(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) البقرة 126 . وهذه بشارة : إنَّ الله بارك هذه الأرض ومن حلَّها ، فخيرها يعم البرَّ والفاجر . وحماها الله بقوته ثم بشعبها الأصيل ، ولم تجرؤ على غزوها كل الدول الاستعمارية عبر التاريخ .. هذه الدولة تسمى اليوم المملكة العربية السعودية ، وقد سخَّر الله لحكمها أسرةً كريمة أقامت العدل ، وخدمة الدين ، واستن مؤسسها رحمه الله سنةً خالدة للأمة الإسلامية لايفهم كنهها إلَّا ذوي العقول ،، فلم يجعل العيد الوطني للدولة يوم أسسها في 15 يناير 1902 ، بل جعله بعد ذلك بعقود ، في 23 سبتمبر 1932م ( التاريخ الذي توحدت فيه اغلب أجزاء الجزيرة العربية في دولة واحدة ).. وهذا الفعل يمثل رسالة المؤسس وهي ؛ أنَّ الوحدة العربية والإسلامية أعظم واسمى من الملك .
إنَّ توحيد مئات الإمارات والمشيخات في دولة واحدة يعتبر ضرب من المستحيل ، في السابق والحاضر ، بل يعتبر معجزة إذا علمنا أن العالم قد اتفق على تقسيم المنطقة العربية "سايكس بيكو" ، وكان الكثير من زعماء العرب يشاركون في عملية التقسيم ، باتفاقيات سرية مع الدول الاستعمارية طمعاً في إمارة أو مملكة أو رئاسة .. وانتصر الملك عبدالعزيز بعون الله ثم بإخلاصه لله وللأمَّة ، واستطاع القفز فوق سايكس بيكو ، وهزم الماسونيين الذين تسلطوا على حكم الخلافة العثمانية حينها ، ولم يترك لهم إمارة واحدة ، وحقق التوحيد في زمن التقسيم .
نحتفل اليوم بالعيد الوطني للمملكة ، وهي تتقدم بين دول العالم يوماً بعد يوم ، مطوعةً الحداثة للقيم الإسلامية الثابتة ، والعادات العربية الأصيلة ، معززةً استقرارها ونموها ورفاهية شعبها ، في ظروف قاسية تمرُّ على المنطقة العربية ، وغموض يشوب الوضع الدولي ، وأزمة اقتصادية عالمية .
ولقد وضع الملك المؤسس رحمه الله أساساً متيناً للعلاقات الدولية ، وثبَّت للمملكة مكانةً مهابة ، وللدلالة على ذلك يكفي أن نتذكر مقدار الأسف والندم السوفيتي على قطع العلاقات مع المملكة في 1935 وماصاحبه من غضب في أوساط الشعوب السوفيتية .. وعلى هذا الأساس المتين سار خلفائه من الملوك . فتعاظم تأثير المملكة إقليمياً ودولياً من عهدٍ إلى عهد .. فحققت منزلة رفيعة تستحقها ، ونالت احترام كل دول العالم ، تجلَّى هذا الاحترام في أبسط صورة ؛ باحترام العلم السعودي فلا يُنكَّس في المناسبات الدولية التي تُنكس فيها كل أعلام دول العالم (لأنه يحمل الشهادتين).
وتطبيقاً عملياً من حكام المملكة لسنة الملك المؤسس على أهمية الوحدة بين الأشقاء ، نذكر قصة الخلاف بين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر رحمهما الله ، وكان خلافاً شائكاً والخروج منه معجزة ، وعمَّق اليأس بالمصالحة رفض الرئيس عبدالناصر طلب رئيس السودان المحجوب مرافقته في استقبال الملك ، بعد أن تسبب الأول بتأخير هبوط طائرة الملك .. لكنَّ الرجولة والمروءة تظهر في لحظات اليأس .. فبمجرد لقاء الاثنين ، كسر الملك فيصل التوقعات ، وأراح الرئيس المحجوب من افتتاح اللقاء ،، عندما بادر بالحديث ، موجهاً كلامه للرئيس عبدالناصر قائلا : (ما اصاب مصر اصاب كل مواطن سعودي ، وأنا اضع امكانيات المملكة تحت إمرة جمال عبد الناصر ومصر !!! وتقدم إليه وعانقه).
" العدل أساس الوحدة " لقد قامت المملكة كدولة قوية متماسكة على العدل وسيادة القانون ، فطُبقت أحكام القضاء على الجميع ، وعُوقِب الأمراء ومنهم أبناء الملك المؤسس كما يعاقب المواطن البسيط!!! ولا يوجد في المملكة قبيلة أدنى وقبيلة أرفع ، ولا اختصاص قبيلة بمناصب الدولة وحرمان أُخرى ، فالجميع سواسية يضبطهم القانون وترفعهم الكفاءة .. وبمثل هذا الأداء تُبنى الدول العظمى ، ويستوجب وصف المملكة بأعظم انجاز وحدوي في العصر الحديث .
لقد انفصلت السودان عن مصر في 1956 بسبب أخطاء قيادة عبدالناصر ، وفشلت الوحدة مع سوريا لنفس السبب !! وانقسمت السودان اليوم بسبب ظلم الشماليين للجنوبيين !! والوحدة اليمنية فشلت لنفس السبب ، والعمل جاري لحلها بطريقة تحفظ البلدين من الاقتتال والانهيار ،، في كل هذا تبقى المملكة الدليل العملي على أنَّ العدل أساس بقاء الدول .
في الختام أنقل للقارئ قصتي مع مواطن سعودي قابلته في مطار اسطنبول قبل عدة سنوات ، دار بيننا حديث طويل عن قبائل الجزيرة ، وروى لي قصص معارضة قبيلته للملك عبدالعزيز ، وقبل أن نغادر كلاً إلى وجهته ، سألني ؛ ماذا تعتقد أن أقول لك في حق أجدادي بعد كل ماسمعته ؟؟ قلت : الله اعلم . فقال : لقد أخطأ أجدادي خطأً قاتلاً ، ولولا حلم وكرم آل سعود لم يتعلم أمثالي في أكبر جامعات العالم وتقلدوا أرفع المناصب ،، ولو أنهم عادوا إلى الحياة لندموا على مواقفهم . فماحققه آل سعود لعرب الجزيرة لاتكفي مجلدات لسرده , عنوانها :- لقد صنعوا لنا دولة من العدم ، دولة غنية ، قوية ، يحكمها العدل والمساواة ، ولا نقول إلَّا الله يحفظ آل سعود . انتهى كلامه ، وانتهى الحوار .. ولا أجد ما أقوله في قياداتنا إلَّا حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم ،، ونختم المقال بتهنئة السعودية في يوم عيدها بكلمات صاحبنا (ولانقول إلَّا الله يحفظ آل سعود) .