يدخل اليمن العام السادس حرب منهكا خائر القوى ومثقلا بالكثير من الأزمات وعلى كافة الاصعدة، الأمر الذي يزيد من المخاوف من انتشار فيروس كورونا بين اوساط شعب بلا دولة تحميه، ولايمتلك بنية صحية تنجيه من وباء فتك بدول عظمى تمتلك إمكانيات طبية كبيرة ووسائل حماية متطورة، عوضا عن الأوضاع المعيشية بالغة السوء في بلد يحتاج 80٪ من سكانه لمساعدت غذائية عاجلة.
هذه المخاوف بحسب الأممالمتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن جيريفث كانت الإطار لمبادرة جديدة لإحياء عملية السلام في اليمن تقتضي ايفاق الحرب والاستعداد الكامل من قبل كل الأطراف لمواجهة وباء كورونا، وقد تعاطى الحوثيون مع هذه المبادرة بشكل إيجابي من حيث المبدأ ورحبوا بها بشروطهم التي تجاوزت مسألة الشرعية إلى اتفاق مباشر مع السعودية، وفي هذا السياق قال محمد عبد السلام، المتحدث باسم حركة الحوثيين إن الحركة قدمت رؤية إلى الأممالمتحدة، تتضمن إنهاء الحرب، والحصار على اليمن.
السعودية بدورها ذهبت بشكل عملي إلى اعلان وقف إطلاق النار عبر الناطق الرسمي للتحالف العقيد تركي المالكي بتاريخ 9 ابريل 2020م، من جانبه قال سفير المملكة العربية السعودية في اليمن، محمد آل جابر في سلسلة تغريدات اعقبت ذلك الإعلان قال إن المبادرة تأتي في إطار الاستجابة لدعوة مواجهة جائحة الكورونا في اليمن كما أعلن عن تخصيص 500 مليون دولار لخطة الاستجابة الانسانية للأمم المتحدة لليمن منها مبلغ 25 مليون دولار لمكافحة الكورونا.
الأممالمتحدة والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والبرلمان العربي وعدد من الدول العربية والأجنبية رحبت جميعهم بقرار وقف إطلاق النار وحثوا الجانبين على المضي قدما في التوصل إلى وقف شامل للحرب في اليمن، مما يعني أن الجميع بات اليوم على قناعة تامة بأن الخيار العسكري كان خاطئا ولم يقدم سوى مزيدا من المآسي للشعب اليمني.
بدا بوضوح خروج الشرعية من ذلك الاتفاق حينما اصدرت بيانا عبر مسؤول رفيع في الحكومة اعلنت من خلاله التعبئة وحشد الجهود العسكرية لتحرير مناطق كان قد استولى عليها الحوثيون في كل من محافظة الجوف ومأرب، في إشارة واضحة إلى رفضها لاحادية القرار السعودي الذي تجاوز الاتفاقات السابقة والمرجعيات الثلاث المتمثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الاممي 2216.
الشرعية اليمنية التي لا يهمها من ذلك الاتفاق سوى شقه المادي المتمثل بخمس مائة مليون دولار سوف تذهب كالعادة إلى جيوب ثلة من الفاسدين تتأكل من الداخل وتخوض حروبا إعلامية بين أطراف المصالح الانوية الضيقة المنضوية في إطار الشرعية اليمنية، المتمثلة بعدد من الأطراف منها فريق الميسري وزير الداخلية والجبواني وهو وزير النقل والاثنان ينتميان جغرافيا إلى جنوباليمن كوزرين في الحكومة الشرعية وبين فريق رئيس الحكومة الذي أقال الجبواني على ذمة قضايا فساد من جهة وبين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي من جهة أخرى، إلى جانب فريق آخر يتمثل في باقي الأحزاب السياسية المتذبذبة بين هذا وذاك
لكل فريق من هذه الفرق جيوشه الإعلامية وظيفتها الاساسية تأجيج الصراعات وحرف مسار الرأي العام عن القضايا الرئيسية، إلى جانب تمزيق وحدة الهدف الذي جاء من أجله التحالف إلى اليمن وخاض بموجبه غمار حرب فاشلة دخلت عامها السادس دون أن يحرز اي تقدم على المستويين السياسي والعسكري، مما يعني أن هنالك أطراف في صف الشرعية تسعى إلى إطالة أمد الحرب وابتزاز السعودية ماليا لبناء مشاريعها الخاصة.
هذا الواقع المتشظي صبت نتائجه في حوض الحوثيين ومكنهم من أن يكون الطرف الأكثر تماسكا على مستوى الداخل والأكثر ثقة لدى الأطراف الدولية ممثلة بالامم المتحدة وكل الهيئات التابعة لها.
يتضح ذلك بشكل جلي من خلال دلال تعاملهم مع الحوثيين كطرف سياسي يفرض شروط بقائه بقوة في مستقبل اليمن، ولا يمكن تجاوزه في كل الاحوال، عوضا عن قدرته في أسقاط القرارات الدولية التي صنفته كجماعات انقلابية ووضعته تحت البند السابع .
الواقع المتشظي للشرعية اعجزها عن التحرك سياسيا أو عسكريا، وافشلها في القيام بمسؤوليتها القانونية والاخلاقية تجاه مواطنيها الذين يعانون من أزمات متعددة في جانب الخدمات والصحة والتعليم وقطع المرتبات، وهذه الأسباب وغيرها افقدت الشرعية الثقة لدى التحالف بقيادة المملكة، ودفع الأخيرة إلى التفاوض بشكل مباشر مع الحوثيين ولعلى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير بين المملكة والحوثيين خير دليل على خروج الشرعية من المعادلة السياسية.
ويرى كثيرون انه وفي حال التزم الحوثيون بتلك الاتفاقية وتخلوا عن اطماعهم التوسعية بأتجاه الخليج، فإن الشرعية انتهت تماما، وسيكون الحوثيون هم الطرف الاقدار والاجدر بحكم اليمن وصمام امان استقرارها وامنها ووحدتها، وهذا على الأقل مؤشر للموقف الدولي الحالي.
وبعيدا عن مدى التزام الطرفين بهذا الاتفاق من عدمه يرى مراقبون أن الحوثيين قد احرزوا نقطة تقدم على الشرعية والتحالف على حد سواء.
يأتي ذلك في حين أن الشرعية بقيادة الإخوان تحشد قواتها إلى مدينة شقرة بمحافظة أبين وتتجهز لمعركة فاصلة مع المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر على أربع محافظاتجنوبية، ويحظى بشعبية كبيرة بين اوساط الجنوبيين، وفي حال فشلت مساعي فريق التهدئة من إيقاف الحرب، فإن المنتصر في تلك المعركة خسران أمام الحوثيين الذين بدورهم يراقبون الأوضاع بصمت ويترقبون اللحظة المناسبة ويستعدون لمعركة أخيرة سوف تجمعهم بالفريق المنتصر في عدن.