صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    مسيرة حاشدة بجامعة صعدة إحياء لثورة 21 سبتمبر وتأكيداً على نصرة غزة    الداخلية: فرق "المرور السري" تضبط 97 سيارة في يومها الاول بشوارع العاصمة .. صور    مساء اليوم.. منتخب الناشئين يواجه الإمارات في منافسات كأس الخليج    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    وزير النقل يرأس وفد بلادنا المشارك بأعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران بكندا    الميناء العدني يشارك في البطولة العربية لكرة السلة بدبي بجهود ذاتية    محافظة مأرب تحتفي بأعياد الثورة بمسيرة شبابية وكشفية بالموسيقى العسكرية    مدير شرطة تعز:الحملة الأمنية مستمرة حتى ضبط كافة المطلوبين    مسيرة لمنتسبي الجامعات بالحديدة دعمًا لغزة    انتقالي زنجبار ينظم ورشة عمل بعنوان "المعالجات والحلول لمكافحة المخدرات والحد من ظاهرة حمل السلاح.    محافظ شبوة يطلق برنامج تشجيع زراعة القمح في 8 مديريات    الدفاع المدني في غزة يفيد بمقتل العشرات في غارات إسرائيلية    الرئيس الزُبيدي يلتقي مديرة مبادرات الشرق الأوسط بالمنتدى الاقتصادي العالمي    جريمة قتل اخرى بتعز ضحيتها امرأة والجاني يلوذ بالفرار    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    حملة لإتلاف المياه المعبأة مجهولة المصدر في المنصورة    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    دراسة تهامية: أبناء المناطق الساحلية هم الأولى بحمايتها عسكريا    السبت إجازة في صنعاء والأحد في عدن    الأرصاد: أمطار رعدية على أجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    الأغذية العالمي يعلّق أنشطته في مناطق سيطرة سلطة صنعاء    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس إعلامية الإصلاح يعزي الكاتب الصحفي حسين الصوفي في وفاة والده    هيئة شؤون القبائل تستنفر لاحباط مخططات اثارة الفتنة    ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بين الحقيقة والمزايدة    منظمة أمريكية: لدى القوات المسلحة اليمنية ترسانة عسكرية تهدد أسرائيل    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    بعير اليمن الأجرب.. الإخوان المسلمون: من شريك مزعوم إلى عدو واقعي    بلباو وإسبانيول يكتفيان بالتعادل أمام جيرونا وفالنسيا    تشيلسي يتجنب المفاجآت.. وبرايتون يكتسح بسداسية    حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    مليشيا الحوثي تشن حملة اختطافات جديدة في إب    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    350 كشافا يشاركون الخميس ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بصنعاء    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    اجتماع للجنة تسيير المشاريع الممولة خارجياً في وزارة الكهرباء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    إتلاف 5.5 طن من المواد الغذائية منتهية الصلاحية في البيضاء    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    الإمارات تدعو مجددًا مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته لردع إسرائيل    تعرف على هوية الفائز بجائزة الكرة الذهبية 2025    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوقفوا أيديكم عن إبتلاع ذاكرتنا التأريخية!!
نشر في عدن الغد يوم 05 - 08 - 2019

يبدو أن الفساد في بلادنا قد تجاوز علاقة الإنسان بالبيئة والتأريخ ,وأبلغ دليل مادي على ما يجري في الواقع هو إقدام المتنفذين والفاسدين ولصوص الأراضي للإستحواذ على محمية أدواش الحسوة ما تسمى( بأشجار الطاري) بعد تدمير مليوني شجرة منها و بيعها بالمزاد العلني, وهو تصرف مشين وعشوائي و غير قانوني منافٍ للأعراف و قوانين البيئة المحلية و العالمية و العهود الدولية لمنظمات البيئة و قرارات الأمم المتحدة المعنية بالحفاظ على البيئة , التي تؤكد على عدم المساس بالمحميات البيئية المنسجمة مع قرار مجلس الوزراء اليمني الذي أعتبر محمية الحسوة , محمية بيئية لا يجوز الإستحواذ عليها أو العبث بها أو تحويلها إلى كتل إسمنتية تحت ذريعة المدن الجديدة أو التنمية السكينة, وهو حق أريد به باطل ,مثل هذا التصرف الذي يهدد مصير البشر وحياتهم الإجتماعية والاقتصادية, فإنه يشكل بما لا يدعُ مجالاً للشك إستفزازاً للضمير الوطني و الوعي البيئي الجمعي ، وحقوق الإنسان بإقدام هؤلاء المتنفذين بالاستحواذ على هذه المحمية ، وقطع أشجارها المعمرة التأريخية ، وهي ما تعرف عند أهالي الحسوة( بأدواش الطاري) أو كما يطلق عليها أشجارالخل, كما هو متعارف عليه في عدن وفي ألإقليم, أيضاً وهي تمتد من الحسوة مروراً بقريتي الرباك والمهرام حتى محطة الكهروحرارية, علماً أنها من الأشجار المعمرة و يبلغ عمرها الزمني ما يقارب (300 )عام جلبها أجدادنا البحارة الجنوبيون القدماء من شرق آسياء و شرق أفريقيا ,و غرسوها على إمتداد الشريط الساحلي المحاذي للبحر المقابل لمدينة الشعب, مشكلة بذلك منتجعاً طبيعياً جميلاً جاذباً وموئلاً للطيور المهاجرة والمحلية و الآلاف من الإبل والأغنام والأبقار, وهي إحدى مقومات السياحة الطبية التي يطلق عليها منطقة الطب السياحي الشعبي نتيجة تردد الناس عليها للتداوي, إلى جانب كون هذه المحمية حاضنة إقتصادية ينتفع بها إلالاف من الأسر و النساء الفقيرات اللواتي يستخدمن المواد الخامة المستخرجة من شجرة الطاري《الدوش》مثل العزف والمجاريف الشوكية والأغلاب المتنوعة الألوان التي تشكل أساساً لصناعات حرفية شعبية تأريخية و متنوعة تدخل ضمن المنتج السياحي الوطني مثل زنابيل التسوق ومسارف الأكل وجعاب حفظ الخبز وحبال إسرة النوم, فضلاً عن السلق الحصيرية التي كانت تستخدم كفرش في المنازل الريفية الشعبية وكدعامة لأسقف المنازل الطينية حماية لها من تسرب مياه الأمطار, و كوقاية من دودة الأرضة التي تأكل الخشب أو الحصير أو السلقة المستخرجة من نفس هذه الشجرة التي تحتوي على مادة فطرية مقاومة للأرضة, ناهيك عن عدد من المنتجات الشعبية الفلكورية مثل المراوح اليدوية المخففة للحرارة و العطال( الأكياس )الحصيرية التي تعبأ فيها التمور, ومادة التبغ( التنباك )اللتان تصدران إلى أوروبا و تحمي هذه البضائع من التعفن والتلف , و هو ما كان ينصح به التجار الإيطاليين الذين كانوا يستوردون تلك البضائع عبر ميناء عدن ,هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فإن هناك منفعة إقتصادية وطبية وإجتماعية للأهالي في تلك المناطق .. فمن الدوش تستخرج مواد طبية طبيعية, أي ما يطلق علية بشراب (الطاري الصبحي )الذي يخرج من منهل الدوش ما بين الساعة الرابعة فجراً و الخامسة فجراً و هو طازج و لم يكن مسكراً قبل ظهور الشمس, و قبل أن يتخمر يصبح دواء و علاج شعبي للقضاء على ديدان البطن وتقليص الإنتفاخ أوما يسمى شعبياً بمرض الدلف ، بالاضافة إلى ما تفرزه هذه الشجرة من مادة قطنية خفيفة, أشبه بخيوط العنكبوت الداكنة اللون تتواجد بين أغلابها وتستخدم كعلاج للجروح الناتجة عن قطوع الجروح في جسم الإنسان، و على التو و بسرعة عجيبة يتوقف سيلان الدم و يلم الجرح في الحال!! !!
أما إذا ما تحدثنا عن مادة الخل العدنية الأصيلة المستخرجة من شجرة الدوش فهي مادة مشهيه للأكل و مشهورة على المستوى المحلي و الإقليمي ولا زالت ذاكرتها محفورة في ذهنيات مختلف الأجيال العدنية بإعتبار الخل أصبح من المكونات الأساسية لوجيبة الزربيان المشفوع بكوب الشتني بمعية الأرز البسمتي واللحم البلدي.و البطاطة و البهارات الهندية بأنواعها ، وعادةً ما يقدم للمدعوين في إحتفالات الأعراس أو ضيافة الزوار أو في الأعياد الدينية و المناسبات الاجتماعية الأخرى, و هناك أيضا منفعة إجتماعية لدوش الطاري في المناطق الريفية لحل أزمة السكن التي تقلق وترهق الشباب عبر الإستفادة من مكونات هذه الشجرة, مثل جذوع وجذور الدوش و أغصانه وعزفه الحصيري لإستخدامه في بناء الأكواخ أو المنازل الشعبية وهي بيوت الفقراء ليعيشوا مستوري الحال و بكرامة إنسانية، و تحل من جانب آخر مشكلة السكن الريفي .
وكذلك بفضل الإستخدام الأمثل لهذه الشجرة التأريخية توفرت المئات من فرص العمل للشابات الريفيات الفقيرات كمصدر رزق من بيع منتوجات ثمراتها المعروفة( بالبهش) عند أهالي الحسوة و القرى المجاورة لها و هي تستخدم كمادة غذائية للمضغ و التذوق والإرتواء من شرابها الحلو المذاق و تستخرج منها مادة الفوفل ,بعد قطعها و التي تعتبر إحدى مكونات التنمبل و يتعاطونها العدنيون على مدى سنين طويلة ,و كذلك استخدامها في طبخات الفوفل الملبس الذي يوزع في الأفراح النسوية العدنية المرغوب بحلاوته وروائحة العطرة الزكية وهو منتج سياحي, لا يخلو من معارض الجمعيات الخيرية و التنموية العدنية التي تعرضها للترويج السياحي لجذب السياح وفي موسم السياحة الداخلية, وهنا تكمن الفائدة الغذائية و الاقتصادية و السياحية لهذه المنتوجات التي نخشى أن تنقرض خلال السنوات القليلة القادمة وهي تعد من الصناعات و الحرف التراثية المستخرجة من هذه الشجرة المعمرة التي دُمرت كغيرها من معالم عدن التأريخية.
السؤال المطروح و الملح و المحزن الأن , لماذا يتم هذا التدمير لإحدى معالمنا البيئية التأريخية ؟! في ظل صمت الحكومة و المرافق و المؤسسات المعنية و كأن الأمر لا يهمها لا من قريب ولا من بعيد؟!!
فلا تفاعل من قبل المسئولين عن البيئة ولا أراضي وعقارات الدولة ولا وزارة الزراعة ولا الهيئة العامة للسياحة ولا تخطيط المدن ولا هيئة الآثار ولا هيئة مكافحة الفساد ولا الجهات الأمنية ولا وزارة الزراعة , ولأ الإعلام الذي لم يتناولها , وإذا تناولها يتناولها بأستحياء و حذر شديد أوفي شكل أخبار و مقالات أو تقارير مقتضبة.. و حتى المجتمع المدني للأسف لزم الصمت هو الآخر و أصبح موقفه سلبياً, بل ما يثير الحسرة و يزيد من إيلامنا أنهم لم يتجرأوا هم و الأهالي ولو حتى على الإقدام في تنظيم وقفة احتجاجية واحدة, تندد بهذا الطوفان التدميري للمحمية ، و تبصير الرأي العام بهذا العبث للفت أنظار ذوي الشأن لتتحمل الحكومة مسئوليتها الوطنية والأخلاقية والسيادية , وكذلك لتفعيل الضغط الشعبي لوضع حد لهذه الانتهاكات.
وحينما ننظر إلى التأثير البيئي جراء تدمير هذه المحمية تستحضرني الذاكرة نصيحة الهولنديين الذين نفذوا مشروع المياه العادمة قبل حوالي خمس عشر سنة ، محذرين من عدم قطع أشجار دوش الطاري أو محمية الحسوة البيئية لما تشكلة من أهمية بيئية ومناخية تساعد على تلطيف الجو و تمتص الحرارة وسيؤدي مثل هذا العبث إلى تأثير بيئي سيترك أثره السلبي على الأهالي و حياتنا اليومية, ويحرمنا من حقنا في التنفس بالهواء النقي الرقراق..لكن الفارقة العجيبة التي اكتشفناها عند المقارنة بين ما يجري في بلادنا و ماهو سائد في العالم ، هو أنه في الوقت الذي تهتم دول العالم المتقدمة بمشاريع التشجير الشاملة و البحث عن أشجار سريعة النمو تستطيع امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون بمقادير قياسية وما يقوم به الباحثون من تجارب هندسية وراثية يعملون ليلاً و نهاراً من أجل إكتشاف كل جديد لتطوير الأشجار التي تلطف المناخ و البيئة ,ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد أصدرت الكثير من دول العالم المتقدم ، توجيهات بعدم منح التراخيص لإقامة أي مصنع مالم.. يزرع صاحبه من الأشجار ما يكفي لإمتصاص هذه المصانع من غاز أكسيد الكربون المؤثر على البيئة و الإنسان .. لكن ما يجرى في بلادنا من تدمير ممنهج للبيئة ومعالمنا التأريخية ومقومات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية و المدنية والإجتماعية في ظل غياب الضمير الوطني و ضعف الإنتماء و فقدان الهوية و تردد الوعي الاحتجاجي, قد وفر مناخاً للفاسدين وعديمي الضمائر لتدمير كل شيء جميل في حياتنا.
وفي هذه الحالة نكون نحن بصمتنا السلبي شركاء للأسف في هذه الجريمة النكراء وأنطبق علينا قول الشاعر العربي المعري مع الاعتذار للتعديل فيه لإسقاطه على واقع الحال في بلادنا لنقل.
ولما رأيت الصمت في الناس فاشياً صمت حتى قيل إني صامتُ
تشبيهاً بما قال المعري))
لما رأيت الجهل الناس فاشياً تجاهلت حتى قيل إني جاهلُ نعم لقد بلغ السيل الزبى بعد أن أصبحت عدن الحضارة, التجارة, الاقتصاد, التنوع الثقافي, مدينة السلام و التسامح الديني, كما هو حالها اليوم للأسف داراً للضناء و الضيق أو أشبه بمصحف بدار زنديق.
ونعود لنقولها بقوة, أما آن الأوان لإيقاف هذا المد التدميري الممنهج قبل أن يقع الفاس في الرأس ..نقولها بملء أفواهنا: أوقفوا أيديكم عن العبث بذاكرتنا التأريخية وثرواتنا البيئية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.