لن نبالغ في القول ان تحدثنا عن ملف الازمة اليمنية بوصفه قد بات أكثر تعقيدا اليوم عن ذي قبل،وان سنوات الصراع الاخيرة قد أبرزت الكثير من التحديات والتعقيدات امام الدول المفوضة بحل هذا الملف. إذ يبدو بالفعل ان اليمن والذي أضحى اليوم ساحة لصراعات الاقليم وحلبة لتصفية حسابات أشقاءه قد بات يعيش حالا ماساوية في جميع نواحيه السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية وان سوداوية المشهد اليمني وعفن نخبه السياسية بات لا يختلف كثيرا في ازدراءه وإبداء التأفف تجاه عن ذلك الشعور الذي تبعثه روائح مكبات النفاية الادمية . لكن كيف ساءت كثيرا حال هذا البلد السيئة أصلا لتصل الى هذا المستوى المتقدم جدا من التردي والانحدار والتقزز؟ جاء إنقلاب عام 2015 م،معلنا يومها عن سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين؛ لتبدأ بعد ذلك ملامح الحرب الطاحنة تلوح في الافق وبدى يومئذ ان جهود الاشقاء ومبادراتهم السياسية قد آلت للسقوط حقا. وعند هذه النقطة تحديدا يبدو انه لم يعد مجديا التستر خلف الاقنعة الدبلوماسية الودودة مدة اطول . إذ تاكد بوضوح حينها ان ثمة دول إقليمية بعيدة ترغب باللعب ايضا في هذه القطر الاستراتيجي والحيوي وان صراع المصالح والنفوذ لم يعد حكرا على دول الجوار فقط .. إتسعت رقعة الشطرنج وتكاثرت قطعها سريعا . يرى الكثيرون انه كان بإمكان دول التحالف العربي حسم ملف الصراع اليمني مبكرا وفي عامه الاول ربما؛ لولا ان مطامع بعض الدول المنتسبة لذلك الحلف العربي تبدلت قليلا او قل سال لعابها اكثر امام هذه الجغرافيا الواعدة . لكن ماذا لو تبين عكس ذلك التصور مثلا ؟!..وان بعض من تلك الدول التي استجابت يومها لدعوة المملكة تشيكل تحالف اعادة الشرعية اليمنية كما سمي حينها قد كانت تحمل نوايا مبيتة وتعد لتمرير أجندة معينة تحت رادء ذلك التحالف سيما وانه الوحيد المخول أمميا بالتدخل في اليمن وان اي محاولات تدخل اخرى من غير بوابته لن تكون الا عبثية ودون جدوى .. وفي الحقيقة ان السعودية والتي ظنت دوما انها تمتلك خيوط الصراع اليمني قد عجزت فعلا امام ضبابية مواقف اطرافه المتصارعة ووجدت نفسها تغرق شيئا فشيئا في مستنقع مليئ بتحالفات الظل المتفرعة والشائكة.. عمد السعوديون لتحجيم جسد تحالفهم سريعا في خطوة منهم لإزالة بعض من غشاوة مشهد الصراع وتداخلاته؛ فبدأ الحديث آنذاك عن انسحابات لبعض دول التحالف لتصل بعدها مصفوفته تقريبا الى اربع دول فقط السعودية والامارات وقطر والسودان بعد ان كانت تضم 13 بلدا .. إذن ضيق السعوديون دائرة الحلف بغية ضبط بوصلته ؛ وهنا بدى ان قطر قد وضعت في قفص الاتهام في تبنيها لرؤية تختلف عن رؤية قائدة التحالف وكذا في دعمها لأطراف داخلية بعينها ركبت موجة الشرعية اليمنية وباتت تتحرك وفقا لرغبات داعمها في الاقليم والتي لا تلتقي قطعا مع الرغبة السعودية في اليمن . لكن مرة اخرى ومع ان قطر قد أضحت وبرغبة سعودية خارج نطاق التحالف العربي منذ اكثر من عامين الا ان رحى الحرب اليمنية لازالت تدور ومواقف اطرافها المتصارعة بالداخل لازالت مبهمة ! فإذن أين يكمن الخلل بالضبط؟وماهو السر وراء إستمرار الازمة لتتجاوز عتبة عامها الخامس قريبا؟ أيعقل ان للحليف السوداني دورا في ذلك؟ شخصيا لم اسمع لا ماضيا ولا حاضرا ان للسودان مطامعا في اليمن او ان له رغبة سابقة او اجندة مبيتة قد تدفع به للعب دورا معينا يسهم في عرقلة المسار السعودي باليمن.. لكن بالمقابل ايضا فانه لم تتضح بعد ملامح اي صراع او خلاف مؤثر بين قطبي التحالف الاساسيين السعودية والامارات حتى نحيل فشل او تأخر ملف حسم الصراع لاهداف إماراتية خاصة تختلف عن اهداف اشقاءها بالمملكة؟ بالرغم ان ثمة احاديث سبقت قبلها تتعلق بتباين عميق في وجهات النظر وبالتالي تصادم وشيك بين مشاريع المملكة والامارات؛ بيد ان توقيع اتفاق الرياض أكد مجددا مدى حجم التوافق السعودي الاماراتي في هذا الملف وكيف استطاع قطبا التحالف آنذاك تجاوز حالة التضاد والتناقض بين حليفيهما في الداخل.. إنحسرت فجوة الصراع مع خصوم الاقليم ومع ذلك لم تنفك تتسع بين اطراف الداخل؛ فبعد ان عاش الجنوب محررا لقرابة اربعة اعوام وظل غبار المعارك قاصرا على جغرافيا الشمال بين فصيل الشرعية الذي يضم قوات جنوبية واخرى شمالية من جهة وفصيل الحوثيين من جهة اخرى،ها نحن اليوم نتحدث عن مواجهات عسكرية بين اطراف يفترض انها جميعا شرعية وتتبع منظومة التحالف..الامر الذي يدعم فرضية تخبط المشروع السعودي الاماراتي وعجزه تماما عن حل الصراع بمعزلا عن رغبات كبار العالم .. فيتأكد هنا مرة أخرى ان تسطيح الاشقاء لاسباب الأزمة ومحدودية تفكيرهم وجهلهم المؤسف بحقيقة الصراع اليمني قد كان هو السبب الحقيقي لمتوالية الفشل والتعثر في حلها طويلا ،وان البحث عبثا عن مبررات ذلك الفشل في ثنايا صراع المشاريع مع خصوم الاقليم لم يكن الا هدرا للوقت والمال والدماء في ثقب الهوامش السطحية والتي حولتها بالفعل تصورات وقناعات مغلوطة الى شماعة وحيدة لتبرير ذلك الاخفاق واستمرار الحرب وبالتالي جعلت من باحة تلك الحديقة الخلفية مكبا لنفايات المشاريع السياسية المفترضة .. ماذا لو ذهبت دول التحالف منذ البداية نحو جذور الازمة وحللت فعليا مسبباتها؟ دون محاولة فرضها حلولا سياسية ميتة؟ ايعقل ان الاشقاء يجهلون ان الازمة اليمنية في حقيقتها هي ازمة مركبة؟وليست وليدة انتفاضة 2011م المصطنعة؟ هل غفلوا حينها حقا عن مدى عمق القضية الجنوبية قبل إعدادهم لمبادرة سياسية تجاهلتها تماما؟ ثم اين كان الاشقاء أوصياء الحديقة الخلفية تلك نائمين حين كان الشباب المؤمن يطير الى إيران وأفكار الثورة الخمينية تتمدد في صعدة وجوارها وبعناية صالح ربيب السعوديين انفسهم وضابطهم المخلص دوما؟ عموما..لازال بإمكان قطبي التحالف استدراك الخطاء والعودة مجددا الى أصل الإشكالية والانطلاق من هناك،هذ إن أرادوا فعلا الحديث عن حلول ناجعة تنهي ملف الصراع برمته .. قدم الجنوبيون للتحالف فرص كثيرة للبناء عليها والمضي قدما بالمسار السياسي الانسب والذي سيترتب حال إعتماده وإنفاذه قطعا الضمان الفعلي والنجاعة لأي حل شامل يفضي إلى إنهاء الحرب ويضمن أمن واستقرار ليس بلد الأزمة وحسب بل والمنطقة برمتها.. حتى الساعة يلتزم المجلس الانتقالي الجنوبي ببنود اتفاق الرياض وهي ايضا فرصة اخرى يهديها التحالف راعي الاتفاق وصانعه فيما تحاول قوى تابعة للشرعية اضاعة هذه الفرصة عبر التسويف والتحشيد وغيرها بغية إجهاض الاتفاق المبرم مع الانتقالي .. لذا يمكن الجزم بان تماهي رعاة الاتفاق مع محاولات الاخلال به سيعد خطاء اخرا يضاف الى سلسلة الاخطاء ومسلسل الفرص المهدرة التي يتفنن قادة التحالف بإضاعتها دائما . ترى متى يعي الجميع ان هذا البلد يقطنه بشر آدميون لهم كرامتهم وحقوقهم واحلامهم المشروعة كباقي سكان العالم؟ متى يدرك مجانين العظمة هؤلاء ان مشاريعهم التدميرية وتصفية حساباتهم الفوضوية قد حولت هذه الجغرافيا الغنية والمغمورة الى مكبا مقززا لنفايات مشاريعهم السياسية؟