من لا يتّعض من التجارب يبقى رهينة الفشل، التجارب كفيلة بأن تكسبنا الخبرة والدراية، وإن لم يكن الماضي لنا عبرة، فالحاضر سيكون نسخة من ذلك الماضي الموبوء بالفشل. ثلاث مشاريع مرّت على الجنوب، صنعت تاريخاً سياسياً متفاوتاً، بعضها أُفشِل من قبل خصومه كمشروع "الجنوب العربي"، وبعضها أفشله قادته.
أثناء الثورة ضد بريطانيا كان هناك مشروعاً سياسياً يتم الإعداد له ليكون نظاماً للحكم بعد تحقيق الاستقلال، نواته إمارات عربية تحت سقف دولة اتحادية اسمها "الجنوب العربي"، أُجهض هذا المشروع وتم قتل قادته، من قبل مشروعاً كان يحمل سمة الاستبداد الفكري، والاحتلال السياسي.
تصدر المشروع المنتصر "مشروع الاشتراكية" المشهد السياسي، وقاد البلاد بيدٍ باطشة عاثت قتلاً وخراباً، وأخرى "مغلولة" أفقرت الشعب، ومنعت عنه كل سُبل الرفاهية، وجعلته حبيس جغرافيته وفقره، وأسير الفكر الاشتراكي المستورد.
نجح هذا المشروع في تثبيت دعائم حكمه، لكنه لم ينجح في تحقيق بناء دولة لديهما الموارد الكافية لقيام دولة ذات ثقل اقتصادي، ثم زاد أن جعل منها دولة مُعادية لجوارها العربي الخليجي، استغل ساسة هذا المشروع الحماس الشعبي في تكريس وجودهم وتدعيم حكمهم.
قادنا أرباب هذا المشروع وهذا الفكر إلى مشروع ثالث، مشروع "الوحدة اليمنية"، قادونا بطريقة أفضت في نهاية الأمر إلى فشل هذا المشروع، وتسببوا من خلاله بمآسي للشعب في الجنوب، لا زال يجني ثمارها إلى اليوم.
من هذا يتبيّن أن ذات الفكر الإقصائي هو من تسبب لنا بكل هذه التجارب المأساوية الثلاث، تجربة القضاء على مشروع الدولة الاتحادية الجنوبية، وتجربة الدولة الاشتراكية، وتجربة الوحدة الفاشلة!
والآن يبدو أن أياً من هذه التجارب لم تكن دروساً لساسة الحاضر الذين يستمدون حاضرهم السياسي من ذات ماضي ذلك الفكر المبني على الإقصاء، والتقدم دون رؤية سياسية واضحة.
يحمل الشعب آمالاً في وطن حر، وطن يكون خلاصة تجارب الماضي وعبرتها، وطناً يحمل هويته الجنوبية وانتماءه العربي، لا يُرِيد تكراراً للمشاريع التي تسعى لتغييب حقه هذا وإفشال انتصاره، لكن الأدوات التي بإمكانها تحقيق هذا غائبة عن المشهد، ومن يتصدر المشهد حالياً لا يقل إدراكهم السياسي وعطائهم الثوري عن أولئك الذين تسببوا بمآسي الشعب في السنوات القليلة الماضية.
سينتصر الشعب لمشروعه عندما يعرف منهم قادته الذين يسعون لتحقيق الانتصار له، ومن هم الذين يسعون للتكسب على حساب قضيته.
أبطال ثورتنا، اصنعوا مجد وطنكم، حافظوا عليه، تمسكوا به، عظّوا على هدفه في التحرير بالنواجذ، لا تتركوه، لا تجعلوه حقلاً للتجارب، ولا هدفاً لكل ذي مطمع.