قلبي عليك يا أبين، يا أرض الخير والحب والكرم.. قلبي عليك وأنتِ تعانين جراحات التدمير الخبيث الذي جازوك به، لأنكِ أطعمتهم أشبعتهم وأمنتهم من الخوف.. كنتِ لنا جميعاً الستر والغطاء فأبوا إلا أن يتعروا ليكشفوا سوداوية سلوكهم وفكرهم المريض.. قلبي عليك وأنا أرى المزارع التي كانت خيراتها تغمر المدن والقرى، قد أصبحت اليوم شبه قاحلة.. لكنها لم تمت!. تذكرت أبين التي لها في عقلي وقلبي ودمي مكانة عظيمة منذ السبعينات من القرن الماضي، تذكرت أبين اليوم بعد أن تدفقت عليها السيول مؤخراً لتروي أراضيها العطشى، ورأيت مزارع الموز كيف بدأت تستعيد عافيتها، رغم ما بدا عليها من جفاف وضمور ويبس لأجزائها السفلى حتى لكأنها قد مرت عليها طوفانات عدة لتجعلها أثراً بعد عين. كنتِ وما زلتِ لنا يا أبين الأرض الطاهرة العامرة، الأرض التي أنجبت الساسة والزعماء والأدباء والبسطاء الكرماء، وستظلين إن شاء الله إلى أبد الدهر، أبين الخير والعطاء، أرض الصمود والاستبسال، أرض تحويل الليل إلى نهار وقهر الأشرار، ستظلين السلة الغذائية لنا جميعاً، وقد منّ الله عليك بالمطر الوفير لتمتلئ السدود التحويلية من (باتيس) إلى بقية السدود التي تروي آلاف الأفدنة التي تشكل الاقتصاد الداعم للدولة، سواء الحالية، أم دولتنا المنتظرة.. التي وضعت أسس البناء الزراعي الذي يظهر اليوم أنه الحصن الحصين والذي كانت به تسير الأمور بنسق علمي إلى اليوم، حتى وإن كانت أيادي العابثين قد فعلت فعلها، لكن يظل الأصل غير النقل، وغير قابل للتدمير.. مهما فعل المخربون أفعالهم الشنيعة. رأيت أحد أبنائك يشرح للتلفاز عملية جريان السيول وحفظها من سد إلى آخر بتلقائية وفهم يدل على ممارسة ومهنية فريدة مكتسبة منذ عهد ما قبل 1990م.. وهذه هي كفاءاتنا الزراعية التي نرى أن تسند إليها كثيراً من الأمور لإعادة الحياة الزراعية لأبين، وباقي أمور الحياة، كل لها أساطينها وعارفوها، وما أكثرهم فيك لو أحسن إسناد المهام لهم، لأنكِ يا أبين تستحقين التضحية لأنكِ أنتِ من وهبتنا نعمة الحياة، بعد الله سبحانه وتعالى!. أحن لأبين وأهل أبين في زنجبار وجعار ولودر ومودية أتذكر صفاءهم ونقاءهم وكرمهم الغامر، أتذكر تلك الأيام التي كنا بها ننتقل للعمل عبر مخيمات (الطلائع) و(أشيد) و(لجان الدفاع) وغيرها من الأُطر الفاعلة في الحياة.. كيف لا، ومازالت المخيلة، تمتلئ بالمخلصين سواء من هم على قيد الحياة.. أم من قد توفاهم الله، وهو سجل كبير، يصعب أن نتناوله في مقالة أو أكثر.. لكن تبقى عظمة المشهد وخلوده، بعد انقضاء أكثر من أربعين عاماً، ولكن الألق مازال يزهو ويثير الحنين لتلك الأيام الجميلة التي فقدنا جزءا من بريقها بين أعوام الكارثة (من 1994 إلى اليوم)!. قلبي على أبين، وعسى أن يكون فجرها الوضّاء قد أذن بالعودة.. وهو طموحنا وأملنا، حتى لو فديناها بدمائنا فهي ليست غالية عليها، لأن جريانها حتى الآن يعود لخيرات أبين التي مازالت تتدفق علينا، وإن كان بشكل متقطع. ها أنتِ يا أبين في خطوة الألف ميل ولن يقف في طريقك بعد اليوم أي معرقل.. فأبناؤك قد عقدوا العزم على إعادة الوجه الجميل لكِ بعد أن شوهه أو حاول المشوهون.. وها أنتِ قد انتصرتِ عليهم ونحن على استعداد لتجنيد أنفسنا للمشاركة في إعادة الإعمار بالمبادرات المنظمة.. وعلى خطى سالمين.. الذي جمع القيادات آنذاك لحضور اجتماع لهم عندك، فكان الاجتماع هو مزارع القطن والجني له بأيديهم ليحسوا بمدى الالتصاق بالأرض وخيراتها. نحبك يا أبين يا أرض العزة والكرامة والشموخ، ولن يحول بيننا وبين عشقك إلا الأجل المحتوم.. والله يقدرنا على تقديم حتى ولو (1%) من عطائك لنا، يا أرضنا، يا خيرنا.. يا وجهنا الباسم الوضّاء.