طالعتنا الصحف والمواقع الالكترونية والقنوات الفضائية في يوليو 2017م بخبر المنحة الإماراتية الكريمة من حافلات النقل البري ( الباصات ) التي بلغ عددها 53 حافلة ، وفي خبر أخر 62 حافلة للنقل الجماعي وبأحجام مختلفة ومنها المرسيدس والرينو والافيكو والتي وصلت إلى ميناء الزيت بالبريقة في 2 يوليو 2017م والتي قدمت كهدية لمحافظة عدن لاستخدامها في النقل الجماعي ونقل الطلاب – كما جاء في الخبر .. وقد صادف وأن شوهدت بعضها في أكثر من موقع في عدن ، واستبشرنا بالخير وعودة نشاط المؤسسة العامة للنقل البري بعدن لتخفيف أعباء المواطن والمساهمة في حل مشكلة النقل الجماعي لطلاب جامعة عدن ، خاصة الواقعة في المدينة الجامعية في مديرية الشعب .
ولكن هذه الفرحة لم تكن سوى مقدمة لرحلة قصيرة جداً من عمر ذلك الأسطول الأبيض الذي اختفى عن أعين البشر ولم يتبقَ منه سوى ذكريات ذلك الخبر المعلن حينها !
وقد جمعتني الصدفة بأحد أفراد جهاز الرقابة والمحاسبة في عدن ، والذي كان حديثه يملأه الأسف على التدهور المتلاحق لكل مظاهر الحياة المدنية في العاصمة عدن ، وانتشار الفساد المالي والإداري لأغلب القيادات الحكومية الإدارية وبكل وقاحة ، مع ثقتهم التامة بعدم محاسبة أي فرد – مهما صغر أو كبر – بعد توجيهات رئاسية سرية – كما يقول المتحدث – التي صدرت لجهاز الرقابة والمحاسبة ، فكانت كالصاعقة خاصة وأنها تتضمن فحواها إغلاق وحفظ كافة ملفات الفساد نهائياً ، رغم انني لم أطلع على مثل هذا الخبر ، فإذا صح فأن مثل تلك الاشارات الغير معلنة فأنها تعطي الحق الكامل للفاسدين بالعبث أكثر وبكل حرية والتصرف بثقة متناهية بعد أن أمنوا المحاسبة أو العقاب .. ناهيك عن حادثة اقتحام مقر الجهاز بخورمكسر ونهب محتوياته والتخلص من كل الوثائق والملفات من خلال نقلها إلى أحد مواقع الحفريات في خورمكسر ودفنها هناك .
وعند سؤالي عن أسطول الباصات الجديدة المهداة للنقل البري ، صدمني ما رواه عنها !
فبعد استلام تلك الحافلات تم الاحتفاظ بها في مواقف الإدارة المركزية للمؤسسة العامة للنقل البري بالشيخ عثمان وهي بكامل جاهزيتها ، وأسدل الستار عنها .
وظلت في وقفتها الغريبة تلك فترة من الزمن ، ولم يتخذ فيها أي قرار تشغيل أو دخولها للعمل في خطوط النقل في عدن وضواحيها أو المحافظات المجاورة ، وهي بذلك كان قد دخلت لحضيرة الموت المؤكد ..
فقد تم (تشليحها) وسرقة كل محتوياتها وهي سجينة تلك المواقف المهجور للمؤسسة والتي لم تكن سوى مجمع لإدارة فاشلة لم تحتمل صدمة إنقاذها بهذا الأسطول الأبيض من الحافلات الجديدة التي (ماتت وهي واقفة ) كالأشجار.
وطبعاً كان ملف الفساد الخاص بهذه القضية هو أحد الملفات التي تم إغلاقها وحفظها والتي تم نقلها – بعد ذلك – للمقبرة الجماعية لكل ملفات الفساد في عدن !
وبعد هذه الكارثة المؤسفة .. هل تعتقد أن هناك – من الأغبياء – سيقدمون أي دعم أو مساعدة في هذا القطاع الحيوي أو ذاك في محافظة عدن ؟؟
ولم يكن سراً – مطلقاً – إذا قلنا أن كل المرافق الحيوية والهامة التي كانت أعمدة الاقتصاد الرئيسة في المحافظات الجنوبية ( في فترة ما قبل الوحلة ) والتي تهالكت وتهاوت وانتهت ، كان سببها الأول هو فشل قياداتها أو إداراتها الذاتية ، أو النفوس الضعيفة التي آثرت أن تقبض ثمن إغلاق تلك المراكز الحيوية وتشريد عمالها نظير حفنة من المال والامتيازات التي قبضتها تلك الإدارات مقابل إغلاقها .
ومن المؤسف حقاً أن مصير ذلك الأسطول الأبيض من الحافلات الجديدة كان بهذه الطريقة ، دون تدخل أي جهة، أو محاسبة مرتكبي هذه الجريمة بحق أبناء عدن .. وهل يتجرأ أحد من ذوي الاختصاص بالتدخل لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من تلك الحافلات وإدخالها الخدمة ولو حتى لنقل طلاب الجامعة وكلياتها المتناثرة في ضواحي عدن ؟؟