لا تستغرب لو رأيت أناساً اقل ما يقال عنهم أنهم متحررون من الأمية يتصدرون المشهد الثقافي والإبداعي هنا أو هناك ، فالكتابة والإبداع أصبحت في زماننا هذا لمن يملكون الواسطة والمعرفة فحسب ، ليس في بلادنا فحسب بل في وطننا العربي الفسيح الذي لا يقيم للمبدعين الحقيقيين وزناً ماداموا يفتقرون إلى فيتامين واو ، فهذا الشاعر السعودي المعروف غازي القصيبي يقول : عندما حاولت أن أرسل لأول مرة بقصيدة إلى مجلة المصور المصرية التي خصصت صفحة للقصائد الشعرية التي كان يرسل بها الشعراء العرب ، أصابتني خيبة أمل لأنني وجدت رداً في باب رسائل القراء ينصحني بالقراءة والتعمق بالشعر ، ويتابع القصيبي فيقول لم يكن أمامي إلا استخدام حيلة ماكرة ، فقد كتبت قصيدة أخرى ولكن باسم شاعر معروف وبعد أسبوعين رأيت القصيدة - التي كتبتها أنا ولم يكن للشاعر الذي ذيلت القصيدة باسمه نصيب من نظمها الاسم الذي ذيلته أنا بنفسي أيضاً – تحتل مكاناً أنيقاً من مجلة المصور وفي الزاوية التي يكتب لها كبار الشعراء ..!!! .
والأدهى والأمر من ذلك كله أن محرري الصحف لا ينظرون إلى جودة المادة وقيمتها الإبداعية بقدر ما يهتمون بالشخوص والأسماء ، ففي الملحق الثقافي لصحيفة الثورة عدد 13957 وبتاريخ 27 يناير 2003م فقد ورد ( وعن بعض الأسماء الكبيرة في بلادنا يحكي احد المحررين الثقافيين كثيراً ما يصطدم بأحدهم وقد امتلأ نصه المكتوب بالأخطاء الإملائية والنحوية فيظل يعدل الأخطاء كلما جاءته من هذا الكبير الذي ظهر اسمه منذ أكثر من ثلاثين عاماً .
ويقول آخر اخجل أحياناً من نشر قصيدة لأحد الكبار ن وأنا أقارنها بأخرى لآخر مازال شاباً ولكنني اضطر مع ذلك إلى أن اجعل قصيدته في مكان بارز مع سحق القصيدة الأخرى وحشرها في زاوية لا يراها إلا صاحبها ).. ولا يختلف الحال في بقية الدول العربية ، فقد كتب الأديب المعروف سالم الزمر مقالاً مطولاً في احد أعداد مجلة الصدى جاء فيه : ( يقسم احد المصححين في إحدى جرائدنا العربية ان ما نقرؤه للمسمى الأديب الشاعر الكاتب هي مقالات مزورة يعلم بتزويرها صاحبها وهو راض بذلك مستمتع بتزويرها بأيدي المصححين الذين ترد إليهم تلك المقالات وهي مشوهة ، ركيكة اللغة ، ضعيفة الأسلوب تطفح بالأخطاء الإملائية واللغوية .. فإذا دخلت معمل المصححين بتلك الصحيفة رمموها فأصلحوا ما بها من أخطاء وما تشوه من كلماتها فأصبحت بعد طول عناء صالحة للنشر ، يقرؤها القارئ المسكين فيعجب أيما العجب بكاتبها الذي يضع صورته أعلاها واسمه أسفلها ، فلا يلبث ذلك الكاتب أن يصبح الشهير البارز بشهادة عظيمة هي الصحف والمجلات التي أبرزته وفتحت له بابها ، لسبب أو لآخر ؛ لأنك غني تغدق على الصحيفة أو صاحب منصب او صاحب المشرف الثقافي أو صاحب رئيس التحرير أو غير ذلك )