رحل سمير العزي وعائلته عن منزل والده التي يتشارك به السكن مع إخوته وعائلاتهم، بعد أن اشتدت الصراعات داخل الأسرة، ووصلت إلى الاشتباك بالأيادي، بسبب الانتماءات السياسية واختلاف التوجهات الحزبية. لم يتقبل الأب والأخوة المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام – الحزب الحاكم سابقاً – رأي سمير المخالف لقناعات الأسرة، وانتقاداته المتواصلة لسياسة الحزب، والطريقة التي يدير بها البلاد، وكانت النقاشات تؤدي إلى مشاحنات واحتقان، وصل إلى مرحلة الانفجار بالتزامن مع ثورة 11 فبراير 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق على عبدالله صالح. اعتداء جسدي توسعت الفجوة داخل الأسرة، وبدأ الوضع يسوء أكثر مع انضمام العزي للثورة الشبابية المناهضة للحزب الحاكم حينها، وتعرض للسب والشتم وأحيانا للاعتداء الجسدي في كل مرة يعود فيها من ساحة التغيير بصنعاء، مما جعله يقرر الرحيل عن المنزل، والبحث عن سكن جديد بعيدا عنهم .. كما يؤكد العزي ل" بلقيس". وعلى الرغم انه يحاول تخطي تلك المرحلة، ويعمل على إعادة بناء علاقة حسنة معهم، إلا أن تلك المعاملة القاسية ما تزال تترك جروح غائرة على قلبه، يقول العزي: لو كنت امتلك شقة مستقلة داخل منزل الوالد لم تكن المواجهات والنزاع سيصل إلى ما وصل إليه، وكان خروجي من المنزل، وبعدي عن الأسرة الحل الأمثل لاحتواء الخلاف، وإنهاء أجواء التوتر والتصعيد، وترك مساحة ليراجع الجميع حساباتهم ويقيموا تصرفاتهم. مشاكل يومية وبسبب ذات الانتماءات يحمل ماهر مهيوب هم شقيقته التي لم يمضي على زواجها سوى ثلاثة أعوام لكن حياتها الأسرية لا تكاد تستقر بسبب النقاشات السياسية المتعصبة بينها وبين زوجها الذي ينتمي إلى جماعة الحوثي ويحمل أفكارها، بينما تعارض الزوجة أغلب معتقداتهم الطائفية، وأساليبهم السياسية في الحكم والإدارة. لم يُجبر الزوجين على الارتباط، وكانا يعرفان بعضهما جيدا، فهما زميلان ويعملا طبيبان في إحدى المستشفيات بأمانة العاصمة، وتزوجا على الرغم من بعض اعتراضات الأهل حول التوافق الفكري الذي سيفتح بابا للخلاف بعد الزواج، كما يقول ماهر ل"بلقيس". ويضيف أخيراً وقع ما كان يخشى حدوثه، وصار اختلاف وجهات النظر والقناعات ابرز عوامل عدم استقرار الحياة الزوجية التي تتعرض لهزات عنيفة، تجعل الزوجة تترك المنزل لفترات طويلة. استقطابات بدأت التعددية الحزبية في اليمن مع إعلان الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990، وعززت وجودها مع صدور القانون رقم (66) لسنة 1991، بشأن الأحزاب والتنظيمات السياسية التي تنص مادته (13) على تشكيل لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية، وتختص هذه اللجنة بفحص الطلبات المقدمة لتأسيس الأحزاب والتنظيمات السياسية والتحقق من توافر الشروط القانونية الواجبة لإنشاء كل حزب. ومع تأسيس الأحزاب السياسية، ظهرت الخلافات الأسرية، لتتسع بشكل اكبر في اليمن بعد ثورة فبراير 2011، وزادت الانقسامات والمشاكل داخل البيوت عقب تصاعد الأحداث، وانقلاب الحوثيون على الدولة والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، ونشر أفكار ومعتقدات دخيلة على المجتمع بهدف استقطاب الأطفال والمراهقين بشتى الأساليب. هذه الاستقطابات، جعلت العديد من الشباب المغرر بهم يخرجون عن توجهات الأسرة، وينظمون إلى صفوف الجماعة على الرغم من معارضة أولياء أمورهم، مما جعل بعض الآباء يتبرؤون من أبنائهم، وتبدأ مرحلة القطيعة، وتتشابه قصص كثيرة مع ما حدث لمحمد عبدالجليل الذي ترك بيته خفية، ليلتحق بالمليشيا المسلحة، بعد معارضة شديدة من أسرته. لكن مع مرور السنوات لم يجد محمد مهربا من العودة لأسرته، إلا أن والده رفض دخوله المنزل، ومنع أقاربه من مساعدته أو إيوائه، وأمام هذه الصراع، عاشت الأسرة وسط دوامة من الأحداث والمشاكل، اختلطت فيها الأمور، وتعددت الأطراف، وصارت الأسرة على حافة التفكك والانقسام، خاصة مع تعاطف الأم مع ابنها . مجتمع تقليدي وفي حين تعرض الاختلافات الأيدلوجية أسر للتفكك والصراع، تقوم أسر أخرى بتوزيع الأدوار بين افرداها، وتشجع أبنائها على الالتحاق بالأحزاب الفاعلة والمؤثرة على الساحة، للحصول على مكاسب، والحفاظ على مصالحها، كما يفعل مشائخ القبائل ووجهاء البلد. وتحل الأحزاب في العادة محل المكونات المجتمعية التقليدية كالعشيرة أو القبيلة المعتَمِدة على العصبية ولا تتجاوز عدد أفرادها، أو رقعتها الجغرافية، لكن المجتمع اليمني ما يزال بدائيا وقرويا، والتعصب الأسري والقبلي له دور فاعل في تشكيل الوعي الفكري والحزبي والسياسي، كما يرى المفكرون. وبحسب دراسة "الوعي السياسي في المجتمع اليمني" الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العام 2014، فإن الوعي السياسي في اليمن ظل متدنيا لأنه محكوم بحدود التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، إلا أن ثورة الربيع العربي أحدثت تغيراً عميقا في الثقافة السياسية نظراً للأدوار الفاعلة للقوى الاجتماعية خاصة الشباب والمرأة. وأشارت إلى أن تأثير الوالدين في بناء الشخصية وضآلة الدخل ترتب عليه محدودية الوعي السياسي لأبناء الأسرة.