يأتي موسم الهجرة هذا مغايرا عما راءه الكاتب السوداني(الطيب صالح) في روايته الشهيرة (موسم الهجرة إلى الشمال ) فها قد انتهى موسم الهجرة هذا وحان وقت العودة إلى الديار . عندما شددت الرحال أيتها الطيور وقررت الهجرة صوب الشمال ، قالت لك غريزتك أن الوجهة التي ستصلين إليها أرض خير وبركة ومرتع وخم لجميع أسرابك المهاجرة. وانك ستجدين مبتغاك من هذه الهجرة وستلقي الاستقبال اللائق في تلك الغابة المعطاء.وانك ستتعايشي كأسرة واحدة مع قاطني الغابة التي قصدتها . غادرت والأمل يحذوك بغد أكثر إشراقا ،والكل يعلم انك هاجت ليس لضيق الحاجة أو شح أو عوز أو نقصان ،بل لأجل حلم كان يتسرب من ثنايا جوانحك ،حلم التعايش والمحبة والعلم . وتركت نعيمك الذي آثرت أن تتقاسميه مع تلك الغابة العطشى والمهددة بالانقراض أصلا. إذا خاب حدسك بعدما ماتت نصف أعدادك وأكثر (بطرق شتى) وتعددت أسباب الموت مثلما تعددت أسباب الرحيل. فعلى هذه الأرض لاشيء يستحق البقاء ،فأرجعي. ها وقد أيقنت أن هذه الأرض أرض يباب مآبها من مرتع لك،ولا مكان بها سوى للأقوى ،إذ يأكل قويها ضعيفها فقانون الغاب لا يرحم الضعفاء ،وما في النار للضمان ماء . أن الأوان لتعودي لموطنك الأم . فقد هدأت العاصفة وهطلت الأمطار واخضرت أغصان الأشجار وأينعت الثمار وساد الحب والوئام . فيا بلابل الدوح شدي رحالك ، فلم يسمع شدوك احد طالما ضللت تشدين وأعين تترقب سقوطك وترى فيك وبألوانك الجذابة تراك وجبة شهية . ويا عصافير الدر عودي ،فلم تعتادي على أكل الجيف يوما . وأنت أيتها الحمائم البرية ، لا تليق بك تلك الأقفاص التي تشل حركتك وأسرت جناحيك ، عودي ولتحلقي في فضائاتك الرحبة كما شئت . ويا نوارس البحر ارجعي ،وما أكلفك على البقاء في هذه الغابة الموحشة وأنت صخب البحر وملح البندر . عودي فكل شيء عندهم قابل للأكل . وحتى أنت أيتها الفراشات الرقيقة آن الأوان أن تطوي رحلتك وتعودي إلى موطنك الأصلي .إن عمرك قصير وأخشى على بهاء ألوانك أن يعتريه الشحوب ،عودي كي يزداد جمالك كشمعة تبعث كل وهجها قبيل الانطفاء وكذلك النجوم قبل أفولها . عودي وضعي شرنقاتك في ارض أنت منها وهي منك بجمال سهولها وجبالها وفلها الفواح ، ضعيها بأمان بعيدا عن أعين الحرباوات التي ترقبها بفارق الصبر ،ودعيها ترى النور في ارض أبائها وبني جلدتها. أيتها الطيور عودي واصدحي باعذب الألحان واطربي واشدي من هم على استعداد لسماع سنفونيتك الربانية. عودي ودعي الغربان التي تنعق بما لا تسمع ،دعيها تواري سوات بعضها البعض فقد الفت على أكل بقايا ما تترك السباع والضباع الحمر. وأنت يا أسراب النحل العاملة بجد وتفاني .لقد كانت رحلتك طويلة وشاقة إذ فرقتك رياح ذلك الصيف المشئوم وتهت في أرجاء المعمورة. آن الأوان لطي صفحات الماضي وأن تتجمعي وتتحدي وترجعي لتؤسسي لبناء مملكتك التي كانت مثالا لسائر الممالك. عودي فقد انقشع الغمام وأصبحت الورود ملائ بالرحيق والعبير الفواح في انتظار قدومك لتصنعي من رحيقها شهدا فيه شفاء للعليل . وأنت أيها الهدهد عد أدراجك ،فأنت طائر مشئوم بنظرهم ،فلطالما دللت عليهم بعدما عرفت كنههم ،عد فمازالوا يعبدون الشمس( شمس حزبهم ) وسيحرقونك إن علموا بأمرك . وفي الأخير … (تحية إجلال وإكبار لصقور الجو (الجنوبية) الذين يتساقطون يوما بعد آخر على مراء ومسمع من أعين العالم ) ... كتبت هذه الكلمات إلى أرواح الثلاثة الشهداء (الطيارين الجنوبيين )الذين قنصتهم أيادي الغدر والحقد الأسود في الكمين الذي دبر لهم بعد استدعائهم لقاعدة العند صبيحة يوم الأربعاء بتاريخ 8/5/2013م