حين كانت الحياة بسيطة تذللت كل الصعاب لم تلد حينها تكاليف المعيشة . كان التعليم بمثابة امنية، كانت عقيدة في نفوسنا ان من يتعلم كبير ولو كان في الصفوف الدنيا لهذا كنا نستيقض في الصباح بصدور مثلجة فرحة رغم انا لانتحصل الا على كوب من الشاي وبالكاد يوما حبتان من بسكت ابو ولد نبرد الشاي على عجل وناكل البسكت ان وجد ثم ننطلق بمفردنا نحو ملابسنا . ماهي ملابسنا قميص ابيض وبنطال كاكي وشربة متحجرة في حذاء كنا نسميه شراع ابيض اللون . نخرج الى المدرسة من حدب وصوب بزي واحد موحد لاترتمي على ملامحنا الا الابتسامة ، ننطلق نحو المدرسة وفي نفوسنا اشياء ثمينة . نصل الى المدرسة وكل المعلمين متواجدون لا احد متخلف او غائب بما فيهم كوكبة هي ذخيرة التعليم في ابين وركن قامت عليه العملية التربوية هم كوكبة معلمي ومعلمات منطقة الدرجاج الذي كان لهم الكفل الاكبر في تحصيلنا العلمي بزيهم الحضاري الذي ليس له اي معنى الا الهيبة والقدوة . نسطف في الطابور المدرسي نمارس التمارين الصباحية وكانها جزء من شخصيتنا ، ثم نردد النشيد الوطني بكل عزة وكبرياء بل نتباهى اينا اعلى صوته. ثم ندخل الفصل الدراسي بانتظام تام لنلغي خلفنا كل مخلفات الشغب بسكينة ووقار دافئ جدا، ليذهب الكل نحو مقعده . فاذا دخل المعلم الى الفصل قمنا له ، فقال صباح الخير ، ردينا عليه صباح النور والسرور ليقول جلوس فنجيبه بكلمة شكرا مااجمل هذه العبارة ومااجمل نلك الايام.. كنا نرى المنهج بسلوك المعلم . كنا نرى قيمتنا في الطباشير التي تملى ملابس المعلم كنا نرى هيبة المعلم من خلال حديثه معنا لا من عصاه الذي يحملها كنا نرى المعلم اذا اراد فتح الكتاب يفتح قلوبنا اولا ثم يستهل الدرس ومانبرح حتى يدق الجرس للحصة التالية، لياتي معلم اخر ونحن في شغف وتظخم باننا طلاب علم ، فيكمل مابدأه قبله ليغرس في نفوسنا من هو المعلم لا ماهو عنوان الدرس ، لذا تعلمنا ان حب المعلم اصل وركن في التحصيل العلمي، بيد انه اذ لم تتعلق بحب اسلوب وطريقة المعلم فلن تستوعب شيئ وستنفر عاجلا ام آجلا. كنا اذا دعاك المعلم في وقت الاستراحة تبتسم جوانحك وترتجف في آن واحد وتقف امامه وكانك تعلن له انه المهاب ابدا واطلاقا ، حتى وان صادفك بابتسامة منه تشعر بانجاز ناجم عن رضاه عنك لذلك استلهمنا ان العلم نور والجهل ظلام من السنبورة السوداء حين يغشاها الطبشور الابيض. واليوم تباعدت المسافات بين المعلم الحاضر وسلفه حتى افترق منهج الاثنين وشتان بين الاثنين لهذا اضاع المعلم المعاصر اهم ملهم للتحصيل الا وهو حب المعلم ومادته ، ولهث خلف هيبة مصطنعة هي ناتج عن عدم ميوله لما يعمله ، لاسباب قسرية اجبرته ان يكون معلم ، فتناسى قول القلب ولوى اللسان بقول اجوف لم يتجاوز الاذن ، فصم عنه تلاميذه ، وملوا تعاليه ، وازدروا طرحه واساليبه فسقطت هيبته ادراج الرياح هذا هو اهم اسباب تدني التعليم في الوقت الراهن