إتلاف 600 لغم وعبوة ناسفة من مخلفات مليشيا الحوثي الإرهابية بشبوة    شركة النفط: تزويد كافة المحطات خلال 24 ساعة    قالوا : رجاءً توقفوا !    المرتزقة يستهدفون مزرعة في الجراحي    ناطق الحكومة : اتفاق وقف العدوان الأمريكي انتصار كبير لأحرار اليمن    الامارات تقود مصالحة سورية صهيونية    توقف الرحلات يكلف الملايين يوميا..انخفاضٌ بنسبة 43% في مطار اللد    السعودية: "صندوق الاستثمارات العامة" يطلق سلسلة بطولات عالمية جديدة ل"جولف السيدات"    التفاهم بين الحوثيين وأمريكا يضع مسألة فك إرتباط الجنوب أمر واقع    الكهرباء أداة حصار.. معاناة الجنوب في زمن الابتزاز السياسي    باريس سان جيرمان يبلغ نهائي دوري أبطال أوروبا    . الاتحاد يقلب الطاولة على النصر ويواصل الزحف نحو اللقب السعودي    باجل حرق..!    بعد "إسقاط رافال".. هذه أبرز منظومات الدفاع الجوي الباكستاني    محطة بترو مسيلة.. معدات الغاز بمخازنها    الذكرى الثانية للتوقيع على الميثاق الوطني الجنوبي    عدن تنظر حل مشكلة الكهرباء وبن بريك يبحث عن بعاسيس بن دغر    شرطة آداب شبوة تحرر مختطفين أثيوبيين وتضبط أموال كبيرة (صور)    شركة الغاز توضح حول احتياجات مختلف القطاعات من مادة الغاز    التصعيد العسكري بين الهند وباكستان يثير مخاوف دول المنطقة    كهرباء تجارية تدخل الخدمة في عدن والوزارة تصفها بأنها غير قانونية    الحكومة: الحوثيون دمّروا الطائرات عمدًا بعد رفضهم نقلها إلى مطار آمن    استشهاد امرأة وطفلها بقصف مرتزقة العدوان في الحديدة    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الحاج علي الأهدل    صنعاء تكشف قرب إعادة تشغيل مطار صنعاء    سيول الأمطار تغمر مدرسة وعددًا من المنازل في مدينة إب    الأتباع يشبهون بن حبريش بالامام البخاري (توثيق)    صنعاء .. هيئة التأمينات والمعاشات تعلن صرف النصف الأول من معاش فبراير 2021 للمتقاعدين المدنيين    وزير الشباب والقائم بأعمال محافظة تعز يتفقدان أنشطة الدورات الصيفية    الزمالك المصري يفسخ عقد مدربه البرتغالي بيسيرو    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض رسوم جمركية على بوينغ    خبير دولي يحذر من كارثة تهدد بإخراج سقطرى من قائمة التراث العالمي    صنعاء .. الصحة تعلن حصيلة جديدة لضحايا استهداف الغارات على ثلاث محافظات    وزارة الأوقاف تعلن بدء تسليم المبالغ المستردة للحجاج عن موسم 1445ه    اليوم انطلاق منافسات الدوري العام لأندية الدرجة الثانية لكرة السلة    دوري أبطال أوروبا: إنتر يطيح ببرشلونة ويطير إلى النهائي    النمسا.. اكتشاف مومياء محنطة بطريقة فريدة    دواء للسكري يظهر نتائج واعدة في علاج سرطان البروستات    وزير التعليم العالي يدشّن التطبيق المهني للدورات التدريبية لمشروع التمكين المهني في ساحل حضرموت    باكستان تعلن إسقاط 5 مقاتلات هندية حديثة وأسر جنود    حادث غامض جديد على متن حاملة الطائرات الأمريكية ترومان بالبحر الأحمر    النفط يرتفع أكثر من 1 بالمائة رغم المخاوف بشأن فائض المعروض    الوزير الزعوري: الحرب تسببت في انهيار العملة وتدهور الخدمات.. والحل يبدأ بفك الارتباط الاقتصادي بين صنعاء وعدن    إنتر ميلان يحشد جماهيره ونجومه السابقين بمواجهة برشلونة    ماسك يعد المكفوفين باستعادة بصرهم خلال عام واحد!    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    لوحة بيتا اليمن للفنان الأمريكي براين كارلسون… محاولة زرع وخزة ضمير في صدر العالم    انقطاع الكهرباء يتسبب بوفاة زوجين في عدن    رسالة من الظلام إلى رئيس الوزراء الجديد    وزير الصحة يدشن حملات الرش والتوعية لمكافحة حمى الضنك في عدن    يادوب مرت علي 24 ساعة"... لكن بلا كهرباء!    صرخةُ البراءة.. المسار والمسير    متى نعثر على وطن لا نحلم بمغادرته؟    أمريكا بين صناعة الأساطير في هوليود وواقع الهشاشة    المصلحة الحقيقية    أول النصر صرخة    مرض الفشل الكلوي (3)    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الثالثة )
نشر في عدن الغد يوم 25 - 07 - 2020

تنظيم الجبهة القومية في القوات المسلحة، رفضوا فكرة المشاركة في الحكومة... ما هو السبب ؟
"عدن الغد " تنفرد بنشر مذكرات ( ذاكرة وطن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990) للرئيس علي ناصر محمد : الحلقة ( الثالثة )
متابعة وترتيب / الخضر عبدالله :
تنفرد ( عدن الغد ) بصحيفتها الورقية وموقعها اللالكتروني بنشر أبرز وأهم المذكرات االتي سبق ل" عدن الغد " أن قامت بنشر ها ( ذاكرة وطن - والطريق إلى عدن - القطار .. رحلة إلى الغرب- وعدن التاريخ والحضارة ) للرئيس علي ناصر محمد .
وفي هذه المرة ستقوم " عدن الغد " بنشر مذكرات جديدة من حياته ( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية 1967-1990 ) .
وتعد هذه المذكرات الجزء الخامس من محطات وتاريخ الرئيس الأسبق علي ناصر محمد رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية .
حيث يذكر لنا في مذكراته عن وقائع وأحداث وتغيرات المت بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من عام (67- 90م ) حيث يقول الرئيس ناصر :" لا شك في أنّ قارئ هذه المذكرات سيجد نفسه مشدوداً إلى الماضي ومستغرقاً فيه، وربما تولّد لديه انطباع قوي بأنّ تجربة اليمن الديمقراطية لم تكن سوى صراعات عنيفة من أجل السلطة أو في سبيلها، وأنّ صفحات هذه التجربة لا تحمل ما يمكن الاعتزاز به، فضلاً عن أنْ ليس في تقديمها ما يمكن الاستفادة منه والتعويل عليه أو التفاؤل به... بقية التفاصيل من المذكرات نسردها في أثناء السطور وإليكم ما جاء فيها ..


إجراء بعض التعديلات

لا زال يواصل لنا الرئيس علي ناصر عن محطات حياة عاشها في حقبة زمنية مضت ويقول فيها متابعاً لما توقفنا عنه في الحلقة الثانية حيث يشير :" وعاد الخامري لإجراء بعض التعديلات على مقترحه الأول، وذلك بعرض وزارتي المالية والخارجية على كل من الضالعي وفيصل عبد اللطيف وتسمية أنور خالد وزيراً للزراعة وتعيين سبعة قائداً عاماً للجيش وحسين عثمان عشال رئيساً للأركان.
وخلال مناقشة مستفيضة عرض كل من البيض والعولقي رأياً بضرورة تعيين عشال وزيراً للدفاع وسبعة للداخلية، وعبّر عبد الفتاح ومعه الخامري عن رأي قريب منه، مضمونه أن يتحمل مسؤولية وزارتي الدفاع والداخلية أشخاص من داخلهما.
غير أن العسكريين، وبالتحديد تنظيم الجبهة القومية في القوات المسلحة، رفضوا فكرة المشاركة في الحكومة.
قحطان للرئاسة... وبيان عن القيادة
ويضيف في الحديث الرئيس ناصر :" وفي ختام المناقشة اتفق على صيغة نهائية لتشكيلة الحكومة يتولى خلالها قحطان الشعبي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة معاً، سيف الضالعي للخارجية، علي سالم البيض للدفاع، محمد علي هيثم للداخلية، محمود عشيش للمالية، عبد الفتاح إسماعيل للثقافة والإرشاد القومي وشؤون الوحدة اليمنية، فيصل عبد اللطيف للاقتصاد والتجارة والتخطيط، عادل محفوظ خليفة للعدل والأوقاف، فيصل بن شملان للأشغال العامة والمواصلات، عبد الملك إسماعيل للعمل والشؤون الاجتماعية، محمد عبد القادر بافقيه للتربية والتعليم وسعيد العكبري للإدارة المحلية والزراعة.
وجرى الاتفاق على أن يتحمل فضل أحمد ناصر السلَّامي مسؤولية مكتب رئاسة الجمهورية، وأن تؤدي الوزارة اليمين الدستورية أمام القيادة العامة للجبهة.
وعيّن أحمد صالح ضالعي وكيلاً لوزارة الدفاع وحسين عثمان عشال قائداً عاماً للجيش، ومهدي عشيش رئيساً للاركان، وعبد الله سبعة مديراً للأمن العام، والعقيد الصديق أحمد الجفة نائباً لمدير الأمن العام، وأن تكون دار المندوب السامي البريطاني في التواهي مقراً لرئاسة الجمهورية.
وفي ذلك اليوم، الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م أذيع بيان الاستقلال الصادر عن القيادة العامة.
وأصدرت القيادة العامة القرارات الآتية:
قرار رقم 1:
قررت القيادة العامة للجبهة القومية الممثلة الوحيدة للشعب، وهي السلطة الفعلية ما يلي:
1- إن المنطقة التي كانت تعرف في السابق باسم عدن ومحمياتها الشرقية والغربية وكل الجزر التابعة لها تعد منطقة واحدة وتسمى جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
- القيادة العامة للجبهة القومية هي السلطة التشريعية لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية وستمارس القيادة العامة هذه السلطة حتى يتم إعداد دستور مؤقت للجمهورية.
3- الجبهة القومية هي التنظيم السياسي الوحيد في الجمهورية.
4- علم الجمهورية يتكون من الألوان الأفقية التالية وترتيبها من أعلى الأحمر فالأبيض فالأسود وله من ناحية السارية مثلث لونه أزرق فاتح تتوسطه نجمة حمراء مخمسة.
5- نظام الحكم نظام رئاسي.
قرار رقم 2:
ويستدرك قائلاً :" قرار بتعيين رئيس الجمهورية... الآن وقد تم جلاء الاستعمار عن جميع أجزاء الوطن وبما أن الجبهة القومية هي الممثلة الوحيدة للشعب والسلطة الفعلية، فقد قررت القيادة العامة للجبهة القومية بوصفها السلطة التشريعية بتاريخ 30 نوفمبر 1967... تعيين السيد قحطان محمد الشعبي رئيساً لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية لمدة سنتين من تاريخ تعيينه، وقد كلفته إعلان الاستقلال رسمياً منذ 30 نوفمبر 1967، وبعد الإعلان بتشكيل الحكومة، وحتى تشكل الحكومة تمنحه كافة الصلاحيات بتنفيذ القوانين واللوائح السارية المفعول في كل أجزاء الجمهورية وإصدار أية مراسيم يراها ضرورية لمنفعة الجمهورية وأمنها.
وفي اليوم نفسه، أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية القرار بإنشاء منصب قائد أعلى للقوات المسلحة. وفي ما يلي نصه ونصوص المراسيم الصادرة عن السيد رئيس الجمهورية قحطان محمد الشعبي، ومن بينها قراره بتعييني محافظاً للجزر اليمنية.
قرار القيادة العامة رقم 3:
أصدرت القيادة العامة للجبهة القومية، باعتبارها السلطة التشريعية المؤقتة في جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية القرار التالي:
1- إنشاء منصب قائد أعلى للقوات المسلحة.
2- يتولى رئيس الجمهورية منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
3- يعمل بهذا القرار من حين صدوره.
4- ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
صادر هذا القرار في 28 شعبان 1387ه / الموافق 30 نوفمبر 1967م .

مرسوم جمهوري رقم (1): تشكيل الوزارة
ويردف :" يقول الرئيس قحطان أنا قحطان محمد الشعبي، رئيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية أصدر بموجب الصلاحيات المخولة لي من قبل القيادة العامة للجبهة القومية بوصفها السلطة التشريعية في الجمهورية ما يلي:
1- أعين الآتية أسماؤهم وزراء في حكومة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية:
السيد سيف أحمد الضالعي وزيراً للخارجية
السيد علي سالم البيض وزيراً للدفاع
السيد محمد علي هيثم وزيراً للداخلية
السيد محمود عبد الله عشيش وزيراً للمالية
السيد عبد الفتاح إسماعيل وزيراً للثقافة والإرشاد وشؤون الوحدة اليمنية
السيد فيصل عبد اللطيف الشعبي وزيراً للاقتصاد والتجارة والتخطيط
السيد عادل محفوظ خليفة وزيراً للعدل والأوقاف
السيد فيصل بن شملان وزيراً للأشغال والمواصلات
السيد محمد عبد القادر بافقيه وزيراً للتربية والتعليم
السيد عبد الملك إسماعيل وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية
السيد سعيد عمر عكبري وزيراً للإدارة المحلية ووزيراً للزراعة والإصلاح الزراعي بالوكالة
السيد أحمد سعيد صدقة وزيراً للصحة.
2- يعمل بهذا المرسوم من حين صدوره.
3- ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية.
صادر في 28 شعبان 1387ه
الموافق 30 نوفمبر 1967م
قحطان محمد الشعبي
رئيس الجمهورية
مرسوم جمهوري رقم (2)
تحديد دار الرئاسة
ويستدرك ايضاً :" أنا قحطان محمد الشعبي، رئيس جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية أعلن ما يلي:
1- سيكون دار الحكومة السابق والكائن في التواهي مقراً لرئيس الجمهورية، ويُسمى بدار الرئاسة ابتداءً من اليوم الثامن والعشرين من
2- ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية.
صادر هذا القرار في 28 شعبان 1387ه الموافق 30 نوفمبر 1967م قحطان محمد الشعبي رئيس الجمهورية
مرسوم جمهوري رقم (3)
نص اليمين الدستورية
ويختتم حديث هذه الحلقة :" بموجب الصلاحيات المخولة له قرر رئيس الجمهورية ما يأتي:
1- يكون نص اليمين الدستورية لأعضاء حكومة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية كما يأتي:
«أقسم بالله العظيم وبالثورة أن أحافظ مخلصاً على الثورة وأهدافها والنظام الجمهوري وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
2- يعمل بهذا المرسوم من حين صدوره.
3- ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية.
صادر في 29 شعبان 1387ه
الموافق 1 ديسمبر 1967م
قحطان محمد الشعبي
رئيس الجمهورية

منصبي محافظ للجزر
ويقول الرئيس ناصر :" بموجب الصلاحيات المخولة له قرر رئيس الجمهورية ما يلي:
1- إنشاء منصب محافظ على جزر كوريا موريا وميون وكمران.
2- تعيين السيد علي ناصر محمد حسني محافظاً لجزر كوريا موريا وسقطرى وميون وكمران.
3- يعمل بهذا المرسوم من حين صدوره.
وفي 2/12/1967 أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً جمهورياً باعتبار جميع القوانين والتشريعات السابقة التي وضعت أيام الإدارة البريطانية سارية المفعول قانونياً وإدارياً مع اعتماد كلمة (رئيس الجمهورية) بدلاً من كلمات (صاحبة الجلالة، المندوب السامي البريطاني، وزير اتحادي، وزير المستعمرات) أو غير ذلك من العبارات أو الكلمات الاستعمارية، حتى تسنّ حكومة الثورة قوانين وتشريعات جديدة لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية.
الطريق إلى باب المندب
وحول رحلة الرئيس ناصر إلى الجزر يقول مسترسلاً :" بعد صدور قرار تعييني محافظاً لجزر أرخبيل سقطرى وكوريا موريا وميون وكمران (1) ، كنتُ في طريقي إلى ميناء التواهي (2) البحرية، لأبدأ رحلتي إلى الجزر، وكانت الأفراح بالاستقلال لا تزال معقودة، إذ لم تشهد عدن في حياتها فرحة كتلك التي شهدتها صبيحة الثلاثين من تشرين الثاني/ نوفمبر 1967م وبعده.
كانت أيام فرح وأعراس حقيقية. إذ إنه أول عرس تعيش فيه بعد 129 عاماً من الاحتلال، والفرحة تعمّ عدن والمحميات بالانتصار التاريخي على قوات الاحتلال وبزوغ فجر الاستقلال. هذا اليوم الذي طال انتظاره أكثر من قرن وربع قرن، جاء معمَّداً بالدم، وبالتضحيات الغالية، والانتفاضات والثورات، والتمردات، وأرواح الشهداء... بالعرق والدم والدموع، ولم يكن هبة أو منحة من أحد. لذلك، كان الفرح على قدر الكفاح والصبر المرير.
كنتُ أشاهد مئات السيارات تتحرك وتطوف أحياء مدينة عدن وشوارعها، تحمل آلاف الشبان الثائرين المفعمين بنشوة النصر، وكان هتافهم للثورة وللحرية.
ويضيف :" و كانوا يلوّحون بأعلامها ذات الألوان الثلاثة: الأحمر، الأبيض، الأسود وتتوسطها كلمة N.L.F، في إشارة إلى النصر الذي حققته الجبهة على قوات الاحتلال البريطاني.
انتشار الكتابة على الجدران
ويستدرك بالحديث :" و في تلك الأيام، انتشرت حُمّى الكتابة على الجدران البيضاء بالطلاء الأحمر والأخضر والأسود، ولم يسلم مبنىً عام أو خاص من كتابة الشعارات. وكان بعض الشباب يشطبون اسم (جبهة التحرير FLOSY) بالطلاء الأحمر، ويكتبون بدلاً منه اسم (الجبهة القومية N.L.F)، ويهتفون بحياتها.
آثار القذائف والرصاص والمدافع من أيام حرب التحرير والحرب الأهلية لا تزال على الجدران، تدلّ على عنف المعارك التي دارت هنا بين الثوار وقوات الاحتلال من ناحية، وبين الثوار أنفسهم من ناحية أخرى، قبيل الاستقلال بقليل. وبعض المباني التي دكّتها دبابات صلاح الدين ومدرعات "الفيريت" البريطانية تبدو جدرانها المهدمة معلَّقة بين الأنقاض، ومنها عمارة ناصر بريك، وعمارة صادق الأدهل في مدينة الشيخ عثمان حيث دارت معارك ضارية.
لكنّ هذا الدمار، وهذه الدماء التي سالت، والجراح وأرواح الشهداء، كانت ثمناً للنصر الذي تحقق والذي يهتفون له الآن حتى تصل أصواتهم عنان السماء.
النصر المظفَّر على الأعداء.
النصر. ذلك هو المهم الآن.
فوضى وأعمال النهب
وعن الفوضى والنهب يقول سيادته :" ومثلما هي الحال في اللحظات الفاصلة بين النصر والهزيمة، تدبّ الفوضى، ويظهر من يستغل الفرصة، فتبدأ أعمال النهب والسطو قبل أن تبسط السلطة الجديدة سيطرتها ونظامها في غمرة الفرح بالانتصار. وقد حدث بعضٌ من ذلك عندنا أيضاً في تلك الأيام.
نُهبت بيوت في مدينة الشعب والمكلا وعتق ونصاب والصعيد وأحور وبيحان وبعض المدن الأخرى.
بعض أبناء الريف، في غمرة الحماسة، دخلوا المدينة لأول مرة خلال الحرب الأهلية، وبعضهم حمل السلاح وقاتل، لكن لم يكن يعرف مع من يقاتل ولماذا يقاتل! كل ما كان يعرفه أنه مُنحاز إلى أصحابه في الجبهة القومية، أو في الجيش أو الأمن... كما هي الحال في الجانب الآخر.
وكنت أرى بعضهم يجلس في حارة "الهاشمي" على الكراسي والقعائد (المصاطب) لحماية مقرّ الجبهة القومية في عمارة العريقي بالشيخ عثمان، وأرى آخرين على الأرض يجلسون القرفصاء، مستنفرين إلى درجة أنهم يقفزون عند سماع أو مشاهدة أية حركة تثير ريبتهم، نافضين الغبار عن ملابسهم من الخلف، وقد شاهدتُ بعض هؤلاء ينتف ذقنه أو شنبه بملقط صغير أخرجه من خلف (جهازه) الذي يحتوي عادة على معدّات كثيرة حادة: (خنجر، سكين، شفرة، ملقط، إبرة ومشكة) والنشوق الذي يستنشقه من أنفه عوضاً من السجائر، وربما لو سمحت لهم الظروف وأسعفهم الوقت لحملوا معهم (الكحل) أيضاً.
وكانت هذه "العدّة" للريفي أو القبيلي من علائم الرجولة والشجاعة، وفوق هذا كانوا يتسلحون ببندقية "ميزر" أو "طالب شر" أو "زاكي كرام" أو "الكندة" أو "الشرفا 303" أو "أم السباع"، وأخيراً " الكلاشنكوف".
وأحياناً يخبئون القنابل والذخيرة وحبات الزبيب و(القلمة) في (القرعة)(3) ، ويعلقونها على أكتافهم، وهي مصنوعة من جلد الماعز. وكذلك (قربة) أو زمزمية الماء من (حق أحمد السركال) (4) كما يطلقون على الإنكليز.
مشاهد لم تعهدها عدن
وحول المناظر والمشاهد التي لم تالفها مدينة عدن يقول مردفاً :" رأيت مشاهد لم يكن لعدن عهد بها، إذ كان يمنع دخول السلاح والمسلحين إليها، بدءاً من "باب السلب"، قبل قيام الثورة، فكانت مدينةً مسالمةً، أقصى ما تعرفه من سلاح، عصا معقوفة (باكورة) تُستخدَم للوجاهة أكثر مما تُستخدَم للعراك، إلا في حالات الضرورة والدفاع عن النفس، في حارتي حسين والقاضي وحارات الشيخ عثمان.
وشاهدتُ البعض يحملون السلاح في أحياء المدينة، ويقاتلون مع جبهة التحرير والجبهة القومية، لا يخشون الموت ولا يخافون إلا الله دفاعاً عن أنفسهم وحلفائهم في هاتين الجبهتين، في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، كما حدث في عامي 1986م و1994م. ومثل هذه الأحداث تحدث في كثير من البلاد أثناء الاضطرابات وانفلات الأمن. وما زلتُ أذكر منظر ذلك الجندي الذي كان يحمل على كتفه ميزاناً خاصاً بأحد المستشفيات أثناء حرب عام 1994، كان قد عرضته قناة mbc.
الحياة في نظرهم رخيصة، وليس لها ثمن. لا يحلمون ولا يخططون. يصرفون ما في الجيب بانتظار ما يأتي به الغيب. تلك هي فلسفة حياتهم.
الجزر… ورحلة "الغزال"
و يقول مسترسلاً :" كانت قضية الجزر التي كنتُ ذاهباً إليها بصفتي أول محافظ لها بعد قيام الدولة، تحتلّ الصدارة في النشاط السياسي والإعلامي بعد مفاوضات جنيف، حيث ثار الخلاف بين الوفدين البريطاني ووفد الجبهة القومية في مفاوضات الاستقلال على مستقبل هذه الجزر وإلى مَن تعود السيادة عليها. ويبدو أنّ الوفدين اتفقا على ألّا يتفقا بشأن هذه القضية الحساسة، ما أثار مخاوف في أوساط الجبهة القومية وقيادتها التي بادرت إلى إصدار قرار فوري بتعييني محافظاً للجزر المتناثرة في محيط شاسع بين البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب والمحيط الهندي، لتأكيد سيادة النظام الجديد على هذه الجزر الاستراتيجية.
جزر تتبع "حكومة عدن" والإمارات الجنوبية
وحول نص ميثاق الجبهة القومية وتصريحات قادتها يردف بالقول :" لم يكن لدينا معلومات كافية عن هذه الجزر سوى ما نصّ عليه ميثاق الجبهة القومية وتصريحات قادتها ولجان تصفية الاستعمار.
من الناحية التاريخية، كنتُ أعرف أنّ للجزر موقعها في عملية التقاسم الدولي، نظراً لموقعها الاستراتيجي من ناحية، ولوجود أراضٍ واسعة على تخومها صالحة للدفاع عنها أو الوصول إليها من ناحية ثانية. وفي مقدمة من شُغل بها واهتمّ بموقعها، البريطانيون، يوم كانت إمبراطوريتهم "لا تغيب عنها الشمس"، وقد تعرضت تلك الجزر قبل ذلك وبعده لمحاولات غزو عديدة، شارك فيها الأتراك والبرتغاليون والهولنديون، والفرنسيون أيضاً.
كان ثمة جزر تتبع "حكومة عدن" والإمارات الجنوبية، متفاوتة البعد عن السواحل الإقليمية للجنوب اليمني. وأهمّ تلك الجزر: بريم (ميون)، سقطرى، كمران، وكوريا موريا. وتحظى جزيرة بريم (ميون) بأهمية استثنائية مقارنةً ببقية الجزر، بفعل موقعها الذي يُعَدّ مفتاحاً متحكماً بمصائر الملاحة الدولية عبر بوغاز باب المندب، باعتباره بوابة البحر الأحمر إلى بحر العرب والمحيط الهندي.
صراعاً للاسحتواذ على الجزر
وعن مشهد الصراع حول الجزر يقول :" شهد التاريخ صراعاً للاستحواذ على هذه الجزيرة المهمة اعتباراً من القرن السادس عشر للميلاد، حين حاول البرتغاليون في أيام "ألفونسو البوكير" احتلالها لتكون محطة انطلاقهم شرقاً. ثم شهدت محاولات فرنسية للغزو، حتى استطاع الإنكليز طرد خصومهم واحتلال الجزيرة عام 1799م. وكانت دواعي الاحتلال الأول مُواجهة حملة نابليون التي نجحت في احتلال مصر عام 1798م، وراحت تهدّد نفوذ الإمبراطورية البريطانية فيما حول مصر امتداداً إلى الهند والمناطق الشرقية.
جزيرة بريم والاحتلال الربيطاني
ويستدرك الحديث قائلاً :" وكان احتلال القوات البريطانية جزيرةَ بريم محسوباً بالعوامل الاستراتيجية ذات الصلة بخطوط المواصلات البحرية، حيث أصبحت موقعاً رادعاً وضامناً، ولكن بعد زوال خطر المدّ الفرنسي أولاً، وظروف الجفاف ونضوب المياه واشتداد الأعاصير، اضطرت بريطانيا إلى الانسحاب من الجزيرة دون أن تدع أيّاً من الدول المنافسة تستثمر الفراغ الذي تركته، بل احتلتها مجدداً تحت هواجس الخوف من زميلاتها الكولونياليات الطامعة، وذلك بعد 18 عاماً من احتلالها عدن.
وفي هذه المرة، طورت بريطانيا "وظيفة" الجزيرة، فاتخذتها محطة لوقود الفحم الحجري، ثم جعلت منها ميناءً لسفنها بعد أن أقامت فيها "فناراً" للإرشاد الملاحي. وأقامت عليها بعد عام 1965م مطاراً عسكرياً ترابياً، وذلك بعد قيام "اتحاد الجنوب العربي" والتلويح بإعطاء الاستقلال للمنطقة. وذهبت الإدارة البريطانية إلى أبعد من ذلك، حيث أعفت المجلسين، التشريعي والتنفيذي، في عدن من مسؤولية الإشراف على بريم وبقية الجزر، رغم أنّ المجلسين المذكورين كانا تحت نفوذها المباشر، ولا تخرج مواقفهما عن حدود احترام المصالح البريطانية الاستعمارية. وقد ربطت إدارة الجزر والتصرف بشؤونها بإدارة الحاكم البريطاني العام في عدن.
محافظ للجزر
وحول تنصيبه محافظاً للجزر يقول :" كل هذا وسواه كنتُ على علم به من الناحية التاريخية، ولكنني كنت أجهل كل شيء تقريباً عن الحياة على تلك الجزر التي أصبحتُ الآن محافظاً لها، وكنت أفكر في ذلك وأنا في طريقي إلى رئيس الجمهورية الذي أصدر القرار الجمهوري رقم 4 لعام 1967م بتعييني محافظاً لهذه الجزر المترامية الأطراف.
ويختتم هذه الحلقة :" كل هذا وسواه كنتُ على علم به من الناحية التاريخية، ولكنني كنت أجهل كل شيء تقريباً عن الحياة على تلك الجزر التي أصبحتُ الآن محافظاً لها، وكنت أفكر في ذلك وأنا في طريقي إلى رئيس الجمهورية الذي أصدر القرار الجمهوري رقم 4 لعام 1967م بتعييني محافظاً لهذه الجزر المترامية الأطراف. ( تابعونا فللحديث بقية ) ..

تعليقات القراء
479419
[1] لماذا نتقاتل ثروات اليمن تكفينا جميعا
السبت 25 يوليو 2020
ابوناصراليزيدي ا | عدن
يرحل المستعمر الاماراتي السعودي الإيراني ومليشياتهم
479419
[2] تسجيل المدكرات عمل حضاري شجاع
الأحد 26 يوليو 2020
قاسم عبدالرب حريز |
يعتبر بالنسبه لي فخامة الريس علي ناصر محمد اول رايس جنوبي شجاع ومخلص من خلال تسجيله لتاريخه قبل وفاته وهدا اهم عمل للاجيال ولا يهم في تسجيل التاريخ من يحبه وضده والاخير عليه ان يدلي بتاريخه للاجيال تحياتي لعدن الغد
479419
[3] اهمية تدوين التاريخ
الأحد 26 يوليو 2020
قاسم عبدالرب حريز |
ان تعرف الاجيال الجديده اسباب نجاح وفشل ما قبلها من الاجيال فلا تكرر الخطا ومصدر الفشل مره اخرى وهدا المصدر الاساسي لنجاح كل الشعوب المتقدمه في عصرنا الراهن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.