كتبت/شيماء باسيد: عندما يرهقني أسى "لحج الخضيرة" يسعفني تراثها وتاريخها الأصيل يحزني ذات اللحظة أبنائها وخصوصا الشباب الذين لا يعرفون الكثير عن تاريخهم وفنهم اللحجي الجميل الذي جمع بين دفتيه البساطة والعذوبة والفلسفة. حين أشعر بحنين إلى الوطن أجد في الأدب والشعر هويتي ووطني . لحج ليست محافظة أقطنها وحسب بل أجدها ممتدة في كل شبر فيني فهي الأرض التي أحتضنت الكل من شعراء وفنانين وقادة وساسة وبسطاء كادحين لكن وللأسف قد خذلها الجميع بغير قصد أو ربما بتعمد للتهميش واضح جدا.
"الحوطة" مدينتي الغالية أراها في أوقات كثيرة"مدينة الدهشة"..دهشة الفخر حين اقرأ عن ماضيها,,دهشة السخط حين يثقل كاهلي واقعها المرير اليوم. ولأني من شبابها عاهدت نفسي أن أنفض ما استطاعت يداي الصغيرتين أن تنفضه وأشعر بفخر شديد وأن أبحر في تراثها ذلك الفخر يزيدني قوة أن أبحر اليوم في واقعها بشجاعة وان اجعل قلمي يربط ذكريات الماضي بأحلام المستقبل وأن أهدي جميع القراء الأعزاء في "عدن الغد" والمهتمين بالفن والتراث بعض من قبسات ذلك الماضي الجميل والذي أرى اليوم في كل سطوره وقصصه خير معبر عن واقعنا الحالي بكل آلامه وأوجاعه وخيبات أمله .
ومما أستوقفني من التراث اللحجي هي مساجلة شعرية جميلة بين ثلاثة شعراء ومحتوى هذه المساجلة يدور حول هم عام كانت تمر به السلطنة العبدلية في لحج وهو دخولها "اتحاد الجنوب العربي" والذي كان وقتها مثار جدل واسع بين صفوف المتنورين من أفراد الشعب..والعودة إلى تلك المساجلات الشعرية يرينا كم كانت المساحة الثقافية والفكرية في لحج واسعة جدا ومتنورة ولم تخل من الشعراء الأفذاذ الذين يدلون بدلوهم في كل القضايا السياسية التي تهم المواطن البسيط , يدلون بدلوهم دون خوف أو مصالح ذاتية وإنما هي مسؤولية أدبية وثقافية ووطنية في الأول والأخير بتشخيص الأمور الهامة بنظرة عقلانية موزونة والتحذير من مخاطرها إن وجب التحذير, هؤلاء الشعراء هم ما نفتقدهم اليوم في خضم "أدب المنفعة" وأقلام" المصلحة" كما أن هذا النوع من الشعر" المساجلات" كان يحظى بسعة صدر عند أصحاب القرار السياسي ساعتها ويشير إلى الاحترام المتبادل لاختلاف وجهات نظر الشعراء أنفسهم وهذه ميزة تحسب لأصحاب ذلك الزمن الجميل..
أعود بكم الى تفاصيل هذه المساجلة والتي دارت في "جلسة مقيل" في قصر السلطان" فضل بن علي العبدلي" أخر سلاطين العبادل حيث بدأ المساجلة الأمير "عبدالله محمد سلام" بهذه الأبيات:
يا بنت هذا اليوم خطابش يبانولي كثير حد يدعي كنده وحد ينسب إلى أهل نمير والشور شورش وخوتش ذي بايبيتوا في المصير ما نا مغسل للجنازة كيف ما سارت تسير هات اسمعوني قولكم شوفه أنا الموقف خطير وما عزمتم بعدكم في ظل وإلا في هجير
فيأتي رد الشاعر الراحل الغامض في شعره " صالح فقيه" والذي ما يزال معظم انتاجه الشعري مجهولاً:
البنت قالوا عادها في السن يا هذا صغير ممدودة فوق المهد لا تحبي ولا تقدر تسير مخلوق ترضع لكن الاسم هو الذي هز الأثير خلاها تضمر كل واحد نحوها بيده يشير والوقت ما هو خطبة أو حراوة يا أمير بل عندما تكبر وتبلغ رشدها با تستخير والناس ذات الوقت تعرف من الكفء من القدير ذي جاء يخلصها بعقله بعد ما كانت أسير محروم ما تقدر تحرك رأسها أو تسير يتيم بين أثنين لا منقذ ولا ذا مجير وكل شيء له حل لا تعجل تمهل يا حذير الأمر ما هو سهل كم ليات له كم يا عصير والكل في همه ولا هم التوعد والنذير جميعهم في عزم قاطع عزم مقطوع النظير حتى يحقق يوم تبيض فيه الوجوه وتستنير وتأخذ الوعد المحقق فيه تقرير المصير وان تم هذا الوعد والمدة كما يظهر قصير فذاك من أعظم مطالبنا وما دونه حقير والنار تحرق من لمسها إلا الذي فوق السرير يرسم خطط محد بغافل عنها محد ضرير حتى يكون أعمى يقود أعمى ويسقط في وسط بير نخرج من الرمضاء وندخل في جهنم السعير هذا الخبر ما حد موافق له ولا حد به بشير وإحنا نرى الهارب وذوي ودف يجعر جعير وكم قد تعذب غاندي وقاسى في طول المسير وجابهم بالصبر كان الصوم له أكبر مصير
ثم يأتي الرد من الوسط الشعبي, صوت يعبر عن رأي الأغلبية الصامتة ويكون رد الشاعر " علي عوض المغلس" هو مسك الختام لهذه المساجلة الشعرية الجميلة:
يا ذي فتحت القاف من قافك فهمنا ما تشير خليك حاضر باش وذي ينثر نثير اجمع حواسك والفكر واسمع قولي يا خبير لا ذا كما هذا ولا الأعمى سوى هو والبصير والبنت ما هيه سهلة وأهل البنت ما هم حمير والبنت قالت ما تبا حد غير ذي با تستخير من أهلها وبني عمومتها كبير وإلا صغير ولا لها في الأجنبي مهما يلبسها حرير والأهل قالوا ما نسلمه ولو غار المغير والشور شورك يا أبونا في الصغيرة والكبير والله له خير الأمور وحسن تقدير المصير