لاشيء جديد دشنته مرحلة ما بعد ثورة التغيير سوى إننا بدأناها بسماع بكائيات "باسندوة" وحكايات وزراء حملتهم رياح الثورة للعمل ضمن الولاءات والانتماءات الحزبية وتأصيلها من اعتلاء مناصب وإدارات حكومية، وآخرون وجدوا من الثورة فرصة سانحة لتوظيف الأبناء والأقارب والأصدقاء وتمكينهم من وظائف عامة، قبل نفاذ فترة العامين. هناك من لا يزال ينظر إلى حكومة الوفاق باعتبارها حكومة "انقلاب" استغلت ثورة الجياع لبلوغ مكاسب السلطة، واستثمرت لصالحها طموحات التغيير الساجي في نفوس الشباب وجعلتهم مطية للمساومات السياسية، وللاستحواذ على مناصب وزارية مناصفة انتزعت بطرق انتهازية، والنتيجة إننا مازلنا نقف أمام مرحلة قديمة تكرر نفسها ولكن بملامح وخطابات متغيرة، في ظل وجود رجل كرس عصارة حياته في خدمة أربعة أنظمة سياسية، ويتقلد الآن باسم ثورة التجديد والشباب رئاسة الحكومة، دون أن تشمله معاول التغيير والتخلص من مشاهد البؤس والأمس الأليم.
حقيقة لا أتوقع شيئاً من حكومة دشنت مرحلة ما بعد التغيير بإقرار حصانة لمرتكبي مجازر القتل للثوار، ودون أن تكترث على الأقل بتوفير ضمانات عادلة لأسر وعائلات الشهداء والجرحى.
أعرف شخصياً أشخاص يحتلون حالياً مناصب وزارية ضمن تشكيلة حكومة الوفاق محسوبة على المشترك، كانوا بالأمس يعملون على تحريض الشباب في عدم مبارحة الساحات أثناء مرحلة الزخم الثوري، ويتعهدون بأن دماء إخواننا من شهداء الثورة أمانة في أعناقهم، لدرجة أنهم كانوا يفتحون منازلهم وهواتفهم لاستقبال المكالمات ومن كل الفئات الشعبية، وبمجرد أن بلغ هؤلاء هرم الحكومة، تعاملوا مع الجميع بمشاعر النرجسية والاستعلاء، بل وقاموا بتغيير أرقام هواتفهم وأوصدوا مكاتب وزارتهم ولم يعدوا يسمحون لكل من ناصرهم بالتواصل والاتصال بهم، كما لو أنهم صدقوا بأنهم أصبحوا رجال مهمين !!، بينما كانوا يحلمون في حياتهم التدرج ولو إلى درجة منصب "مدير" وهو حلم لم يكن يطرأ على مخيلتهم حين حملتهم ثورة الفقراء ليكونوا وزراء من ذوي النفوذ والثروة والسيادة !!.
من الواضح أن أحزاب اللقاء المشترك، وبعد أن حققت مبتغاها في تأسيس مبدأ الشراكة السياسية مع نظام "صالح، وتقاسم الحقائب الوزارية مع حزب "المؤتمر"، أصبح من أولوياتها الآن تصفية القوى السياسية والاجتماعية الأخرى، واستثمار الأحداث والأزمات لصالح حسابات الربح والخسارة، والتي قد تضاعف بدورها من تأجيج حدة الصراع والاحتقان السياسي الداخلي، وتقود إلى أزمات ومشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية خطيرة، وحده هو الشعب سيظل فيها الخاسر الأول.
فلا ضير إن حاولت حكومة الشراكة (المؤتمر والمشترك) في سياق الحفاظ على مصالحهما ومكاسبهما السياسية، من تفجير صراعات ومواجهات جديدة في اليمن تحت ذريعة مواجهة الحركة الانفصالية في الجنوب، والتمهيد لشن حروب إضافية ضد جماعة "الحوثيين" بالشمال، طالما وأن اليمن ظل برمته يمثل لعقود طويلة ساحة لمغامرات وتصفيات خاضها نظام "صالح"، والآن تعاود أدراجها ضمن تكتيكات الساسة القدماء ولكن بأدوات ينفذها شركاء من وزراء وقادة مستجدين مازالوا يعملون ضمن منظومة سياسية تشرف عليها طغمة متسترة مازالت مستمرة بإحكام قبضة طغيانها وبطشها واستبدادها بحق البلاد والعباد منذ أكثر من ثلاثة عقود !!.