الذين يتحيزون بحماس لحراك الشارع في الجزائر او في السودان او اي بلد كان اسلوباً خالصاً للمطالبة بالإصلاح والتغيير بعيداً عن جملة من وسائل وأساليب وآليات العمل السياسي والتثقيفي هم مخطئون ومخطئون للغاية ويكفي ان نلقي نظرة على ما حدث في البلدان العربية التي ضربها اعصار ما سمي بالربيع العربي والذي ارتكز على حراك الشارع الذي أنتج في محصلته الكوارث والخراب ويكفي ان تنظر الى ما يشهده الشارع الفنزويلي من انقسام مأساوي دفع بقسم كبير منه لاستدعاء التدخل الخارجي والتعاون لتخريب البلد نكاية في القسم الثاني من الشارع نفسه الذي يتمسك برئيسه المنتخب . ان الإصلاح والتغيير هو مطلب دائم وعملية مستمرة لا تتوقف لدى الشعوب والبلدان الحية التي تتوق الى اللحاق بركب التطور والتقدم العلمي والانساني والحضاري ولكن لهذه العملية خصائصها وشروطها ومتطلباتها التي تنبع من التاريخ الوطني الوطني لهذه المجتمعات كما وتستلهم افضل الممارسات والمناهج التي أثبتت صحتها ونتائجها الايجايبة المثمرة كما ان الإصلاح والتغيير كعملية وممارسة تختلف جذرياً عن مفهوم الثورة الذي يتسم بالعنف والتدمير وهو المفهوم الذي يتطلب بدوره شروطاً وعوامل غير متوافرة فيما شهدناه ونشهده في منطقتنا العربية على الأقل بل ان ما يحدث هو مجرد تعسف على الواقع الحقيقي من حيث اقحام مفهوم الثورة على الإحداث التي قامت بالارتكاز على حراك الشارع وفي ظل غياب شبه كلي لمتطلبات هذه الثورات . ان أفضل ما يمكن ان نصف به حراك الشارع هذا انه أسلوب للضغط الشعبي على مجمل المنظومة الوطنية في البلد المعني والتي تتكون من نظام الحكم والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني من اجل تبني برامج واضحة للإصلاح والتغيير المنشود والذي يتحقق من خلال اوسع أشكال الحوار والتفاوض السلمي والنقاشات العامة وحرية الصحافة والتعبير وتنظيم الاستفتآت حول اهم القضايا الوطنية وإشاعة ثقافة الانفتاح والقبول بالآخر والتسامح ورفض الكراهية والتعصب والتطرف والعنف بشتى أشكاله وتظاهره وكذلك فن بناء التحالفات والتوافق وشحذ الهمم وتنظيم الطاقات المادية والروحية وإنضاج الظروف واستكمال الشروط الملائمة والمناسبة لتنفيذ المهام وتحقيق الأهداف . لا يزعم احد ابداً ان الأوضاع في البلدان العربية كانت على ما يرام وان حراك الشارع فيها كان على ضلال بل ان ما نقوله هنا هو ان ذلك الحراك السلمي قد تم السطو عليه واغتصابه من خلال تحويله الى ثورات لم يكتمل شروطها ولم تنضج عواملها مما سهل التدخل الخارجي الذي اجج إحداثها وحولها الى حروب اهلية تنسف مقومات الدولة والنظام ولا يجوز تكرار الأخطاء ذاتها مرة بعد أخرى .