لافتة :"قلت لوطني : سأكتب من اجلك .. قال لي : ارجوك .. إقرأ من أجلي !!" في وطن رمادي شاحب انهكته صراعات ابناؤه واتعبته الذئاب المتربصة به وملئت جدرانة بالكتابات والقصائد التي لم يعد هو يهتم بها عوضاً عن الكثير من ابناءه بسبب تكرار المرادفات ونفاد الكلمات من مخيلة الكثير من الكتاب الذين صار همهم غزارة الكتابة وعدم الاكتراث بجودة مايكتبون , واعتماد البعض على (النسخ) واللصق . ما احوجنا كم نحن جميعاً بحاجة الى القراءة والتثقف للتخلص من كل بلاء تمر به البلاد وعلى رأس هذه البلايا العنصرية ! إن افول شمس القراءة في أرضنا لم يكن بالصدفة لكنه كان أمراً متعمداً- من قبل بعض الذين لا يريدون بهذا الوطن الا الخراب - استغفل الكثير منا ومر عليهم مرور الكرام.
فمنذ ان تدنى مستوى القراءة لدى الفرد في بلادنا تدنت معه ذائقتة الأدبية وثقافتة وهويته وحتى اخلاقة !! ابتداء بهبوط مستوى تشجيع المدرسة لطلابها وحثهم على القراءة بدلاً من حشو ادمغتهم ( إن حشيت ) بمناهج لا تسمن ولا تغني من جوع وتحطيم اسس الثقافة في نفوس الطلاب مروراً بتلاشي توجيه الاهالي ابناءهم لقراءة الكتب بمختلف انواعها وعدم تشجيعهم للاطلاع على ما بين دفتي هذا الكائن الغريب (الكتاب ) !! انتهاء بقناعة الكثير ممن كانو يلقبون بديدان الكتب أنهم لم يعودوا بحاجة للأطلاع والقراءة بل هم بحاجة الى مصدر دخل للاستعانة به على مصاعب الحياة فالمجتمع الذي يعيشون فيه لا يعترف بالأدب محرراً للنفس من الجهل ومحرراً للوطن من الاستعمارين الداخلي والخارجي!
ولعل القارئ الكريم لا يعلم ان النهضة التي تعيشها اوروبا لم تكن بسبب تطور علوم البيولوجيا , لكنها كانت وليدة نهضة في الفن والادب اطلقها الكثير من الفنانين والادباء والمثقفين امثال شكسبير و كريستوفر مارلو وليوناردو دافينشي ومايكلانجلو و ساندرو بوتيتشيلي وغيرهم . وأتمنى ايضاً ان يعلم القارئ الكريم ان هذا الشعب يعشق القراءة الى حد الهوس وبشكل لا يصدق لكن الظروف السابقة الذكر ابعدته عنها مرغماً. ففي احدى ليالي سبتمبر كنت مرافقاً لمريض في مستشفى الجمهورية وكنت اريد السهر على راحة المريض ولم اجد ما يساعدني على ذلك غير البحث عن كتب ومجلات من اقرب مكتبة .
عدت وانا احمل كيساً من الكتب والمجلات والصحف وافترشت لحافاً صغيراً تحت ضوء المصباح الوحيد المتبقي كي لا أيقض المرضى والنائمين واخذت اقلب صفحات تلك الكتب وبينما انا على تلك الحالة حتى توافد بعض المرضى ومرافقيهم الي يشاركوني ضوء المصباح واوراق تلك الكتب والمجلات .
كم شعرت بالفخر وانا انظر الى اناس تغلبوا على اوجاعهم ومآسيهم وجاءوا ليقرأوا تلك الكتب والمجلات بشغف كبير وكان اعجابي اكثر باحد الاطباء المناوبين الذي قرر ان تكون فترة راحته القصيرة في قراءة لمجلة العربي .
اتمنى ان يأتي اليوم الذي تفتتح فيه المكتبات العامة بعدد يفوق عدد محلات السوبر ماركت .. وان تكون القراءة متاحة للقاصي والداني وعندها سنكون بالفعل قادرين على معالجة كل داء تمر به البلاد بالبصر والبصيرة وبرجاحة العقل لا بنار العصبية الجاهلية