أظن البعض لازال يتذكر ولو جزء من الحوار الذي أجرته قناة السعيدة اليمنية مع الاكاديمي والوزير السابق د. صالح باصرة قبل سنوات من الان وبخاصة السؤال الموجه له بامكانية انفصال الجنوب عن الشمال! وبالرغم من ان رده كان حينها سريعا وعفويا، الا انه كان يحمل معه النظرة الثاقبة في جوهر الامور والحدس السياسي في قراءة الاحداث المحيطة به . اذ اجاب يومها : لما ترضى ماما اميركا أولا.. ومنذ فترة ذلك اللقاء حتى اليوم مرت اليمن خلالها باحداث كثيرة ومنعطفات عديدة افضت إلى مشهدين أساسيين : في الشمال! بات الحوثيون هم الواجهة الابرز وسلطة الامر الواقع فيه مع هامش بسيط لبقايا الاخوان وقوات الاحمر. في الجنوب! اضحى الجنوبيون اليوم وعبر المجلس الانتقالي يشكلون معظم الواجهة السياسية فيه ويسعون حثيثا لتكريس سلطة الامر الواقع . وبطبيعة الحال لا يمكن اسقاط ما حدث شمالا على الداخل الجنوبي والعكس صحيح، فلكل مكون ومجتمع منهما قضيته الخاصة ولا مجال للمقارنة بينهما ابدا. وعلى غير العادة يبدو ان الامريكان فضلوا ادارة المشهد اليمني خلال السنوات الاخيرة من بعيد وبشكل غير مباشر، فاؤكلت تلك المهمة بالفعل آنذاك لحليفيها الابرزين بالمنطقة! المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة... لكن يبدو ان مسألة إنضاج الكعكة اليمنية قد طالت كثيرا، وفاتورة خمسة اعوام من الحرب كانت بالفعل مكلفة جدا وكفيلة بارهاق الحليفين الخليجيين، بالاضافة إلى تعقيدات اخرى افرزتها ازمة اليمن القت بظلالها على الداخل الخليجي والذي يعاني هو الاخر من تصدعا واسعا على مستوى جبهته الرسمية والخارجية ككيان خليجي موحد وقادر على مواجهة التهديدات الايرانية المستمرة والحديث هنا عن حالة التنافر مع قطر وعمان. وحرصا منها على مصالحها بالمنطقة توجب على الادارة الاميريكية حينها خفض مستوى التصعيد وتخفيف حدة الخطاب الاعلامي بين الاشقاء في الخليج. عدا ان الخلاف السياسي الحاد بينهما بقي حاضرا بقوة وهو ما أثر حقا على ملفات المنطقة برمتها، الامر الذي خلف معه فشلا متلاحقا في في حلحلة الكثير من أزمات الاقليم. بالعودة إلى الازمة اليمنية والتي كما اسلفت انها بالفعل قد طالت وتعقدت، سيلجئ هنا الحليفان مرة اخرى لطلب يد العون من "الماما اميركا " في وضع المشهد الختامي لتلك الازمة المؤرقة، ولكن بالطبع مع الحفاظ على مصالح الجميع خاصة دول "الرباعية ". تحركات الامريكان الاخيرة تؤكد الاستجابة لرغبة حلفاءها في الاقليم والمتمثلة بضرورة الاسراع في الخروج بحل شامل ينهي معه حالة الصراع اليمني شمالا وجنوبا. ولا مشكلة هنا في تشريع التدخل الامريكي فالحجة القانونية المعتادة "مكافحة الارهاب " قد تم تأكيدها مؤخرا عبر تقارير دولية تتعلق بتنامي نشاط الجماعات الارهابية في اليمن. هنالك حديث اليوم عن حوار جدي تجريه الادارة الاميريكية مع القيادات الحوثية بالمقابل ثمة ضغط اميركي واضح صوب معالجة القضية الجنوبية تمثل في تأكيده على ايجاد تسوية معينة يخرج بها حوار جدة قد تمهد لواقع جديد يتزامن مع آلية الحل الشامل لازمة البلد ومستقبله السياسي . لاحظ هنا الاهتمام المتزايد والتصريحات المتعاقبة المتعلقة بالصراع اليمني والقادمة من غرف واشنطن، وهو امر لا يتكرر عادة الا مع قرب مخاض ما او مقدمة لخلق واقع جديد او بادرة لتغير وشيك في الموقف الاميريكي تجاه قضية معينة .. حقيقة!! لا احد يستطيع التنبؤ بماهية الحل القادم وتفاصيله الدقيقة، كل ما يمكن قوله هنا ان الامريكان قد تخلوا عن دور المرقب ودخلوا علانية الان على خط الازمة اليمنية وبدأوا بالفعل ممارسة الضغط على الجميع. طبعا معروف طبيعة الدور الاميريكي في اي ازمة في العالم! فهي رائدة الابتزاز السياسي والباقي مشفر حتى حين.. يعني بالعامية حقنا! برأسها خبر، والحليم تكفيه الاشارة .