إنَّ القضاء في كل دولة هو عنوان نهضتها ومعيار تقدمها ومظهر رقيها، وما من دولة تخلَّف فيها القضاء إلاَّ تخلفت عن ركب المدنية وأسباب الارتقاء، فالقضاء هو سياج الحقوق وحامي الحريات. وما من شك في أن للقضاء أهمية في حضارة الشعوب، وتقدمها، وأصالة حياتها، وطيب تعايشها الاجتماعي وهو معيار ذلك والدليل على اعتباره. ذلك أنَّ القضاء ميزان الادعاء ونبراس العدل والملاذ الآمن للمظلوم، ومن أجل هذا حرصت الدول قاطبة على تحقيق أسباب الاستقلال لهذا الحصن المنيع، وتوفير عناصر الاطمئنان لرجاله من خلال إحاطتهم بالضمانات التي تكفل لهم حياة كريمة ومطمئنة في سبيل تأديتهم لرسالتهم العظيمة وهم بأمن من كل تأثير أو ترغيب أو إغراء. وبقدر ما يكون للقضاء من هيبة وسلطة ونفوذ في أي مجتمع، فإنَّ لذلك المجتمع نصيبه الموازي لذلك القدر من السعادة والرخاء، وتوافر مسالك الحياة الأفضل لكافة أفراده، كما أنَّ له نصيب من الاحترام والتقدير والثقة والاطمئنان إلى التعامل معه من المجتمعات الأخرى. فالقاضي هو العنصر المحوري والهام في بنية النظام القضائي، لكونه هو الذي يفصل في المنازعات بين المتقاضين ويحقق العدالة، لذلك يكون القضاة بلا شك هم المكون الأساسي والهام في النظام القضائي. فمن الممكن نظرياً أن نتصور وجود نظام قضائي من دون محامين، حيث يطلع كل متقاض بتقديم دفاعه وطلباته الخاصة به أمام القاضي، لكن من غير المتصور- حتى على سبيل الفرض الجدلي- أن يوجد نظام قضائي من دون قضاة، كما أنَّ مسألة الاستقلال والحيادية لا تتعلق إلا بالقضاة بصفة أساسية. فاستقلال النظام القضائي- كما استقلال القاضي- هو بالنسبة للقضاة شرط ضروري لممارسة رسالتهم السامية. لذلك صح القول بأن القاضي الذي لا ينعم بالاستقلال لا يصدق عليه وصف القاضي، فاستقلال القاضي جزء من تعريف القاضي وكيانه، وبالمقابل لا تطرح مسألة الاستقلال بذات المفهوم أو الدرجة أو الأهمية فيما يتعلق بالعناصر الأخرى للنظام القضائي بمعناه الواسع، مثل المحامين أو الخبراء أو معاوني التنفيذ أو غيرهم. ويمثل قضاء الحكم حجر الزاوية في العملية القضائية، وذلك أن مبتغى القضاء هو الوصول إلى حكم بات ينهي الخصومة القضائية، ويستقر به معالمها بذلك الحكم "عنوان الحقيقة". وحتى تكون المحاكمة الجنائية عادلة فلا بد أن يكون القضاء المنوط به مهمة الفصل فيها عادلاً أيضاً، باعتبار أن ذلك يمثل أهم ضمانة للمتهم في تلك المرحلة من مراحل الدعوى الجنائية. وتعد الحصانة ضد العزل من أهم العوامل الداعمة لاستقلال القضاء، وفي إقبالهم على أداء واجباتهم دون خوف أو تردد أو ترهيب من جانب السلطات الأخرى، ولكن هذه الضمانة قد تعترضها عوائق أو عقبات تحول دون أن يتمكن القضاة من الحصول على القدر اللازم من الاستقلال. وأبرز مثال على ذلك ما تعرض له القضاء في مصر لمحنة الاعتداء على استقلاله وحصانته في عام 1969م في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وذلك على إثر صدور القرار الجمهوري بقانون رقم 83 لسنة 1969م بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية، كما تبعه أيضاً القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969م بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة، وقد أغفل ذكر أسماء بعض رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة ممَّن كانوا معينين قبل صدور هذا القرار ما يعني صدور القرار بعزلهم دون اتباع الطرق التي حددها القانون بشأن عزل القضاة. حيث نصت المادة الأولى من القرار الجمهوري بالقانون رقم 83 لسنة 1969م على أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية المنظمة بالقوانين رقم 117 لسنة 1958م ورقم 55 لسنة 1959م ورقم 75 لسنة 1963م ورقم 43 لسنة 1965م المشار إليها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون. كما نصت المادة ( 2)من ذلك القرار الجمهوري بان يصدر رئيس الجمهورية خلال المدة المذكورة القرارات اللازمة لإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم الحالية أو في وظائف مماثلة بالهيئات القضائية الأخرى. أن القضاء المصري يتعرض للمحنات والمذابح تلو الأخرى، ولذلك فإن ما أقدم عليه الرئيس محمد مرسي من إصدار الإعلان الدستوري الأخير الذي حاول فيه التدخل المباشر والسافر في شؤون العدالة، من خلال قيامة بإصدار قرارات غير قانونية قصد بها إصابة القضاء في مقتل، فالقضاء هو الملاذ الآمن والأخير للمواطن، وان القول بان قرارات رئيس الجمهورية غير قابلة للطعن تعد سابقة دستورية لم يشهد لها مثيل. كما أن القوانين الإجرائية قد حددت الأحوال التي يجب بها إعادة المحاكمة، وهي مفصلة تفصيلا دقيقا بقانون الإجراءات الجنائية، ولم تعد هناك حاجة في أن يصدر رئيس الجمهورية قرارا يقضي بإعادة المحاكمات، كون ذلك يعد تدخلا سافرا في شؤون العدالة ويوجب محاسبته علية، ناهيك عن انعدام التصرف الذي أقدم عليه واتصافه بعدم المشروعية. وقد سبق ذلك التصرف إصدار الرئيس مرسي لقرار جمهوري بقانون قضى فيه بإيقاف تنفيذ سير حكم المحكمة الدستورية العليا بشان حل مجلس الشعب المصري، وهذا يعد مخالفة دستورية وقانونية لقانون أنشاء المحكمة الدستورية الذي جعل قراراتها تتمتع بقوة تفوق صلاحيات ومهام رئيس الجمهورية. خلاصة القول فإن القضاء المصري يذبح يوما بعد يوم ومنذ زمن مضى، مع الفارق أن عملية الذبح اليوم تتم بزخم ثوري، مستقلة حالة الهيجان والفوضى التي يعيشها الشارع المصري. إنَّ القضاء في كل دولة هو عنوان نهضتها ومعيار تقدمها ومظهر رقيها، وما من دولة تخلَّف فيها القضاء إلاَّ تخلفت عن ركب المدنية وأسباب الارتقاء، فالقضاء هو سياج الحقوق وحامي الحريات. وما من شك في أن للقضاء أهمية في حضارة الشعوب، وتقدمها، وأصالة حياتها، وطيب تعايشها الاجتماعي وهو معيار ذلك والدليل على اعتباره. ذلك أنَّ القضاء ميزان الادعاء ونبراس العدل والملاذ الآمن للمظلوم، ومن أجل هذا حرصت الدول قاطبة على تحقيق أسباب الاستقلال لهذا الحصن المنيع، وتوفير عناصر الاطمئنان لرجاله من خلال إحاطتهم بالضمانات التي تكفل لهم حياة كريمة ومطمئنة في سبيل تأديتهم لرسالتهم العظيمة وهم بأمن من كل تأثير أو ترغيب أو إغراء. وبقدر ما يكون للقضاء من هيبة وسلطة ونفوذ في أي مجتمع، فإنَّ لذلك المجتمع نصيبه الموازي لذلك القدر من السعادة والرخاء، وتوافر مسالك الحياة الأفضل لكافة أفراده، كما أنَّ له نصيب من الاحترام والتقدير والثقة والاطمئنان إلى التعامل معه من المجتمعات الأخرى. فالقاضي هو العنصر المحوري والهام في بنية النظام القضائي، لكونه هو الذي يفصل في المنازعات بين المتقاضين ويحقق العدالة، لذلك يكون القضاة بلا شك هم المكون الأساسي والهام في النظام القضائي. فمن الممكن نظرياً أن نتصور وجود نظام قضائي من دون محامين، حيث يطلع كل متقاض بتقديم دفاعه وطلباته الخاصة به أمام القاضي، لكن من غير المتصور- حتى على سبيل الفرض الجدلي- أن يوجد نظام قضائي من دون قضاة، كما أنَّ مسألة الاستقلال والحيادية لا تتعلق إلا بالقضاة بصفة أساسية. فاستقلال النظام القضائي- كما استقلال القاضي- هو بالنسبة للقضاة شرط ضروري لممارسة رسالتهم السامية. لذلك صح القول بأن القاضي الذي لا ينعم بالاستقلال لا يصدق عليه وصف القاضي، فاستقلال القاضي جزء من تعريف القاضي وكيانه، وبالمقابل لا تطرح مسألة الاستقلال بذات المفهوم أو الدرجة أو الأهمية فيما يتعلق بالعناصر الأخرى للنظام القضائي بمعناه الواسع، مثل المحامين أو الخبراء أو معاوني التنفيذ أو غيرهم. ويمثل قضاء الحكم حجر الزاوية في العملية القضائية، وذلك أن مبتغى القضاء هو الوصول إلى حكم بات ينهي الخصومة القضائية، ويستقر به معالمها بذلك الحكم "عنوان الحقيقة". وحتى تكون المحاكمة الجنائية عادلة فلا بد أن يكون القضاء المنوط به مهمة الفصل فيها عادلاً أيضاً، باعتبار أن ذلك يمثل أهم ضمانة للمتهم في تلك المرحلة من مراحل الدعوى الجنائية. وتعد الحصانة ضد العزل من أهم العوامل الداعمة لاستقلال القضاء، وفي إقبالهم على أداء واجباتهم دون خوف أو تردد أو ترهيب من جانب السلطات الأخرى، ولكن هذه الضمانة قد تعترضها عوائق أو عقبات تحول دون أن يتمكن القضاة من الحصول على القدر اللازم من الاستقلال. وأبرز مثال على ذلك ما تعرض له القضاء في مصر لمحنة الاعتداء على استقلاله وحصانته في عام 1969م في عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وذلك على إثر صدور القرار الجمهوري بقانون رقم 83 لسنة 1969م بشأن إعادة تشكيل الهيئات القضائية، كما تبعه أيضاً القرار الجمهوري رقم 1603 لسنة 1969م بإعادة تعيين رجال القضاء والنيابة العامة، وقد أغفل ذكر أسماء بعض رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة ممَّن كانوا معينين قبل صدور هذا القرار ما يعني صدور القرار بعزلهم دون اتباع الطرق التي حددها القانون بشأن عزل القضاة. حيث نصت المادة الأولى من القرار الجمهوري بالقانون رقم 83 لسنة 1969م على أن يعاد تشكيل الهيئات القضائية المنظمة بالقوانين رقم 117 لسنة 1958م ورقم 55 لسنة 1959م ورقم 75 لسنة 1963م ورقم 43 لسنة 1965م المشار إليها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون. كما نصت المادة ( 2)من ذلك القرار الجمهوري بان يصدر رئيس الجمهورية خلال المدة المذكورة القرارات اللازمة لإعادة تعيين أعضاء الهيئات القضائية في وظائفهم الحالية أو في وظائف مماثلة بالهيئات القضائية الأخرى. أن القضاء المصري يتعرض للمحنات والمذابح تلو الأخرى، ولذلك فإن ما أقدم عليه الرئيس محمد مرسي من إصدار الإعلان الدستوري الأخير الذي حاول فيه التدخل المباشر والسافر في شؤون العدالة، من خلال قيامة بإصدار قرارات غير قانونية قصد بها إصابة القضاء في مقتل، فالقضاء هو الملاذ الآمن والأخير للمواطن، وان القول بان قرارات رئيس الجمهورية غير قابلة للطعن تعد سابقة دستورية لم يشهد لها مثيل. كما أن القوانين الإجرائية قد حددت الأحوال التي يجب بها إعادة المحاكمة، وهي مفصلة تفصيلا دقيقا بقانون الإجراءات الجنائية، ولم تعد هناك حاجة في أن يصدر رئيس الجمهورية قرارا يقضي بإعادة المحاكمات، كون ذلك يعد تدخلا سافرا في شؤون العدالة ويوجب محاسبته علية، ناهيك عن انعدام التصرف الذي أقدم عليه واتصافه بعدم المشروعية. وقد سبق ذلك التصرف إصدار الرئيس مرسي لقرار جمهوري بقانون قضى فيه بإيقاف تنفيذ سير حكم المحكمة الدستورية العليا بشان حل مجلس الشعب المصري، وهذا يعد مخالفة دستورية وقانونية لقانون أنشاء المحكمة الدستورية الذي جعل قراراتها تتمتع بقوة تفوق صلاحيات ومهام رئيس الجمهورية. خلاصة القول فإن القضاء المصري يذبح يوما بعد يوم ومنذ زمن مضى، مع الفارق أن عملية الذبح اليوم تتم بزخم ثوري، مستقلة حالة الهيجان والفوضى التي يعيشها الشارع المصري. *عدن الغد