البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن كتاب علي ناصر محمد
نشر في عدن الغد يوم 18 - 11 - 2020

تقديم لابد منه ، على كتاب الرئيس علي ناصر محمد " ذاكرة وطن من 1967م وحتى 1990م "
5 تقديم المهندس / خالد عبد الواحد محمد نعمان عدن : 15 نوفمبر 2020م
بعد قراتي لآخر كتب الرئيس علي ناصر محمد الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي تأتي ضمن سلسلة كتبه التي أصدرها مؤخرا ضمن سلسلة " ذاكرة الوطن " ، فقد قررت ان اكتب هذا التقديم الذي أراه ضروريا ، لشد الانتباه لقراءة هذا الكتاب كاملا من قبل كل الساسة والنخب في الداخل أو الخارج المهتمة بالتعرف على تجربة الحكم في الجنوب من أحد أبرز قادتها ، والذي قضى أطول فترة كرئيس ورئيس الوزراء بين أقرانه ممن حكموا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، وهو بذلك يمتلك حصيلة كبيرة من أسرارها وخفاياها ، وأفصح عنها في هذا الكتاب ، بصورة صريحة وواضحة . وأعتبر أنه سيكون " ذخيرة قيمة " للباحثين والمؤرخين اللذين سيحثون حول حقائق تجريه الحكم في الجنوب.
ويسرني أن أرفق لكم هذا الكتاب كاملا عبر الواتساب ، والذي يتكون من 582 صفحة مدعمة بملاحق وشروحات تفصيله في كل صفحة من صفحاته التي كانت تستدعي الشرح والتفصيل. ويعتبر هذا الكتاب من اهم الكتب السياسية وكتب التقييم لتجربة دولة الجنوب، وكتب السير الذاتية التي صدرت عن قائد سياسي يمني تولى الحكم في الجنوب لفترة طويلة ، على الاطلاق خلال ال 58 السنة الماضية. وأني على استعداد لأرسال الكتاب كاملا عبر البريد الإليكتروني لمن يرغب في الحصول عليه بصورة إليكترونية.
لقد قرأت كتب المذكرات والسير الذاتية لعدد كبير من الساسة اليمنيون، بدءا من الأستاذ أحمد محمد نعمان، والشيخ سنان أبو لحوم، والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ود. حسن مكي، ود. عبد الكريم الأرياني، ود. عبد الغني علي ، والأستاذ الخويل وغيرهما من من كتب عنهم الآخرون كمذكرات أو كسير ذاتية ، كالرئيس قحطان الشعبي ورئيس الوزراء فيصل عبد اللطيف الشعبي والرئيس عبد الفتاح إسماعيل ، والمرحوم علي أحمد السلامي والشهيد جار الله عمر ، ولكني لم أجد هذا الكم الهائل من المعلومات والأسرار والخفايا والتقييمات الصريحة التي يفصح عنها لأول مرة في كتاب منشور . وهذا الكتاب نتاج ، تدوين ذاتي يومي للكاتب لمذكراته الشخصية منذ أن كان في بعثة الصاعقة في الكلية الحربية في مصر في عام 1965م ، وأستمر في عادته تلك ، حتى حين تقلد أعلى المناصب القيادية في الحزب والدولة في الجنوب ومازال يمارسها حتى الآن . إن هذا الكتاب حصيلة اكثر من ثمانية عشرة الف صفحة من المذكرات خطها بيده ، إلى جانب الكم الهائل من المحاضر للاجتماعات للمكتب السياسي واللجنة المركزية ومجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ومانشر في الكتب والصحف والمقابلات التي تحدثت وغطت تلك الحقبة ، وأيضا أستندت على الأفلام الوثائقية ومخطوطات وصور تاريخية تزيد عن مئة الف صور، وكذا تدوين للقاءات مع بعض الشخصيات الذين كان لهم علاقة بهذه التجربة . كما حصل أيضا على عشرين شريطا تسجيليا لاجتماعات المكتب السياسي برئاسة الرئيس علي سالم البيض بعد عام 1986م والتي كانت تعقد في مجالس قات ، لتقييم شخصية الرئيس علي ناصر محمد و الادعاء ب " علاقته المشبوهة اقليميا ودوليا " ، وهي التي تركت ، بعد نزوحهم إلى الخارج عام 1994م .
وقد يتسآل البعض ، لماذا أكتب هذا التقديم لكتاب الرئيس علي ناصر محمد ؟ ، وأرد بأنني عاصرت تلك الأحداث كلها ، منذ أن التحقت بالعمل السياسي والنضالي في مطلع يناير 1965م حين التحقت بالجبهة القومية في القطاع الطلابي ، ثم استمريت في عضوية التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية ، ثم في الحزب الاشتراكي اليمني حتى يناير 1986م ، وقد عملت مع الأخ الرئيس علي ناصر محمد في مكتبه الخاص ، وفي سكرتارية مجلس الوزراء ، في أربعة وظائف قيادية منها ثلاث في آن واحد ، ذكرت في الكتاب ونزلت معه في زياراته التفقدية إلى كل محافظات الجنوب ، وإلى كل الوزارات و المؤسسات والمصالح في الجنوب ،وكنت أعرف العديد من الخبايا والأسرار ، ولكن ليس يكل تلك التفاصيل التي وردت في الكتاب ، وظلت علاقتي وطيده به ، متذ أن كنت مهندسا ، ومديرا لهيئة المساحة الجيولوجية في هيئة والنفط والمعادن وحتى الآن ، بل هو الذي جاء بي إلى مجلس الوزراء كمستشار للطاقة من هيئة النفط والمعادن . لقد أسهمت في وضع العديد من الموضوعات التي ورد ذكرها في هذا الكتاب ، لعل أهمها وثيقة " الأفكار الأولية لتحرك الأمين العام للحزب والرئيس في الفترة القادمة للعمل مع الهيئات والمؤسسات في الحزب والدولة خلال الخمس السنوات القادمة " والتي أعدت على أساس، محاولة لحل الأزمة التي كانت قائمه قبل وبعد المؤتمر العام الثالث للحزب الذي عقد في أكتوبر 1985م ، على أساس سلمي بعيدا عن الاحتكام للسلاح . والتي كانت عبارة عن أفكار لخطة متكاملة ، للنزوع إلى السلم ، وأبعاد شيح الحرب التي كانت نذرها قائمة . وقد وضعتها في نوفمبر 1985م ، ثم سافرت إلى الخارج في شهر ديسمبر 1985م في مهام رسمية للبحث عن تمويلات لدى كل من البنك الدولي ( مؤسسة التنمية الدولية ) والحكومة الدانماركية ، لتمويلات مشروع عدن الكبرى ( المرحلة الثانية ) ، ولم أعد إلى عدن ، الآّ قبل ثلاثة أيام من أحداث 13 يناير 1986م ، وكما علمت لاحقا بأن الأخ الرئيس علي ناصر محمد ، كان قد عرض تلك الخطة ، على عدد من أعضاء المكتب السياسي والقيادات ، منهم الرئيس حيدر أبوبكر العطاس ، وأبوبكر بن حسينون وجار الله عمر ، وأبوبكر باذيب وأنيس حسن يحي وآخرون ، وأعجبوا بها . ولكن كان جزائي ( جزاء سنمار ) وهي السجن لفترة طويلة بعد أحداث 13 يناير 1986م بسبب هذه الخطة ، واعتبرت عكس مضمونها " كخطة " سياسية بديلة للانقلاب " وقد وزعت على السفارات في الخارج على هذا الأساس ، كما أخبرني لاحقا الأستاذ محمد علي عماية نائب وزير الخارجية آنذاك . ولولا ال 18 المذكرة الشخصية التي وجدتها وزارة أمن الدولة في منزلي بعد اعتقالي، والتي أكنت أدون فيها يومياتي لمدة 18 سنة متوالية، واكتشفوا خلال التحقيقات معي بأنها أعدت لغرض نبيل، وهو نزع فتيل الأزمة التي كانت محتدمة آنذاك، لكنت في عداد الموتى، أسوة بكل زملائي الذين أعدموا وكانوا معي في سجون الصولبان وصبر ولحج وكلهم كانوا كوادر مدنية ، لم ينخرطوا في أية أعمال عسكرية خلال الأحداث . ولكن الله ستر. وللأمانة بعد خروجي من السجن، أعيدت لي كل مذكراتي كاملة. وقد ذكرت هذه الخطة في ثنايا الكتاب . وللأمانه ، فبعد خروجي من السجن ، أستدعاني المرحوم سعيد صالح سالم وزير أمن الدولة آنذاك ، وأصطحبني في سيارته الخاصة لوحدنا ، وقال لي بصراحة " أنت تحتاج إلى 3 إعدامات ، لو أن علي ناصر محمد ، نفذ خطتك ، فلقد كان قد تخلص منا كلنا " وطلبت منه إعادة مذكراتي ، وأعادها إلي ، ومازلت أحتفظ بها حتى الآن . كما أهداني سلاحه الشخصي ، عوضا عن 2 مسدسات سرقها ضباط أمن الدولة ، عند تفتيش منزلي بعد إعتقالي ، ورفعوا تقرير بأنه لم يكن لدي سلاح . كما كانت لي مساهمات أخرى ذكرت في الكتاب ، لعل أهمها التوثيق للقيادات التي حكمت الجنوب خلال ال 23 عام من تجربة الجنوب ، وأيضا كتيب سمي ب " بمفكرة الأمين العام رئيس هيئة الرئاسة رئيس مجلس الوزراء الأحصائية " ، والتي شملت أحصائيات تفصيلية ديمغرافية وحيوية ، والمعلومات بشكل رقمي عن كل مكونات ومقدرات الحزب والدولة البشرية والمادية والمالية المدنية والأمنية والعسكرية ، وهي التي ورد بعض منها في ثنايا الكتاب كمعلومات وأدلة رقمية في سياق استعراض وتقييم بعض الأحداث . لقد كان الهدف منها هو توفير معلومات شاملة للرئيس ، يستخدمها في نشاطه القيادي الداخلي ، وأيضا عند مقابلاته مع الأجانب . ويبدو أنها ، هي السبب في أن يصدر المكتب السياسي للحزب قرارا يتعييني بعد خروجي من السجن ، كوكيل للجهاز المركزي للأحصاء لشئون الحسابات القومية والتجارة الخارجية .
لذا، فإني أعتبر الكتاب، هو التقييم الموضوعي الحصيف للأحداث والوقائع والاسرار خلال حقبة الحكم في الجنوب خلال ال 23 سنة من عمرها. لقد اعطي الكاتب، كل ذي حق حقة ولايستطيع احدا ان يشكك في كلمة واحدة عن تلك الأحداث ، الآّ فيما يتعلق بالتقييمات للأشخاص والمواقف للذين ذكروا في الكتاب خلال الأحداث التي كانت لها ظروفها، وهولاء عليهم أن يردوا على تلك التقييمات والمواقف والأحداث التي تخصهم و ذكرت في الكتاب . وبحكم معايشتي للتجربة كلها، لم أجد سوى الحقيقة بحلوها ومرها ومآسيها ونجاحاتها واخفاقاتها ولم ينسى الكاتب اي شيء ولا اي مجال لن يذكره بالسرد والتقييم والتحليل ، وفتح ملفات عديده لم يذكرها أحدا قبله ، وكانت تلك الملفات منسية أو لم يكن يجرؤ أحدا على فتحها ، وخاصة وأنها تحوي أسرار لم يكن أحدا يعرفها حتى ضمن الصفوف القيادية في الحزب والدولة . وطبعا فيما عدى التقييمات للأشخاص من القيادات اللذين كانوا جزء من التجربة، وهؤلاء لا أستطيع أن أحكم عليهم بشكل شخصي.
وحتى أشوق القارئ على قراءة الكتاب، فسأستعرض بشكل سريع الموضوعات التي تناولها الكتاب في الآتي:
تناول الكاتب المخاض لأنشاء دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ثم لاحقا جمهورية اليمن الديمقراطية على أنقاض 23 سلطنة ومشيحه وأمارة مختلفه في نظمها وأساليب الحكم فيها والتخلف الشديد في كل بنيتها الأساسية في دولة واحدة وفي ظل انعدام تام للموارد المالية لا نشاء تلك الدولة.
تحدث الكاتب عن الغياب التام لأي تصور لمشروع بناء الدولة الجديدة في ظل عدم وجود الموقف الفكري الموحد داخل الجبهة القومية ولا وجود لبنية تنظيمية متماسكة في تنظيم الجبهة القومية ، ولا تنظيم يجمع مكوناتها من أجهزة أمن وجيش وجهاز إداري في نسق موحد ، ولا يوجد تصور كيف يمكن الحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي والمالي والخدمي . وكان ذلك منفذا للاختراق لقيادة الجبهة القومية والدولة من قبل بعض اليساريين العرب ، اللذين وصلوا بعد الأستقلال ليمارسوا الوصاية ، وساهموا في زرع الخلافات بينها ، كما سيرد ذكره لاحقا .
كما تناول الكاتب ، كيف تم خلط المفاهيم لسلطة الدولة ، واختزلت الجبهة القومية كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعبة والقضائية ، في سلطة واحدة هي سلطة الجبهة القومية ، وقيادتها العامة ، والني أصبحت هي المرجع الوحيد لكل السلطات ، بل وأقصت كل الأحزاب السياسية والمنظمات والجبهات الأخرى ، حتى التي شاركت في الكفاح المسلح لاحقا ، واحتكرت العمل السياسي لوحدها ، وأصبح شعارات " كل الشعب قومية " ، و" لا سلطة تعلو فوق صوت الحزب " هي السائدة في كل تاريخ تجرية الجنوب ، وحتى ما نشاء بعد ذلك من سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية وانخراط بعض الأحزاب في التنظيم السياسي الموحد ، كان شكليا ولم تكن سلطتها لتطغى على قرارات القيادة العامة أو اللجنة المركزية أو المكتب السياسي ، طول فترة تجرية الحكم في الجنوب ، بل أمتد حتى إلى حشر الأحزاب اليسارية في الشمال في إطار الحزب الاشتراكي ، ليكتمل المشهد بشعار " وحدة الأداة " السياسية المهيئة لتحقيق الوحدة اليمنية ، وشكل ذلك أحد أسباب الخلافات والمصاعب التي واجهتها التجربة
لقد تركت تلك البداية لتأسيس الدولة الجديدة ، في ظل تلك الظروف ، البيئة المناسبة لاختراق قيادات الجبهة القومية من قبل المتطفلين الأجانب من اليسار الفلسطيني / اللبناني ، الذي أنشق هو بذاته ، عقب هزيمة حزيران ، فلم يجد ضآلته ، الآ في اليمن الجنوبي ، وبداء يضخ سمومه في بعض من قيادات الجبهة القومية الشابة ، التي لم تحظى بتحصيل علمي عالي ، أو ثقافة مدنية ، أو خبرات قيادة منشآت أوخبرات إدارية ، وكأن منشآها ريفي أو عسكري في قطاع الفدائيين . فقد حضر بعد شهرين من الأستقلال إلى عدن ثم ذهب ألى حضرموت ، كل من نائف حواتمة ومعه ثلة من المنتمين لحركة القوميين العرب من الطلاب اليمنين اللذين لم يشاركوا في الكفاح المسلح أو الثورة في الجنوب ، وكانوا طلابا في لبنان ، وحاولوا زرع الخلافات بين قيادات الجبهة القومية ، العليا والوسطي ، وأوهموا بعض القيادات بأن هناك يسار ويمين في الجبهة القومية ، ولا بد من تبني إجراءات لتدمير جهاز الدولة " القديم " من جيش وأمن وإدارة مدنية موروثة ، ولابد من أنشاء البديل للجيش والأمن من مليشيات شعبية من الفدائيين ، ومعاداة الإمبريالية ، وتنفيذ برنامج التحرر الوطني الديمقراطي والتخلص من الإمبريالية والاستعمار ، ورموز النظام القديم ، وتمكين الطبقات الكادحة من العمال والفلاحين من السلطة ، وتأجيج الصراع الطبقي ، وانتهاج الاشتراكية العلمية ، وغيرها من الهرطقات التي لم تكن لها صلة بالواقع المتخلف آنذاك ، وكان ذلك بداية الخلافات بين قيادات الجبهة القومية والحزب الاشتراكي والتي أستمرت حتى يوم الوحدة في 22 مايو 1990م، وجاء هذا الأسفين الذي خلقه نائف حواتمة وأقرانه في وقت كان يحضر لانعقاد أول مؤتمر للجبهة القومية بعد الاستقلال ، وهو المؤتمر الرابع للجبهة القومية الذي عقد في زنجبار في 2 مارس 1986م ، وانعكست تلك الخلافات على قيادات الجبهة القومية خلال المؤتمر وماتلاه ، ولأول مرة ظهرت انشقاقات عميقة بين القيادات ، وفرزت قيادة الجبهة القومية ، إلى معسكر يميني ويساري ، بفعل زرع هذه التنظيرات الشططه ، بين رفاق نضال واحد ، ومصير واحد وبيئة إجتماعية متقاربة ومتشابهة ، ولم يكن بينهم أحدا ينتمي الى الطبقات العليا من الملاك أو الأغنياء والجذور المشيخية أو السلاطينية . لقد كانت " لعنة نائف وشلته " على الجبهة القومية ، وانعكست تلك الخلافات على جملة من الإجراءات المتطرفة اليسارية غير العقلانية وفي ظروف صعبة ، أودت بحياة العديد من رفاق النضال ، وشردت الألاف من السكان وهربت وهجرت الفعاليات الاقتصادية والمالية إلى خارج الجنوب ، متجهة إلى الشمال والخارج ، وتعطلت الحياة الاقتصادية والمالية والخدمية التي كانت ناشطة في عدن وبعض السلطنات في لحج وحضرموت ، وفقدت الأدارة ألمدنية والعسكرية ، أكفاء كوادرها التي تأهلت على مدى سنين في ظل الحكم البريطاني ، وانقطعت صلة اليمن الجنوبي بالعالم الغربي والمحيط الإقليمي ، بل وحتى في الحفاظ على علاقة طيبة مع الشطر الشمالي ، وأستمر ذلك الوضع إلى النصف الثاني السبعينات ، بل تخللها حروب بين الشطرين أو تصدير " الثورة " إلى دول الخليج وإلى الشطر الشمالي ، ومن أهم تلك الأحداث والوقائع التي كانت وبالا على التجربة ، وفاقمت الخلافات بين قيادة الجبهة القومية ، ثم التنظيم السياسي الموحد ، وانعكست سلبا عليها وهي تحديدا : -
أ – حدوث انقسامات في المؤتمر الرابع للجبة القومية في زنجيار في مارس 1968، وأدت إلى التصنيفات للقيادة إلى جناحي يمين ويسار، والخروج بقرارات كانت تنبئ بانشقاقات لاحقة
ب – أثارت وتسببت في القيام بحركة 20 مارس 1968م لقيادات الجيش والأمن
ج – إجراء محاكمات جائرة للسلاطين والمشائخ والأمراء والحكام السابقين والوزراء، والحكم عليهم بإجراءات قاسية من خلال محاكم أستثنائية ، وصدور قواني بمصادرة أموالهم وممتلكاتهم وأراضيهم ومنشأتهم ومواشيهم بدون أي تعويض ، بالرغم من أنهم لم يقاوموا العهد الجديد
د – أتخاذ أجراءات بتحفيض الإيجارات للمساكن 40 %، وتخفيض الرواتب لجميع موظفي الدولة المدنيين والعسكريين ما بين 50 % إلى 60%
ه -إتخاذ أجراءات قاسية وظالمة ، تحت ظغوط الخلافات ، بأنهاء خدمات أكثر من 200 موظف حكومي ، اللذين كانوا من أكفاء الكوادر ألأدارية والمالية والفنية والمهنية والتي كان على عاتقهم تسيير الجهاز الأداري المدني في أجهزة الدولة قبل الأستقلال ، ومعظمهم كانوا من أبناء عدن ، وتمت أنهاء خدماتهم بدون أية حقوق
و – القيام بالتمرد المسلح لبعض من قيادات الجبهة القومية في زنجيار في 14 مايو 1968م
ز - قيام التمرد لبعض القيادات الأمنية والعسكرية في المحافظة الرابعة ( شبوة ) في 27 يوليو 1968م ، انتهي بخروجها إلى الشمال
ح – استغلال الوضع الناشئ، وقيام السعودية، بشن حرب الوديعة على النظام الجديد وأستقطاع أجزاء من الأراضي اليمنية من قبل السعودية
ط – حفزت الانقلاب على الشرعية بسبب خلافات بين الرئيس ووزير الداخلية للقيام بحركة 22 يونيو " التصحيحية " والتخلص من الدفعة الأولى من القيادات التاريخية للجبهة القومية التي كانت تصنف بانها " يمينية "
ي – وبداء مسلسل المصادرات لكبار التجار اليمنيين وشركاتهم، والأستيلاء على الاملاك المهجوره، ثم تأميم كافة الشركات الأجنبية والبنوك والشركات النفطية والملاحية والتجارية والخدمية التي كانت لها امتدادات خارجية، وكانت تشكل عصب الحياة الاقتصادية والمالية، وتوفر كل أنواع الخدمات بدون أي أعباء على الدولة، واستبدلت بشركات عامة، واستثنيت من هذه الإجراءات شركة مصافي الزيت البريطانية وشركة كيبل أند وارليس البريطانيتين، التي كانت تشغلا مصافي عدن والاتصالات اللاسلكية الخارجية. ثم تلاها التأميم والمصادرة لبعض شركات القطاع الخاص الأخرى المتبقية ،
ك – وبدأ التحضير للمؤتمرالعام الخامس للتنظيم السياسي الموحد ، عبر إستمارة التطهير المرعبة الذي عقد في مطلع عام 1972م ، والتي تمت بطريقة مهينة ، وصفي خلالها عدد كبيرمن القيادات للجبهة القومية تحت تهم ملفقة ، بل أنتحر بعضهم بسبب هذه العملية .
ل – ولكن الأخطر من ذلك ماصدر من برنامج سياسي من المؤتمر العام الخامس من يرنامج سياسي لمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطيه ، الذي كان خليطا من المنطلقات النظرية المتناقضة التي تجاوزت الواقع ، وظروف التخلف ، وأسست للتطرف اليساري ، كسيادة طبقة العمال والفلاحين للقيادة ، ومعاداة البرجوازية ، وأجراءات التأميم والمصادرات والانتفاضات وغيرها من الأجراءات التي تمت بعد هذا المؤتمر خلال عام 1972م الذي سماه الكاتب بعام العواصف
م - وبدات الأيام السبع " المجيدة " ، التي بدأت بالأنتفاضات الفلاحية والأستيلاء على أراضي الفلاحين ، خلافا لقانون الأصلاح الزراعي الذي كان التي سمح لهم يحيازة 25 فدان ، ثم تواصلت بالانتفاضات على الصيادين وعلى المقاهي والمطاعم ، ثم دعت إلى تخفيض الراتب ، و" حرق الشيذر " واختتمت بالإجهاز على ما تبقى من الجهاز الإداري الموروث ، ومن حينها دخلت في بعض الإدارات الحكومية والمرافق قيادات عمالية ، لا تفقه في أمور الأدارة شيئا ، وأصبحت متواجده في كل مفاصل القيادة الأدارية لبعض المؤسسات ، بل وفي الأطر الحزبية والتشريعية والتنفيذية التي أنشئت لاحقا
ن – والأسواء من ذلك ما حدث بعد ذلك من سحل وقتل وتصفيات لرجال الدين والشائخ وزعماء القيائل في كل من محافظات حضرموت وشبوه تحت إدعاء أنهم " كهنوت "
س – ثم حصلت حملة تصفيات وإخفاءات للعديد من الكوادر النقابية والسياسية والمجتمعية والتي كانت تعارض كل تلك الإجراءات السابقة المذكورة أعلاه
س – ومن تلك الأحداث التي تمت في عام العواصف هي التأميمات للمساكن والمحلات التجارية لكل الملاك بدون أستثناء ، والتي أوقفت النشاط العقاري الخاص بالكامل ، وبذلك أصبحت مؤسسات الدولة هي المسيطرة والمحتكرة لكل النشاط الأقتصادي والمالي والخدمي
ع – وايضا في نفس العام حدث عملية قتل عدد كبير من مشائخ خولان وعبيده في خيمة كبيرة ، على مأدبة غذاء وعلى رأسهم الشيخ الغادر ، في منطقة البليق بمحافظة شبوة ، وقد تسبب تلك الحادثة في قيام حرب بين الشطرين في عام 1972م ، أستطاع أن ينهيها كاتب الكتاب في أول بيان للوحدة في أتفاق طرابلس بينه وبين القاضي الأرياني ، وقد صادف أن علمت بتفاصيل ذلك الحادث الغادر للشيخ الغادر من قبل أحد منفذية خلال فترة السجن في الفتح ، العقيد بطم طوحل ، والذي كان يبدو أنه مدبر من قبل بعض الجهات النافذه في الشطرين
ف – وأختتمت كل تلك الأحداث بالتخلص في وقت لاحق من القيادات بحادثة الطائرة للدبلوماسيين ، والتي أجهزت على أخر ما تبقى من القيادات التاريخية للجبهة القومية التي كانت تصنف باليمين الرجعي
ثم ارتدت كل تلك الاحداث على أحد صانعيها ، في أحداث يونيو 1978م ، التي أستغل فيها حادثة مقتل الغشمي ، لتصفية الحساب مع الرئيس سالم ربيع علي ( سالمين ) الذي أعدم بعد معركة قصيرة معه ، وأستحدث في القاموس السياسي الجنوبي " اليسار الانتهازي " . والحقيقة ، أن ذلك كان نتاج صراع آخر بين قيادة التنظيم السياسي الموحد وتيار الرئيس سالم ربيع علي ، الذي أستأثر بالقيادة اليومية للدولة ، على حساب التنظيم الحزبي ، بفعل كاريزميته الشخصية ، وصلته بالناس ، وبساطته ، فقد طغت قراراته على صعيد الدولة على قرارات قيادة التنظيم الحزبية ، وخاصة وأنه حاول التراجع عن الإجراءات اليسارية التي كان يقودها شخصيا ، وأختلف مع القيادات آنذاك على مسألتين ، هي التقارب مع الشمال على أساس شخصي مع الرئيس المغدور أبراهيم الحمدي ، وأيضا على مسألة الحزب الطليعي ، وكان أن وقع في شرك القيادة الحزبية ، وحمل مسئولية مقبل الرئيس الغشمي ، ثم أعدم على نحو عاجل ، لأغلاق وطي ملف الخلافات بين القيادات الحزبية ونحميلها الرئيس سالم ربيع علي
هذه كانت آثار الصراعات التي خلفتها الفتنة التي زرعها نائف حواتمة بين قيادات الجبهة القومية ، يعد الاستقلال مباشرة ، وبعد ذلك بدأت مرحلة جديدة من الخلافات – من طراز جديد – بعد تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني في أكتوبر 1978م ، وماثلاه من توسيع للحزب الاشتراكي اليمني بضم الفصائل اليسارية التي كانت تعمل في الشمال ، لتشكل حزب الوحدة الشعبية في الشطر الشمالي من الوطن ، والذي أندمج في الحزب الاشتراكي اليمني في عام 1979م ومن المفارقات الطريفة التي أتذكرها ، بأن قيادة الحزب الاشتراكي اليمني ، قد فرضتنا أنا والشهيد أحمد عبد الرحمن بشر ، والدكتور محمد قاسم الغزالي ( ثلاثتنا من قيادات سكرتارية مجلس الوزراء في الجنوب آنذاك ، ومدراء أهم الدوائر في السكرتارية ) لنشكل سكرتارية للمؤتمر التوحيدي لفصائل اليسار في الشمال ، والتي ستشكل حزب الوحدة الشعبية ، وقد حضرنا كل جلسات المؤتمر التوحيدي ، وقد كنا في منصة الاجتماع ، والاجتماع كله يسجل صوت وصورة من قبل الأستاذ محمد بافقية ، الذي كان المسئول عن تسجيل اجتماعات مجلس الشعب الأعلى ، وفي نهاية الاجتماع عندما بداء نقاش التقرير العسكري ، تنبه الأخ الدكتور محمد الثور ، ألى تواجدنا في المؤتمر ، ونحن لسنا من قوام المؤتمر ، فطالب بإخراجنا من القاعة ، وخرجنا ، وانتقلنا الى الغرفة التي فيها الأستاذ محمد بافقية ، لنستمع الى النقاش صوت وصورة . وكان ذلك النوادر الطريقة للحرص على السرية في الزمن الضائع
وبالرغم من كل تلك الإخفاقات والأحداث التي أخذت من رصيد التجربة بالسالب بسبب الخلافات المستمرة بين القيادات في الحزب والدولة ، الآّ أن الرئيس علي ناصر محمد من موقعه في رئاسة الوزراء ، وقبل ذلك في وزارة الدفاع ووزارة التربية والتعليم ، قد حاول قيادة جملة من النجاحات تمثلت في الاتي : -
تحقيق نهضة تعليمية وتربوية غير مسبوقة في تاريخ اليمن الجنوبي ، حيث نشرت الدولة التعليم في مختلف مراحله في كل المدن والقرى ، واستطاعت أن تحقق إلزامية التعليم العام ومجانتيه ، وأنشاء جامعة عدن بكل كلياتها العلمية والأدبية ، مع فروع لها في المحافظات الأخرى ،وأنشأت جامعة حضرموت في المكلا وكلية النفط والمعادن في شبوه ، بالإضافة إلى المعاهد الفنية والمهنية المتخصصة ، والتأهيل في الداخل والخارج للألاف من الخرجين في شتى التخصصات ، وبذلك وفرت الدولة حاجتها من الأطر المؤهلة لتلبية متطلبات التنمية في كل التخصصات وفي كل فروع الاقتصاد والأدارة ، كما حققت نجاح تجربة مشهود لها على مستوى الوطن العربي من خلال تحقيق محو الأمية وتعليم الكبار ، والتي شهدت بها المنظمات الإقليمية والدولية
وفي مجال الصحة ، فإن الدولة ، برغم إمكانياتها المحدودة ، وفرت التطبيب والعلاج المجانيين ، ودعمت أسعار الدواء ، وبنت المستشفيات والوحدات الصحية في كل المحافظات التي كانت محرومة من هذه الخدمات ،وأنشأت كلية الطب ومعاهد التمريض التي خرجت الألاف من الأطباء والممرضين اليمنيين بالإضافة إلى التأهيل الخارجي ، وعلاج الحالات المستعصية والضرورية في الخارج على حساب الدولة
وفي مجالات المياه والكهرباء والطرقات نفذت مجموعة من المشاريع الكبرى كمشروعات مياه عدن الكبرى بمرحلتيه الأولى والثانية ومشاريع مياه في كل المدن الرئيسة والفرعية وفي الأرياف بلغت أكثر من 70 مشروعا ، وأنشأت المحطات الكهربائية العديدة في الحسوة والمنصورة وحجيف وخورمكسر ، وأنشأت الطرقات التي أوصلت كل محافظات الجمهورية ببعضها البعض بطرق مسفلته كما نفذت مشاريع المجاري في كل من عدن والمكلا ، وقد تم تنفيذ كل تلك المشاريع بأفضل المواصفات ، وبتمويلات من منظمات إقليمية ودولية ، حيث كانت اليمن الجنوبي موضع ثقة هذه المنظمات الإقليمية والدولية ، لآنها كانت تحظى بمستوى صفر فساد في تنفيذ هذه المشروعات
وفي مجال المطارات والموانئ فقد تم تطوير مطارات عدن والمكلا وسيئون وعتق والغيظة ، ومواني عدن وميناء الزيت في البريقه وميناء الاصطياد في حجيف وميناء نشطون في المهرة
وفي مجال الأستقرار التمويني ، فقد تحق استقرار تمويني للسلع الغذائية الأساسية والدواء وحليب الأطفال من خلال سياسة دعم الأسعار التي كانت تدعم من حلال صندوق موازنة الأسعار التي كانت تحمل السلع الكمالية أعباء الدعم من خلال فرض رسوم موازنة عالية على تلك السلع . أما السلع االأستهلاكية فقد كانت تتوفر في حد الكفاف
لقد حافظت الدولة على النظام المالي والأداري الكفؤ التي ورثته عن الأدارة البريطانية ، بالرغم من محاولات اختراقه خلال مرحلة فوضى " السبع الأيام المجيدة " ، الآّ أنه أستعاد حيويته وكفاءته ، وذلك ما جعل الأدارة المالية والأدارية للدولة بمنأى عن التجاذبات والخلافات السياسية
لقد كان وراء كل تلك الأيجابيات التي تحققت في المجالات أعلاه ، هو تمكين الكوادر المستقلة حزبيا والمعتدلة التي لم تنخرط في الخلافات السياسية ، من قيادة بعض من تلك الوزارات والمؤسسات والهيئات والمصالح ، والتي كانت تحتفظ لها بمناصب نواب الوزراء وكلاء الوزارات ومدراء العموم ، وطبعا وزراء التربية والتعليم والتخطيط ورؤساء الجامعات وروساء ومدراء مصافي عدن ومدراء الموانئ والمطارات ورؤساء مؤسسات المياه والكهرباء والطرقات وغيرها ، وكانوا جميعا على علاقة مباشرة برئيس الوزراء ، الذي كان يتابع أعمالهم ميدانيا ويدعمهم ويحميهم من أية مضايقات من الأجهزة والمنظمات الحزبية والأمنية
أن من أهم مايميز هذا الكتاب ، أن تعرض بشكل تفصيلي كنهة الخلافات التي نشبت في جسم الحزب الأشتراكي اليمني ، عندما حاول أن يصحح كل المسارات التي شهدتها فترة ماتبقى من عقد الستينيات وحتى بداية النصف الثاني من عقد السبعينات ، وبعد إعدام الرئيس سالم ربيع علي ، حيث دخل الحزب في حلقة جديدة من الخلافات من طراز جديد ، ولكن بنفس عناصر وشخصيات الخلافات السابقة ، ولكن برداء وتدثر جديد متكئين على العناصر التي دخلت على خط الحزب من حزب الوحدة الشعبية التي أنضم للحزب الأشتراكي اليمني . وهنا لايد من ألأشارة إلى ماورد في الكتاب من شرح تفصيلي مدعم بالحقائق والوثائق لما سارت عليه الأحداث والوقائع منذ تولي الرئيس علي ناصر محمد ، السلطة بعد أحداث يونيو 1978م وأيضا بالتحديد منذ أبريل 1980م وحتى يناير 1986م ، عندما أزيح من الحكم وحتى بعد ذلك إلى عام 1990م ، وحتى قبل ذلك منذ أن تولى رئاسة مجلس الوزراء في عام 1971م . كما أن مايميز هذا الكتاب أنه تحدث بالتفصيل عن ملفات سرية لم يكن أحدا أن يجرؤ أن يذكرها ، أو أنها ملفات كانت طي النسيان ، ولم يعلم بها أحد ، سوى في نطاق محدود ضمن القيادات العليا في الحكم في الحزب والدولة ، أو ماقام به من مساعي لتجاوز كل ما لحق بتجربة الجنوب من تطرف وسأستعرضها في عناوين فقط دون الخوض في التفاصيل ويمكن أن أوجزها في الآتي : -
أ ) بعد يوليو 1978 م ، شكل لجنة للتصحيح الأقتصادي والمالي من خيرة الكوادر الأقتصادية والمالية ، لوضع برنامج إصلاحات يعالج كل الأخفاقات التي حدث منذ الأستقلال وحتى ذلك الحين ، وقد كنت شخصيا عضوا في تلك اللجنة
ب ) بداء في تغيير الموقف من القطاع الخاص والمغتربين والمستثمرين ، وشجعهم على العودة للنشاط الاقتصادي والتجاري والاستثماري ، وبداء في فنح مجال الاستيراد لهم من خلال شراء شهادات استثمار من البنك الأهلي اليمني بالعملة الأجنبية ( بدون فوائد ) مقابل الحصول على أذون استيراد بضعف قيمة شهادات الأستثمار ، وفتح لهم مجال العمل بحرية في منطقة حرة محصورة بميناء عدن في تجارة الترانزيت ، وسمح بهم باستيراد السيارات المستخدمة وبيعها في الداخل ، وشجع المقاولين المحليين ، ودعي لمؤتمرات للمغتربين ، لحثهم للأستثمار في الجنوب ، وعدد من الأجراءات التي أعادت الثقة بالقطاع الخاص ، بعد أن أعتبرهم برنامج الحزب ، بأنهم أعداء للوطن
ج ) بداء بتطبيع العلاقات مع الشطر الشمالي ، وأنهى حرب المناطق الوسطي ، وأوجد علاقات تنسيق وتعاون وثقة مع قيادة الشطر الشمالي عبر المجلس الأعلى ، وأيضا عبر المشروعات والشركات المشتركة ومنها المشروع المشترك للموارد الطبيعية بين الشطرين ، والذي تشرفت بأن أكون احد أعضاء مجلس إدارته ممثلا عن الشطر الجنوبي
د ) بداء بتطبيع العلاقات مع دول الجوار الأقليمي ، وأنفتح عليها مما أدى إلى أن تساهم في تمويل مشروعات في مجالات الأسكان وغيرها ولكن بحذر .
ه ) أحدث انفراجه في توفير احتياجات المواطنين بالسماح بالاستيراد للسلع الاستهلاكية ، والسماح بعودة المواطنين من اللذين سرحوا أو نزحوا قسرا ، أو لأسباب سياسية ، وإعادة مساكنهم الشخصية
و ) حل كل مشاكل الخدمات من مياه وكهرباء ومجاري وطرقات ، من خلال تنفيذ مشاريع استراتيجية معظمها كانت ممولة من صناديق ومنظمات دولية والقيمية ونفذت على أعلى مستوى ، بعد أن كادت تلك الخدمات أن تنهار في عام 1979م
ز ) لقد أحدث حالة من الأستقرار في المجال ألأداري والمالي للجهاز الأداري ، وأرتياح بين السكان من خلال تطبيق النظام والقانون ، وتفعيل أجهزة القضاء والأمن وسيادة حكم القانون
طبعا كل ذلك أثار حفيظة المناؤيين له ، وكانوا يتهمونه بإن ذلك ، كان خروجا عن خط الحزب ، ومبادئة وأنها تتجه بالبلد يمينا ، ويتحالف مع الأعداء ، لذلك كان لابد من عملية قيصرية ، قام بها ، ودعى إلى مؤتمر أستثنائي للحزب في عام 1980م ، وأفرز ذاك المؤتمر عن قيادات معظمها كانت تؤيد ذلك المنهج التصحيحي الذي أنتهجه ، وواصل بعد المؤتمر تنفيذ الأصلاحات ، وأحداث الأنفراجه التي تحدثنا عنها اعلاه .
لعل من أهم ماورد في الكتاب هي الكشف عن العديد من الأحداث والوقائع والملفات التي تعطي صورة كاملة عن ما كان يحدث من خفايا وأسرار والتي لا يعملها العامة ، وحتى بعض الكوادر العليا والمتوسطة ، ومنها : -
(أ ) – تفاصيل الموقف السوفيتي من النظام في المراحل المختلفة ، ومحاولات بعض الأجهزة في التدخل في شؤن الدولة والحزب ، ومحاولات كسب الأشخاص والولاءات ، بعيدا عن العلاقات المبدئية ، وأيضا تقييم للدعم السوفيتي العسكري والمدني سلبا وأيجابا
( ب ) – تفاصيل كل لقاءاته بكل القيادات الأجنبية والسفراء أثناء الأحداث أو خلال زياراته الخارجية
( ج ) - تفاصيل تكوين الجيش وتكوين جهاز أمن الدولة وتكوين الأستخبارات والمفارقات التي حدث أثناء تلك الحقية وآثارها
( د ) – تفاصيل وقصة محاولات أستخراج النفط والغاز في الجنوب ، وكيف كانت كل المحاولات ، تؤأد في ظروف غامضة ، كان وراءها السعي الحثيث من قبل دول الأقليم في ممارسة ضغوطات ، لعدم أستخراج النفط والغاز في دولة ذات توجه أشتراكي أو " شيوعي " كما كان يسمونها
( ه ) – تفاصيل مواقف الدول المختلفة في مجال المساعدة في تشغيل مصفاة عدن ،بعد أيلولتها للدولة ، وكيف لعبت السياسية دورا في التعثر من تشغيل المصفاة بطاقتها الكاملة
( و ) – تقاصيل لأحدا ث والوقائع التي حدثت اثناء التحضير للمؤتمر الثالث للحرب الاشتراكي اليمني في أكتوبر 1985م ، والتوترات والحشود العسكرية والخلافات الحزبية التي كانت قد نشأت بعد عودة الرئيس عبد الفتاح إسماعيل إلى عدن ، والتهدئة التي تمت بخروج المؤتمر بتوافقات معينة ، نزعت فتيل الحرب ، ولكن بعد المؤتمر ، عاد التحشيد ، وكما ذكرت سابقا حاولنا تهدئة الوضع ، بإعداد خطة سياسية لمواجهة كل تلك التداعيات وحل الخلافات بشكل سلمي في إطار الهيئات ، دون اللجوء للسلاح ، ولكن للأسف ، أستمر التحشيد العسكري والتأمر بانهاء دور صاحب الكتاب ، وحدثت الكارثة والحرب ، وتناول الكاتب كل ذلك بالتفصيل ، وذكر كل الأحداث التي تلت ذلك بداء من المحادثات في السفارة السوفيتية بين ممثلي طرف النزاع ، إلى المشاورات والتحركات التي تمت بعد ذلك في صنعاء وأديس أبابا ودمشق وموسكو وطرابلس ، ولكن كلها فشلت في رأب الصدع .
وانتهى مطاف تلك التجربة في نفق جولدمور في الدخول في وحدة أندماجية مع الشمال، هروبا إلى الآمام من سقوط مدوي للنظام في الجنوب بسبب استمرار الخلافات داخل الحزب والدولة، وبسبب ما كان يتوقع من سقوط النظام السوفيتي وتأثره على الوضع في الجنوب، إلى جانب الخلافات التي كانت قد نشأت بين الشطرين حول اكتشاف النفط في المناطق المحاذية بن الشطرين.
وللأمانة من خلال معرفتي ومعايشتي للأخ الرئيس علي ناصر محمد طوال تلك السنين التي عرفتها فيه لم يكن مناطقي أو شعوبيا أو متكبرا، وكان يحب عدن واهلها كثيرا، ولم يميز بين الناس بسبب الانتماء والمنطقة وغيرها من الظواهر السلبية، ولم يكن بين كل موظفي الأجهزة والمكاتب والتي كانت تعمل معه في مكتبه الخاص أو في الأمانة العامة للحزب أو في رئاسة الدولة أو في مجلس الوزراء وسكرتاريته أو حتى في سكنه الرسمي أو حتى بين حراسته الشخصية من أن ينتمي لأسرته أو أقاربه أو حتى ينتمي لمنطقته أل الحسني أو دينة. وكان كلهم من جميع أنحاء اليمن، كماطرون في طاقم مكتبه الخاص أو في سكرتارية مجلس الوزراء، حيث أورد في الكتاب في ملحق فأئمة بمن عمل معه، وستجدون أنهم كدوار من كل أنحاء ومناطق اليمن، حتى من كان في مطبخه وخدمه الشخصيين وحراسته كلهم كانوا من الضالع وردفان وشبوه , وعندما كان وزيرا للدفاع ، حاول أن يحيل بعض من أقربائه في المناصب العليا ، إلى العمل الميداني ، تحرجا من بقائهم في تلك المناصب ويحسبون عليه ، وكان يطلب مني توظيف بعضهم في اعمال مدنية ، وكانوا من خيرة الناس والخبرات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.