عند تتبع طبيعة النزاع السعودي اليمني منذ انطلاقته الأولى، لمعرفة تداعيات ذلك وعلاقته بالملف الجنوبي على وجه الخصوص، نرى حالة غريبة من الغموض تكتنف المواقف السياسية للسعوديين من استعادة الجنوب لدولته ومنذ البداية. فلا يخامرنا أدنى شك من إن هناك ضغوط قوية قد مورست مع الرئيس الجنوبي السابق علي سالم البيض، حتى ظهر مؤيدا للمشروع العسكري السعودي عند انطلاقته قبل نحو خمس سنوات، داعيا وبصريح عبارته أبناء الجنوب للانخراط فيه والقتال تحت مظلته، وهو ماحدث فعلا، على الرغم من إن البيض قبلها كان يُحسب على الحلف الإيراني المناوى. لا ندري على وجه اليقين ماهي المصالح التي قد تغيرت لتوها؟، وما نوع الشروط التي جرى الاتفاق مع الرجل حولها؟، وهل تأييد انفصال الجنوب واستعادة دولته كانت من ضمنها؟. غير إن القرار السعودي الذي لا غبار عليه كان جليا، عندما يتعلق الأمر بدعم انفصال الجنوب من عدمه، إذ قد تجسد ذلك في تأكيد القيادة السعودية المتكرر على لسان أكثر من مسئول على عدم استهداف وحدة الجنوب مع الشمال والالتزام أدبيا بالمحافظة عليها، وتعزز ذلك عمليا من خلال التعاطي السعودي غير السوي على الأرض، مع أبناء الجنوب الحالمين باستعادة دولتهم الضائعة في غياهب المؤامرات والخلطات السياسية المشبوهة. ففي الوقت الذي حسمت دولة الإمارات العربية أمرها فيه، واتخذت قرارها النهائي، وعملت على دعم أبناء الجنوب لترسيخ سيادتهم على الأرض (أرضهم)، كانت المملكة تتأرجح في مواقفها، وتنظر للسلوك الإماراتي هناك بارتياب، وتعمل بما في وسعها على ممانعة هذا المشروع الصاعد بما يتاح من سبل. فلقد سعت المملكة السعودية وبقوة لكبح جماح النفوذ الإماراتي المتزايد في الجنوب، من خلال تعزيز نفوذها وتعميق الولاء لها في الداخل الجنوبي، حيث عملت أي المملكة على إنشاء وحدات عسكرية جنوبية تتبع تيار الشرعية المقيم على أراضيها، وتبنت عمليات تمويلها وتسليحها المختلفة، غير عابئة بنتائج ذلك العمل غير الواعي وتأثيراته على وحدة الصف الجنوبي، ومنذ ذاك الحين فالصدام لم يتوقف لحظة بين التيارات السياسية الجنوبية، تيار المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، والتيار التابع للشرعية المدعوم من الرياض، على الرغم من إن الطرفين المتحاربين كليهما جنوبيين، ويربطهما أكثر من عامل مشترك، إلا إن أي خطوة مبذولة للتقريب بينهما ومنع عملية اقتتالهما لا تستتب غالبا ولا يكتب لها الدوام، بفعل الاختلاف في طبيعة فروض الولاء المطلوبة والأطراف الممولة. من خلال استخلاص أبرز النتائج التي أفرزتها المعطيات الراهنة على أرض الواقع، نجزم قولنا بإن هناك خطأ إستراتيجي عاقره الجنونيون بفعل التسرع الزائد والثقة المطلقة، والانخراط التام وغير المسئول في مشاريع سياسية غير محسوبة النتائج، تكشفت بعض عواقبها الوخيمة وما زالت، فهل آن الأوان لاستقاء الدروس السياسية من ذلك وأخذ العبر؟؟؟... والله على ما نقول شهيد.