وقف القائد الشهيد جارلله عمر منتصب الموقف والخيارات والتاريخ طوال حياته رغم موروث الاستبداد وتركة الإقصاء والصراعات والحروب والانقلابات ولغة العنف والسجون والاغتيالات ومصادرة حرية الرأي والتعبير. وحاول مع رفاقه في قيادة الحزب معالجة عثرات الأنظمة وخطايا الحكام بعلاج جراحات الحروب والصراعات على أساس تغليب بناء الدولة الوطنية العادلة وعلى قاعدة توطيد أعمدة بناء الديمقراطية الناشئة بمجتمعنا وتطوير المشاركة الشعبية من خلال شراكة السلطة والثروة والحفاظ على سيادة البلد واستقلاله وتعميم ثقافة أحترام روابط العيش المشترك والمواطنة المتساوية وإشاعة ثقافة التصالح والتسامح ونشر مبادئ العدالة الانتقالية وإجراء المصالحة التاريخية بين اليمنيين ورفض سياسات الإقصاء والتمييز والعنف والحروب والصراعات والأرهاب في الحياة السياسية تحت أي مبرر .
وتقدم الشهيد جارلله الصفوف بفكره المبدع والخلاق فهندس ونظم صفوف المعارضة ووضع خارطة طريق ببرنامج الضرورات الوطنية المشتركة بهدف خلق وإحداث توازن بين السلطة والمعارضة وفتح نافذة أمل في جدار نظام شاخت كل أساليب حكمه وأعاق تطور روح الديمقراطية والحوار بفعل فيروس الاستبداد والإقصاء السياسي والفساد الكامن داخل منظومة الحكم المثقل بنوازع شجع تملك السلطة المطلقة والثروة بأي وسيلة .
وقف الشهيد منتصبا وصادقا كعاداته في قول الحقيقة وأن كانت مرة وحالكة بظلام النفق المظلم الذي يعيشه شعبنا فأطل من على منبر مؤتمر حزب الاصلاح مخاطبا ومكاشفا الجميع من موقف الحرص والواجب محذرا من أن سفينة الوطن سوف تغرق بالجميع وكان يقدم خلاصة الوضع المثقل بالأزمات وخطايا الانسداد السياسي وتراكم صعوبة الوضع الاقتصادي والمعيشي ومخاطر التدخلات الخارجية الماثلة للأعيان مؤكدا أن بلادنا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من فظائع الأزمات والتوترات المنفلتة والعبث الغير مسؤول واللامبالاة في سد طرق الحوار والحلول .
وها نحن اليوم نصل أو بالأصح قد وصلنا إلى النفق المظلم والحروب والصراعات والتشظي ومخاطر التدخلات الخارجية الذي حذر منها الشهيد قبل 18عامآ.
لم يكن يعتقد حينها أنه ضيفا ثقيلا على مشايخ الصف الأول الذين حتى لم يستوعبوا حجز مقعدا له بجانبهم باعتباره كبير ضيوف المؤتمر ونائب الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني الشريك الأساسي لحزب الاصلاح باللقاء المشترك ، وكأن الذي أختار مكانه بالقرب من الأرهابي علي السعواني يعد شريكا خفيا في المؤامرة الدنيئة من خلال تحديد مكان وساحة جريمة الاغتيال بشكل مخطط ومدروس ؛ وفضّلوا من باب الحذر والحيطة علي حياتهم أن لا يكون قريبا من مشايخ وكهنة معبد الفتاوي والتكفير الذين سعوا قبل حادثة الاغتيال إلى المتابعة و ممارسة الضغط في سبيل الإفراج عن الارهابي السعواني كما قدموا لقادة الأمن السياسي ضمانات من أجل خروجه من السجن ؛ وعند خروجه صرح الإرهابي -بحسب إفادته - أمام رئيس جهاز الأمن السياسي حينها العميد غالب القمش ونائبيه العقيد محمد الصرمي والعقيد عبدالله محرم أنه سوف يقتل القائد جارلله عمر وبعض قادة الفكر والمعارضة.
لم يكن يفكر القائد المثقف المبدع والسياسي النابه جارلله عمر أن ثمة كمائن غادرة تنتظره بساحة مؤتمر حزب الاصلاح بالأغتيال السياسي والاغتيال الإرهابي ويلتقيان بوضح النهار بمعطف الأهداف المتعددة الأغراض والحسابات الغير وطنية المستهدفه حياة جارلله عمر وتغييبه جسدا وفكرا وأمام رجال الدولة وكبار الضيوف ومشايخ الحزب والقبيلة وبعض القيادات العسكرية والأمنية وأمام أربعة ألف مندوب من كل مناطق الوطن.
إن عملية اغتيال جارالله عمر تعد بحق أقبح عقلية للفتنة والمؤامرة القذرة التي هَدفت إلى إشعال الحرائق في الوطن وفي أوساط اليمنيين بأي وسيلة كانت ؛ حتى وأن كان من خلال تغيبب هذا القائد السياسي والمفكر والجامع المشترك والجذر التربيعي لثقافة الدولة الموحدة والديمقراطية والمصالحة التاريخية والسلام والتنمية ؛ حتى ولو كان ثمن سقوطه يمثل سقوط قيم الدولة والنظام والقانون وامتهانا لكرامة وشرف وأعراف وعادات وتقاليد وأخلاق اليمنيين ؛ اغتالوه كما اغتالوا الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي في جريمة وفضيحة تاريخية مشهودة ؛ عكست كلتا الجريمتين فكرة وقرار الروح الشريرة للعيب الأسود الملطخ بالدم والموت وفقدان الإخلاق الإنسانية الرفيعة.
سقط الرفيق الشهيد جارلله عمر بجسده النحيف مظرجا بدمه الطاهر في ساحة كمائن الغدر وفتاوي التفكير والتطرف والإرهاب والفساد السياسي ولكن لم يستطعوا ولن يستطيعوا أن يسقطوا أو يغيبوا فكره السياسي الاستراتيجي المستنير الحامل لقضايا الشعب اليمني وتطلعاته العادلة نحو حياة ديمقراطية ومستقبل حُر وسعيد .
سقطوا بالخطايا وكيد المؤمرات والاغتيالات والفتن واسقطوا معهم قيم الدولة وتصرفوا كعصابات قتل وانحرفوا عن قيم الإسلام الفاضلة والمتسامحة وشرف مبدأ العيش المشترك في ساحة تصفية الخصوم بأدوات الإرهاب المصنع سلطويا وتكفيريا ولم يسقط فكر جارلله عمر ولا فكر الحزب الاشتراكي اليمني لأنه خبز يومي وبرنامج سياسي للتطور والتنمية والسلام وفكر الدولة الوطنية العادلة والمواطنة المتساوية والديمقراطية والسيادة والحرية والعدالة.
قتل الشهيد القائد جارلله عمر وهو يقيم الصلاة بمحراب الواجب الوطني بصناعة وهندسة المواقف وتحديد الخطوط العريضة لجوهر البرنامج السياسي وتنظيم الصفوف لقوى تحالف المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
قَتَلت الرفيق جارلله عمر مراكز النفوذ والسلطة والثروة وغلبة القوة القبلية والعسكرية وثقافة الكراهية والتكفير والتطرف والإرهاب وقَرَرت تغييبه باسم الإرهاب في فضيحة مكشوفة الأسباب والأبعاد السياسية والوطنية .