في ظل تضارب الأنباء والغموض فيما يتعلق بنطاق الضربة العسكرية على سوريا، وتأثيرها على موازين القوى على الأرض في سوريا، فضلا عن التداعيات على النطاق الإقليمي، خاصة وأن الصراع المتفجر في سوريا منذ ما يزيد عن عامين ونصف قد ألقى بالفعل بظلاله على دول الجوار المتفجرة طائفيًّا وإثنيًّا؛ أصبحت الضربة المرتقبة محل دراسة وتحليل من كثير من المتخصصين سياسيًّا وعسكريًّا. يأتي تحليل معهد "ستراتفور" الأمريكي، المتخصص في التحليلات الجيوسياسية الاستراتيجية، بعنوان "إيران: إدارة الضربة العسكرية الأمريكية في سورياIran: Managing U.S Military Action in Syria"، ليلقي الضوء على الدور الإيراني الحالي والمرتقب في إدارة الأحداث في سوريا، فبالرغم من تصريحات المسئولين الإيرانيين المتتالية بخصوص مساندة طهرانلدمشق حتى النهاية، ومقولات تقويض النفوذ الإيراني عبر ضرب سوريا؛ إلا أن معدي التقرير يعتقدون أن التدخل الأمريكي في سوريا قد يفيد طهران.
ويستند التحليل في ذلك إلى أن واضعي الاستراتيجية الإيرانيين قد يبتكرون استراتيجية معقدة للرد على الهجمات الأمريكية، فبالرغم من أن إيران ستقوم بتفعيل وكلائها في المنطقة (حزب الله) لمواجهة الهجمات الأمريكية، إلا أن إيران ستقوم باستغلال العداء الأمريكي الأصيل للجماعات السنية الجهادية في سبيل مكاسب وامتيازات بشكل ما، وهو ما يفسر تحذيرات وزير الدفاع الإيراني "حسين دهقان" بأن: "واشنطن ستكون قادرة على إعلان الحرب ضد سوريا، إلا أنها ستكون عاجزة عن إنهائها".
يشير التحليل إلى أن إيران منخرطة بالفعل في إطار الجهود الدبلوماسية الخاصة بسوريا مع كل الأطراف، فقد ترأس "علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني، وفدًا زار دمشق الأسبوع الماضي، يفترض أنه لمناقشة الهجوم المحتمل مع المسئولين السوريين. كما هاتف الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" نظيره "حسن روحاني" في ال29 من الشهر الماضي، وذلك في أعقاب زيارة "جيفري فيلتمان"، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية لطهران، حيث ناقش الوضع السوري أيضًا مع وزير الخارجية "محمد جواد ظريف"، حتى أن زيارة السلطان قابوس النادرة لإيران يتداول أنه كان يحمل رسالة من أوباما للحكومة الجديدة في طهران. ومن الجدير بالذكر، أن خطاب طهران، خصوصًا الصادر عن القيادة العسكرية، أصبح لينًا نسبيًّا.
تنطوي استراتيجية إيران على أكثر من مجرد تفعيل وكلائها في سوريا ولبنان، بحسب التقرير، وإنما يستتبع ذلك بعضًا من مناوراتها الماهرة التي أظهرتها في حالتي أفغانستان والعراق، حيث تعاونت طهران مع واشنطن، وحققت مكتسبات من الإسقاط الأمريكي لكل من طالبان وصدام حسين. ويشير معدو التحليل إلى أن الخبراء الاستراتيجيين الإيرانيين الذين صاغوا مثل تلك المناهج في التعامل مع الحالتين السابقتين موجودون في السلطة مرة أخرى، فوزير الخارجية على سبيل المثال، كان حلقة الوصل بين إدارة جورج بوش الابن وطهران في الأيام الأولى عقب أحداث 11 سبتمبر.
إلا أن الوضع في سوريا يختلف عن أفغانستان والعراق، إذ إنه في هذه المرة يوجد نفور أو عدم تحمس أمريكي لتغيير النظام، الأمر الذي تحاول إيران استغلاله. ففي الواقع قد يكون الدافع الوحيد لرغبة الولاياتالمتحدة في استبدال الأسد هو كبح النفوذ الإقليمي لإيران، والذي نما بشكل ملحوظ في أعقاب سقوط صدام، إلا أن واشنطن لا ترغب في الوقت نفسه في إزاحة الأسد لترى دمشق تحت سيطرة القاعدة. وما سبق يفسر ما كتبه الأمريكي إيراني الأصل "حسين موسويان"، المقرب من روحاني، من أن تغيير النظام في كابول كان "محطة للتعاون" بين واشنطنوطهران، ويرى موسويان أن على الولاياتالمتحدةوطهران تعزيز التعاون بما يتجاوز سوريا إلى إدارة أفضل للأزمات التي تعصف بالإقليم.
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى مخاطر الضربة العسكرية لسوريا على المصالح الإيرانية، بالرغم من إمكانية التعاون مع الولاياتالمتحدة، إذ إن وجود سوريا معادية لإيران سيقطع الصلة بينها وبين حزب الله، الحليف الأهم في المنطقة، فضلا عن المخاطر التي قد يتعرض لها حلفاؤها في العراق.إلا أن التقرير يستدرك أنه إذا ما اقتصرت الهجمة العسكرية على ضربات جوية محدودة؛ فإن ذلك لن يقوض نظام الأسد، الأمر الذي قد يصب في مصلحة إيران، وذلك لما قد تحدثه تلك الضربات من انقسام بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، بين معارض ومؤيد، الأمر الذي قد يمكن طهران، من خلال حلفائها في سوريا ولبنان والعراق، من إدارة الصراع.
ونظرًا لاتساع سيطرة المتمردين في سوريا، فإن الولاياتالمتحدة ستكون بحاجة للتعاون الإيراني لإنشاء الدولة السورية الجديدة. وبينما تستعد الولاياتالمتحدة للحوار مع إيران بصدد البرنامج النووي، فإن إيران ستكون حريصة على تضمين القضية السورية كورقة ضغط في المفاوضات المقبلة.
الترحيب بالفوضى
يعتقد واضعو التقرير أن إيران لا يمكنها عدم استبعاد إمكانية أن تضعف الهجمة المحدودة سوريا، كما لا يمكنها الجزم بأن الولاياتالمتحدة لا تنوي القيام بعمليات عسكرية مكثفة ضد الأسد، ولكنها يمكنها أن تعد نفسها لأي من الاحتمالين، فالإيرانيون يعرفون أن الأفضلية الجوية قد تكون للولايات المتحدة، بينما تمتلك إيران الأفضلية على الأرض في سوريا ولبنان والعراق.
ويشير التقرير إلى قدرة إيران على إثارة التمرد، لما لها من خبرة في هذا المجال في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، الأمر الذي سيعقد من التوترات الطائفية، ليس في سوريا وحدها وإنما في الإقليم ككل، ما سيؤجج بدوره من تطرف الميليشيات السنية، وهو ما سيدفع الولاياتالمتحدة للتعاون مع طهران لاحتواء التطرف السني. كما أنه في حال تورط الولاياتالمتحدة في حرب كبرى، فستضطر للتعاون مع إيران للخروج منها. ويضيف التقرير أن ما يمنح إيران نفوذًا في الواقع هو حصول الحركات الجهادية والإسلامية، بعد 11 سبتمبر، على الفرصة للوصول للسلطة في أعقاب سقوط الأنظمة العربية.
وعلى النقيض من جيران سوريا العرب، فإن إيران، بحسب التقرير، ترحب بالفوضى وزعزعة الاستقرار، نظرًا لما تتمتع به من إحكام سيطرتها الداخلية على نحو معقول، كما أنها على دراية بأن دوائر نفوذها قد تتعرض للإضعاف، إلا أنها لن تتلاشى. ووفقًا لعدد من الاستراتيجيين فإن خبرة إيران في الاستمرار في ظل العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها قد أكسبها قدرًا من المناعة، وعليه فإنه في حين قد تهدد الفوضى في سوريا الدول العربية الواهنة بطبيعتها، فإنها لن تؤثر كثيرًا على إيران، بل قد تستطيع طهران استغلال الفوضى العربية لصالحها.
ويخلص التقرير، إلى أنه وفي ضوء هذه المخاطر، فمن غير المحتمل أن تنخرط الولاياتالمتحدة عمدًا في تدخل عسكري واسع النطاق في سوريا، إلا أن على إيران ألا تثق كثيرًا في نوايا واشنطن، وعليها أن تعد نفسها للتداعيات غير المقصودة حتى لعمل عسكري محدود. فكثيرًا ما تنحرف الخطط عن مسارها حين التطبيق، خصوصًا حين يتسم الموقف بقدر كبير من السيولة كتلك الموجودة في الحالة السورية. وبالنسبة لإيران تمثل تلك السيولة مخاطر بقدر ما تمثله من فرص، وعليه يصبح الاعتقاد الشائع بأن سوريا بعد الأسد ستكون بالضرورة في غير صالح إيران ليس مضمونًا.