لغياب قراءة موضوعية وأمينة ومحايدة لتاريخ الجنوب السياسي منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث شهد الجنوب تجارب حكم متنوعة تراوحت بين حكم السلطنة أو المشيخة أو الإمارة أو الفيدرالية والدولة البسيطة، وشهدت الأرض تقلبات ومخططات دراماتيكية أفرزت منتصرين ومهزومين. لم يقيم الجنوبيون الأحداث التي عاشوها سلباً وإيجابا، ولم يخرجوا منها بعظات ودروس تبصرهم بمعالم الطريق الجديدة، بل استنسخوا ماضيهم البعيد والقريب. خاض الجنوبيون ثورة مسلحه في 14 أكتوبر 1963م، حيث جعل الجنوبيون من استشهاد الشيخ راجح بن غالب لبوزة في هذا اليوم بداية انطلاق ثورتهم، وتعددت إدارة الثورة بعد دمج الجبهة القومية مع منظمة التحرير في 13 يناير 1966م وإعلان جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، إلا أن الجبهة القومية أعلنت انسلاخها عن الإطار القسري أو الاندماج القسري في أكتوبر من العام نفسه. بدأت سياسة الإقصاء في 30 نوفمبر 1967م عندما انفردت الجبهة القومية بالحكم واعتبرت نفسها قوى الثورة واعتبرت شركاءها في النضال قوى الثورة المضادة، وحاربت قوى الثورة نفسها، وأقصت مئات العناصر المدنية والعسكرية في 22 يونيو 1969م وصنفت إجراءها بالخطوة التصحيحية ضد ما أسمته "اليمين الرجعي". خاضت قوى الثورة الحرب على نفسها في 26 يوليو 1978م ضد ما أسمته اليسار الانتهازي، وسقط العشرات من الضحايا من المدنيين والعسكريين، وواصلت قوى الثورة الحرب على نفسها في 13 يناير 1986م ضد ما أسمته اليمين الانتهازي، وانقسم الحزب على نفسه نصفه في الشمال والنصف الآخر في الجنوب، وانقسم العسكريون على أنفسهم، نصفهم في الجنوب والنصف الآخر في الشمال. دخل المنتصرون الوحدة التي مهدوا لها في 30 نوفمبر 1989م ولم يستغلوا الفترة الواقعة بين هذا التاريخ و22 مايو 1990م في دعوة إخوانهم أو رفاقهم إلى مؤتمر لإعادة وحدة الصف ومواجهة تحديات الفترة المقبلة، وأبرزها جبروت القبيلة في شمال الشمال. دخل الجنوبيون الوحدة مفككين ودخلوا بعد ذلك حرب صيف 1994م مفككين، وها هم اليوم مفككون، في حين أن القبيلة بشيوخها وعسكرها في الشمال موحدة، فموقف علي عبدالله صالح لا يختلف عن موقف علي محسن الأحمر أو حميد الأحمر. الجنوبيون بتعدد تكويناتهم وهي ثمانية في الجنوب وتكوينان في أمانة العاصمة أصبحوا بين مطرقة دخول الحوار الوطني وسندان الحرب مع الشمال أو القبيلة التي لا تفرط بمصالحها. الجنوب بكل خيراته: الأرض والتربة والسواحل الطويلة التي تمتد من باب المندب غرباً حتى سلطنة عمان شرقاً يشكل الموقع الاستراتيجي في خط الملاحة الدولية. هناك ركود في الساحة الجنوبية وهناك تباين في صفوف قيادة الخارج ولمصلحة من بقاء الأوضاع مراوحة في مكانها، الكل متفق على حقوق الجنوب في أرضه وثروته وحقه في تقرير مصيره بما يؤمن استعادة دولة الجنوب إما مباشرة أو عبر فيدرالية، البوابة إلى دولة الجنوب. هناك قوة ناعمة تتمثل في حكماء الجنوب، يتمثلون في رجال مال وأعمال مستقلين وأكاديميين ومثقفين وشخصيات اجتماعية وشباب مثقف له وزنه وحضوره الاجتماعي. هل سيبادر حكماء الجنوب إلى عقد مؤتمر في الداخل أو الخارج لاستعراض أوضاع الساحة الجنوبية وتشخيصها وتحديد مكامن الداء ووصف الدواء الناجع النافع لإخراج شعب الجنوب من دوامته. ليل إلى متى يا حكماء الجنوب؟!.. نحن ندعو إلى عقد مؤتمر يضم حكماء الجنوب غير المنتمين إلى أي تيار من تيارات العمل النضالي في الجنوب لتلافي التشرذم، ووضع خارطة طريق، وتقديم المشورة لمن يريد خلاص الجنوب وتحرره، ونرجو كل من يجد في نفسه - من المثقفين الجنوبيين - الرغبة بالمشاركة التفاعل مع الدعوة!.