بلاد القائد.. أو "عِرَاسوبيا" وهي دولة عربية كنائية قبل أن تطمس هويتها وتتحول بمن فيها من حجر وبشر إلى حمل اسم بلاد القائد المبجل!!.. اسم كنائي لكل بلاد الطغاة العرب، منحوت من ثلاثة أسماء: العراق، سوريا، وليبيا، وربما غيرها.. رواية سياسية، ولا شيء في حياتنا خارج هذه اللعبة التي فقدت معناها، تحاول أن تعيد صياغة تاريخ الطاغية روائيًا، تتماهى مع أفق التوقعات مما نحن مخضبون به من أوجاع الواقع وتحولاته العنيفة إلى درجة الجنون.. في لغة سردية تعتمد المفارقة والسخرية المرة، والتهكم والجرأة في الكتابة والتناول كما اعتدنا، يمضي بنا الروائي علي المقري هذه المرة في اكتشاف عالم الدكتاتور الطاغية وجنونه، وتفاصيل محيطه الخاص من حاشية وأبناء، ومنافقين وضحايا، وكل ما يكتنزه مروي قصة الطاغية، غير أن عبقرية الكاتب علي المقري، الكامنة في اللغة السردية وإعادة بناء التفاصيل والأحداث في حبكة سردية مشوقة تجعلنا ندلف إلى ما نعلم تفاصيله بعين أخرى لا تمل من لذة الدهشة والمتعة والاكتشاف. وفي خط سردي آخر تتناول "بلاد القائد" ورطة كاتب روائي مشهور، دفعته ظروفه المادية الصعبة ومرض زوجته إلى أن يجد نفسه في "بلد القائد" في لجنة أُوكل إليها أن تكتب سيرته التي تمجد مآثره وبطولاته إلى أقصى درجات التبجيل والتأليه الذي يلبي جنونه، إلى تصور درجة الاكتمال الذي يأتي بعده الزوال بحسب لغة الرواية، فيسقط الزعيم القائد سقوطًا تراجيديًا مدويا، وينفرط عقد النظام والحاشية، وعقد لجنة كتابة السيرة، وكل شيء يغدو إلى انفراط طاغٍ ومجنون، بما في ذلك الثائرون على القائد "وكأن الكل صار ضد الكل، يصرخون بلا معنى، إذ بدت الثورة وكأنها تعني التقارب مع الموت أكثر مما تعني الاقتراب من الحياة". تغدو الرواية التي بين أيدينا وكأنها أحد فصول السيرة غير المكتملة، أو فصل/ فص "المبجل" الذي يتوسط مخطط فصوص السيرة المكونة من مائة وواحد من الفصول التي تحمل صفات تمجيد القائد، الفصل الذي أراده الراوي واسطة عقد سيرة القائد، لكنه يعيد عنوانه بعد سقوط القائد إلى "القذى" أشد أنواع الأوساخ كراهة، ليتحول ما بعده إلى سيرة مفتوحة على الكتابة نحو النقيض من الصفات والأسماء التي ادعاها القائد الزعيم. ولنا مع هذه الرواية الجميلة قراءة أخرى في قادم الأيام. وقد صدرت حديثا عن دار المتوسط في ميلانو.