لكل البائعين تجارتهم، وبائع الوطن له فيما يبيع طرُقه الخاصة والحالمين على عتبات حسن الظن منخدِعون، سلكوا دروباً عدّة وخاضوا من التجارب ما لا يكفي لكي يتفادوا أن يُلدغوا من الجحر، وتصوروا أن إيمانهم لم يكتمل. أولئك الذين صاغوا من أحلام المنخدعون سُبلاً وهمية وتقنعو بزيف الحقيقة الكاذبة، استتروا عن أعين الجميع بارتداء عباءة الوطنية ونغم الكلام المعسول، وما كانت أيديهم خلف ظهورهم تأدباً ولكنها تكيد بحمل الخناجر. يظهر على وجوههم ما طُمِسَ بداخلهم أمثال أولئك يُمهدون طُرقهم بتشويه ما امتاز به الأخرون لفتح آفاق ودروب وهمية، متفننين بغلق أبواب الحياة، وإطفاء أنوار الأمل المتبقية، لتصبح الصورة أمام الأعين سوداء بالكامل شديدة العتمة، بدون إطار تكاد تنجرف عن حوافها. لتبدأ رحلتهم الدعائية التي تحمل بين طياتها ما لا يُحمد، وقد ظهر على وجههم ما طُمِس بداخلهم، بتسليط الضوء دائماً وابداً على عيوب الآخرين للظهور في جسد المُخلص والمُنقذ لكل تلك الأحلام الغارقة التي قد رُفضت أو ظلت تحمل أتربة اليأس على أحد رفوف مكتبتك القديمة. فبائعي الوطن فما أن يجد منخدع بين كل هذه الأبواب؛ التي أغلقت عبثاً وأغلق معها كل السُبل في التخطي قدماً نحو ما قد يكون أفضل، متخلياً عن تمام الحلم زاهداً في العيش انكساراً وليس تصوفاً؛ غير هذا المنفذ، وأن أضواء الأمل تُشعَلُ من جديد، منخدعاً بتراتيل السحر الأسود الملقى عليه كتعويذة تسلبه كامل إرادته وتجعل منه مسيراً نحو طريق محتوم، مغيب الوعي لا يستفيق إلا بعد فوات الأوان، ليتم استغلاله بكل الطرق الممكنة. فهناك من يشتري حُلمك عن رضاك المغصوب، وهناك من يصادرك والحلم في آن واحد متملكاً كليكما ويسيرك وفق مشروعه الخاصة، وهناك من يخدعك بأن يصور لك أنك صاحب الوطن الوفي ورائد الفكرة ليصنع منك بطلاً من ورق تهوي سريعاً أمام نسائم الريح العاتية. فإلى بائعي الوطن أن تكون بائعاً لا عيب في ذلك حتى وإن كانت أحلام الأخرين هي سلعتك المباعة، لكن أن تزيف الحقائق وتغش سلعتك وتصنع من أحلام الأخرين مجداً مُستعار، هذا ما يجعل منك لصاً يحرس المسجد، ودجالاً يُدنس طُهر الوطن.