحراك السلمي الجنوبي و بقية القوى السياسية الجنوبية الأخرى التي تناضل من أجل القضية الجنوبية مشتتة و غير موحدة . و وفقا لهذه النظرة جاء مقترح عقد مؤتمر جنوبي – جنوبي من إحدى الدول الراعية . و التسمية تدل على عدة أجنحة متضاربة لذا تم تصحيحها الآن إلى " المؤتمر الجنوبي الشامل " . و إذا ما تم لم شمل الجنوبيين في مثل المؤتمر المقترح فإن القوى الرئيسة التي من شأنها أن تشكل الثقل المؤثر و الفاعل هي الحراك السلمي الجنوبي الحامل الأساسي للقضية الجنوبية منذ عام 2007م. و لكن " الادارة المعنية " ترى أن القوه المؤثرة و الفاعلة الرئيسة في حل القضية الجنوبية هي الجنوبيين المتواجدين في السلطة و في الهيئات القيادية العليا لدولة الجمهورية اليمنية . - الرؤية الدولية للقضية الجنوبية :
وجدت في السابق تباينات في رؤى الدول و الهيئات الدولية المشتركة في "الادارة المعنية " تجاه القضية الجنوبية . و الآن صارت الرؤية الدولية للقضية الجنوبية لتلك الدول و الهيئات بالمضمون الذي عبر عنه بوضوح نائب السفير الألماني بصنعاء في توضيح له نشر بتاريخ 30 مايو الماضي ( صحيفة الطريق – العدد 1232 ) و الذي جاء فيه : ( فيما يتعلق بمفهوم قراري مجلس الأمن 924 و 931 نوهت بأن العلاقة القانونية الحالية لهما قد تقلصت في الوقت الحاضر ، ليس في الحقيقة بسبب عدم رجوع قرار مجلس الأمن 2014 حول اليمن الصادر في أكتوبر 2011م. إلأى هذين القرارين ، لكن لا يعني هذا أنها قد تحققت أو أنها قد ألغيت و لا يعني أنها قد لا تستخدم كأساس للمفاوضات إذا ما أتفق عليها اليمنيون ) و بما يعني أن الرؤية الدولية للقضية الجنوبية لا تخضع للمعايير و الحقوق و القوانين الدولية و إنما تخضع لنتيجة الحوار بين الأطراف السياسية اليمنية المؤثرة في الأزمة العامة و حلولها . - المنهج :
يبدو أن منهج إدارة الدول الراعية / المشرفة / الدولية التي تدير الأزمة اليمنية في التعامل مع القضية الجنوبية يستند إلى ثلاثة إتجاهات : أولها : تحجيم المشكلة بعدم إثارة مسألة الأعتراف بالقضية الجنوبية من عدمه ، أي محاولة حل القضية الجنوبية من دون الأعتراف بخصوصياتها على أعتبار أنها واحدة من مشاكل اليمن الكبيرة الكثيرة التي يجب حلها . و ثانيها : التهدئة ، و يقصد بها أتخاذ معالجات جزئية و طارئة بتحقيق إجراءات و تلبية مطالب جنوبية جانبية قبل الحل بما يوقف التأجيج و تصاعد المشكلة . أما الأتجاه الثالث فهو : التعويم : بما يعني تعويم الحل و عدم أبداء أيا من تلك الدول و الهيئات الدولية رأي أو موقف أو مقترح واضح و محدد من القضية الجنوبية و معالجاتها . - الأساليب :
لا توجد أساليب تعامل خاصة في التعامل مع القضية الجنوبية ضمن إدارة الدول و الهيئات الدولية الراعية / المشرفة على حل الأزمة اليمنية . فسفراء الدول المعنية و هيئاتها الدبلوماسية و ممثليات الهيئات الدولية في الجمهورية اليمنية أو التي تقوم منها بزيارة البلد تناقش و تحاور هنا و هناك " القضية الجنوبية " . حيث لا يوجد فريق متخصص في " الادارة المعنية " خاص بهذه المشكلة . و إن كانت إحدى المجموعات العشر التي شكلت في مطلع يناير 2012م. حددت الحراك السلمي الجنوبي كهدف ، و هي " مجموعة التواصل مع الشباب و الحراك و الحوثيين " برئاسة الاتحاد الأوروبي و عضوية كل من أمريكا و فرنسا . و تعتبر جمهورية ألمانيا الاتحادية الأكثر نشاطا في التواصل مع الحراك السلمي الجنوبي و القوى السياسية الجنوبية الأخرى ، و ليس هذا بسبب رئاسة الاتحاد الأوروبي للمجموعة المذكورة لأن الاتحاد الأوروبي له هيئات أتحادية موحدة ، و لكن بسبب طلب خاص من قيادة دولة الجمهورية اليمنية وجه لألمانيا .
و الأساليب الخاصة في التعامل مع القضية الجنوبية يوجد – هنا - ضمن مقترحات مشاركته في خطة المرحلة الأنتقالية في اليمن حتى فبراير 2014م. و خطة عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل في منتصف أكتوبر 2013م. هذا بالأضافة إلى جانب ما سبق ذكره من أساليب منهجية . و أهم تلك المشاركة أختيار ممثلين للحراك السلمي الجنوبي و القوى السياسية الأخرى المتبنية للقضية الجنوبية ككل للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل . و الأسلوب الخاص الذي تراه " الادارة المعنية " هو عقد مؤتمر جنوبي شامل . و قد يحقق المؤتمر المقترح إجماعا جنوبيا و بالذات في حالة تبدل منهج تعامل الادارة المذكورة مع القضية الجنوبية ( السابق الذكر ) و المتمثل بأتجاهات : تحجيم المشكلة ، و تهدئة عوامل تأجيج مطالبها ، و تعويم حل القضية الجنوبية حتى عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل . - هدف المعالجة :
يبدو أن هدف معالجة إدارة الدول الراعية / المشرفة / الدولية التي تدير الأزمة اليمنية للقضية الجنوبية الوصول بالحراك السلمي الجنوبي و القوى السياسية الأخرى المتبنية للقضية الجنوبية إلى تبني حل " الفيدرالية المتعددة " سواء عن طريق المؤتمر الجنوبي الشامل أو من خلال الخطوات و الأجراءات الأخرى التي ستتم خلال الفترة الأنتقالية و التي تمتد لأكثر من عام و نصف العام . و هدف المعالجة " الفيدرالية المتعددة " يتعارض مع الحلول الخمسة الموجودة كمقترحات في الساحة الجنوبية و التي أكثرها إنتشارا و أقتناعا شعبيا : " فك الأرتباط " و " الفيدرالية بإقليمين مشروطة بحق تقرير المصير بعد خمسة أعوام " . و لعل هذا التعارض هو أكبر تعارض فيما بين الإدارة المعنية المذكورة و القوى المتبنية للقضية الجنوبية .
إن الحديث عن معالجة القضية الجنوبية بحل " الفيدراليه المتعددة لنظام الدولة في اليمن " واسع و متشعب و يمكننا هنا أن نشير إلى أمثله عن أحتمالات فشله كمثل أختيار النموذج الألماني فهناك بون شاسع بين تجربة الوحدة الألمانية و الوحدة اليمنية و لا توجد مقارنة بين مستوى التطور بين ألمانيا و اليمن . و بالنسبة للعوامل اليمنية المفشلة فهي كثيرة منها ماهو تاريخي متعلق بالقوى و التوازنات الاجتماعية و التقليدية في الشمال ، و ما هو متعلق بالقوى السياسية فمن بين جميع الأحزاب الكثيرة ( بما فيها الأحزاب الحاكمة ) تبنت ثلاثة أحزاب فقط : الفبدرالية المتعددة ، و بنظرة عامة غير واضحة ، و ذلك خلال الشهرين الماضيين فقط . لذا سيتلقى هذا الهدف للمعالجة ضربات قوية في المناطق الشمالية و ما فتوى " علماء اليمن " بصنعاء التي سلمت لفخامة رئيس الجمهورية بتاريخ : 29 مايو الماضي و التي حرمت الفيدرالية سوى ضربة في الجولة الأولى من مصارعة ما تحلم الدول الراعية / المشرفة / الدولية بتحقيقه من حل للقضية الجنوبية و لليمن عامة ، حيث يوجد في صنعاء و المناطق الشمالية عموما رفضا قاطعا لهذه المعالجة " التعددية الفيدرالية " و توجد فيها تقريبا ستة مقترحات أخرى لحل القضية الجنوبية جميعها غير مقبولة لدى الأغلبية الساحقة من أبناء الجنوب .
تأسيسا على ما ورد ، و رجوعا إلى ما حددناه في المقدمة من أن هدف هذا البحث الأولي هو التقريب بين وجهات نظر الحراك السلمي الجنوبي و غيره من القوى السياسية الجنوبية الأخرى الساعية لحل القضية الجنوبية من جهة ، و وجهات نظر الدول الراعية / المشرفة / الدولية التي تدير الأزمة اليمنية ، من جهة أخرى . فإننا نرى ضروروة تشكيل فريق من كل جهة للتباحث و الحوار حول نقاط الأتفاق و نقاط الأختلاف الواردة أعلاه و مباشرة بدون وسطاء أو سماسره ، و الأقدام على القيام بحوار دولي – جنوبي من شأنه خلق تفاهم يساهم في حل القضية الجنوبية ، و الوصول إلى مثل هذا التفاهم سيسهم حقا في حل الأزمة اليمنية العامة التي ما زالت قائمة ، و مسارها مجهول .