باختصار شديد ، هل يدرك قادة الحراك الجنوبي مدى خطورة المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الجنوبي ؟! فالخطر لايكون في أن المجتمع الدولي لن يقبل تحقيق هذا الحق المكفول لكل الشعوب والتجمعات وحتى الأقليات إذا كانت مضطهدة من قبل الاغلبية . الخطر يكمن في انه بسبب الأزمة المتصاعدة داخليا في الجنوب والصراع الجنوبي - جنوبي ، وعدم الانسجام الواضح بين الشرعية من جهة والمجلس الإنتقالي (بصفته أكبر وأبرز الفصائل الممثلة للشعب الجنوبي ) مع وجوددة فصائل أخرى تمثل قطاعا كبيرا من هذه الجماهير ، أدى هذا الصراع مع انعدام الخدمات الضرورية للجماهير البسيطة المحرومة أيضا من صرف رواتبها بانتظام وانعدام الأمن خاصة في العاصمة عدن .... وفي ظل تنصل القوتين الرئيسيتين في الجنوب ، حكومة الشرعية وأجهزة المجلس الانتقالي من مسؤوليتهما عن تدهور الأوضاع المعيشية والخدمية والامنية (وكلا الطرفان يلقي باللائمة على الاخر) بحيث تحولت عدن التي كان يضرب بها المثل على مر العصور بتوفر الأمن وسيادة النظام والقانون إلى مستنقع للفوضى ولكل نفايات اليمن (البشرية ). أيضا كان للتنافس الإقليمي على تحقيق مصالح خاصة خارجة عن الهدف الأصلي لاعلانها عاصفة الحزم وهي إنهاء الانقلاب الحوثي وإعادة الشرعية ومقاومة المد الإيراني (الشيعي) في الخاصرة الجنوبية للجزيرة العربية . في ظل كل هذه الأوضاع التشاؤومية بدأت تظهر نغمة الاستقلالية لبعض المناطق مثل : التجمع الحضرمي والتجمع العدني والتجمع الشبواني وتجمع المهرة الرافض لتواجد القوات السعودية . وفي ظل طرح ممثلي الحراك الجنوبي لحق الجنوب العربي في تقرير مصيره وعودة دولته السابقة على وحدة 90م المشؤومة (ج ي د ش) فإن هذا المطلب يمكن أن يتحقق لأي (كيان أصغر) في الجنوب خارج إطار مايطالب به المجلس الإنتقالي ؛ ومن المصادفة الغريبة أن الانتقالي ساعد من دون أن يدرك في تنامي دعوات تقرير المصير للكيانات الجنوبية الأصغر بموافقته على تشكيل قوات عسكرية لكل كيان (الأحزمة والنخب) ولم يعمل على توحيدها تحت قيادته بصفته القوة الرئيسة العسكرية الفاعلة على الأرض (سلطة الأمر الواقع ) في الجنوب ، تماما كالحوثي (سلطة الأمر الواقع) في صنعاء وأغلب مناطق الشمال ، وفي هذا السياق يجب أن يتساءل المجلس الإنتقالي ومستشاروه : لماذا استطاعت سلطة صنعاء أن تفرض وجودها على الجميع ؟ برغم إمكاناتها المحدودة والحصار المفروض عليها مقارنة ب "الانتقالي"؟ ولما لم يستطع الإنتقالي عمل نفس الشيء ؟! "هذا قد يكون موضوع نقاش في مقال آخر" * .فلنعد لقضية إمكانية مطالبة الكيانات الصغيرة (في إطار الجنوب) بنفس الحق الذي يرتكز عليه الإنتقالي وبقية قوى الحراك الجنوبي في كل حججها لنيل الاستقلال . فالقانون الدولي يتعامل بالمثل مع الكتل الصغيرة والكبيرة بنفس المعايير القانونية لحق تقرير المصير ، فماذا لو طالبت سقطرى بالاستقلال والانضمام للإمارات كما أشار إلى ذلك الاستاذ/ لطفي شطارة؟ ومثلها المهرة ، وحضرموت ، وعدن !! فلا يستطيع منظرو الإنتقالي حرمان الآخرين مما يطالبون به لأنفسهم ؟؟ فما هو المخرج من هذه الإشكالية (الخطيرة ) على وحدة الجنوب ؟ من وجهة نظري ليس هناك سوى حلين لا ثالث لهما : * الاول : الإسراع بلم شمل كل القوى الجنوبية الأخرى المؤمنة بحق الجنوب في الاستقلال من دون تهميش لاي مكون جنوبي ، وتشكيل "تكتل" جنوبي عريض بقيادة (الانتقالي) ، والعمل الدبلوماسي المكثف مع كل القوى المؤثرة في العالم خاصة التحالف العربي التي قد تكون لها تحفظات على فرض هذا (التكتل أمرا واقعا) بتشكيل حكومة انتقالية جنوبية (كما فعل الحوثيون في صنعاء ) - خاصة وأن الجنوب يمتلك وسائل ضغط قوية لعل أهمها قواته التي تقاتل في صف التحالف في الشمال) - ولهذا يجب على قيادة التكتل الجامع لشعب الجنوب "بفرض حكومة امر واقع " في الجنوب ، وتقوم هذه الحكومة (الجنوبية) بممارسة دور الدولة بدلا عن الشرعية حتى تستعيد ثقة الشعب الجنوبي في قيادة التكتل بزعامة المجلس الإنتقالي، وهي تستطيتع بالموارد الذاتية للجنوب تسيير إدارات دولتها . وبهذا سيأتي إليها المجتمع الدولي للتفاوض معها ..... تماما كما فعل مع الحوثيين (أنصار الله) .
* الثاني : أن يحاول "التكتل الجنوبي" بقيادة الإنتقالي (ببراغماتية تليق بالسياسيين الحقيقين) التفاهم مع "الشرعية" خاصة وبعد أن حقق لها الرئيس هادي مطلبها بإعفاء د. بن دغر من منصبه ، بحيث تقبل مشروع هادي في إقامة دولة اتحادية مع بعض التعديلات (الضرورية ) ، وهي : 1) أن يكون الجنوب إقليما واحدا لا اقليمين ، أو يعرض الأمر على شعب الجنوب في استفتاء حر بإشراف دولي وخليجي ليقرر مايراه لصالحه (ويختار بين الإقليم أو الاقليمين) * وبالمثل عدد أقاليم الشمال يرجع للشماليين تقريرها) . 2) أن تكون المناصب في الدولة الفيدرالية (المؤقتة) بالمناصفة بين الجنوب والشمال وعدد اعضاء مجلس النواب الاتحادي مناصفة 50% لكل إقليم (( وهذا بحسب قاعدة منطقية جديدة وهي : " أن تتساوى الأكثرية السكانية في الشمال مع المساحة الأكبر للجنوب" اي : " المساحة مقابل السكان" ))
وبدلا عن رئيس دولة للاتحاد - بعد سنتين- من استكمال رئاسة المشير/ عبدربه منصور هادي" ، يتكون مجلس رئاسي ( بالانتخاب ) مناصفة بين الجنوبيين والشماليين، والرئاسةتكون دورية بين الشمال والجنوب .
ويسري نفس المعيار على الحكومة بالمناصفة وان يكون رئيسها دوريا لمدة عام جنوبيا ، وفي العام التالي شماليا ، وايضا تكون "المناصفة" في مناصب السفارات ووكلاء الوزارات ومدراء العموم ومجلس القضاء الأعلى وقادة القوات المسلحة والأمن (مناصفة). 3 ) أن يستمر الوضع على هذا الحال لمدة مناسبة يتراضى عليها الطرفان مابين (3-5 سنوات) ، يتم بعدها إقرار مجلس النواب الفيدرالي : بان يجري استفتاء حر ومباشر لشعب الجنوب حول تقرير المصير لاستعادة دولته السابقة على الوحدة او بالبقاء في الدولة الاتحادية، بكل ماتعطيه من حقوق لأن يدير كل إقليم نفسه بنفسه عن طريق برلمانه المحلي وحكومته المحلية . 4) في خلال سنتين من هذه الفترة الانتقالية يقوم البرلمان الاتحادي على إعادة مراجعة الدستور المقر في "مؤتمر الحوار الوطني" ، وتشريع لقوانين إنتخابات مجلس للرئاسة والبرلمان والمجالس المحلية .
في الاخير أرى اننا قد جربنا في الشمال والجنوب كل أنواع المهاترات والصراع بشتى تصنيفاته وفذلكاته وتوصلنا إلى "حقيقة" : انه يجب على المواطنين في الاقليمين أو (الدولتين) التعايش بسلام وتعاون مشترك في كل المجالات وان يكون الحكم بينهما ، هما : الدستور المحلي (لكلا الدولتين ) والقانون الدولي .
وفي حالة إقرار الجنوبيين لفك الارتباط بعد انتهاء الفترة الانتقالية يجب أن يكون البرلمان الفيدرالي قد اعد مسبقا تشريعات وأنظمة متحضرة تنظم العلاقة بين الحكومتين والشعبين الشقيقين والجارين مع احترام كل طرف لخصوصية وأنظمة الطرف الآخر (ممكن أن نستفيد من "تجربة" عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي "Breaksit" . كما يجب أن يكون البرلمان الفيدرالي قد جهز مقترحات لطبيعة العلاقة مع الدول الجارة العربية الشقيقة وكيفية علاقتها المستقبلية مع مجلس التعاون الخليجي في كلتا الحالتين : إذا ظل اليمن كاتحاد فيدرالي أو أصبح دولتين مستقلتين ذ سيادة .