لا أعتقد أن هناك بلداً فقيراً بوسائط المعرفة، والتي أهمها الكتاب كبلادنا...لفترات طويلة ظللت أبحث عن كتب ذات صلة بالحقل الذي أنتمي إليه ككتاب في الأدب العربي الحديث لسلمى الخضراء الجيوسي أو كتاب قضايا الشعر المعاصر لنازك الملائكة أو ديوانها شظايا ورماد الصادر العام 1948 أو العام الذي قبله، والذي ضمنته أهم القضايا النقدية في الشعر الحر أو حتى كتب في الفنون الصحفية دون أن يحالفني حظي العاثر في الحصول على أيٍّ منها في أيٍّ من المحافظات المهمة بما فيها تعز عاصمة العلم والثقافة. بين نظام الحكم السابق ووسائط المعرفة هذه هوة عميقة استعصت على الردم وكانت كافية لدفن كل أحلام العابرين...وذلك نتاج طبيعي للحاكم الذي يكره الكتاب بالقدر نفسه الذي يحب شخصاً كسلطان البركان مثلاُ أو حتى الشجاع” المترندع” عادل وهو الذي لم يفتأ يتحدث عن الثقافة ومشكلة المثقف والوعي بأسلوبه المعهود.. باستثناء السعيد للثقافة والعلوم باتت تعز على سبيل المثال خلوا من أي مؤسسة أو بيت ثقافي تؤسس لثقافة حقيقية وتوفر كتباً ذات قيمة في شتى صنوف المعرفة، تلبي حاجات القراء والدارسين على اختلاف مشاربهم وأذواقهم في ظل حديث مكرور وممجوع في آن عن مدنية المحافظة وصلتها الكبيرة بالثقافة والمعرفة. ألا فليخجل القائمون على الثقافة والمتحدثون باسمها من أنفسهم ومدننا الرئيسة تفتقر لأبسط الكتب العلمية ذات القيمة العالية والتي تتجاوب مع حاجات المهتمين والقراء. إن للعقل حاجة للقراءة والتثقف تشبه الحاجة للطعام والشراب ولا يحس بذلك غير المثقف. ثمة عبارة لدى كثير من المهتمين تخرجنا من أي صلة بالثقافة وأوعيتها تقول: مصر تؤلف ولبنان تطبع والعراق تقرأ ..أي إننا لا نؤلف ولا نطبع ولا نقرأ...هذه الهوة العميقة بيننا والكتاب صنعها النظام السابق الذي راح ينفق ويعطي للمشايخ ما لا يحصى من المال وببذخ شديد، عوضاً عن طباعة كتاب يرتقي بالعقل وينمي الذوق...مفارقة عجيبة تعكس تخلف ذلك النظام والقائمين عليه...وأنى لمثل أولئك أن يهتموا بكتاب أو يعتنوا بمفكر، وأحد منهم لم يقرأ جريدة أو نصف كتاب ..كم كتاباً طبعت مطابعنا في عهدهم الميمون!؟ وكم عالما أو مفكرا اعتنوا به!؟ وحتى نكون أكثر صراحة ووضوحاً وإنصافاً للقوم في مثل هذه الحالة دعونا نسأل السؤال الآتي: ما هي نتاجات الأساتذة في جامعاتنا المختلفة!؟ وأين هي!؟ إن كثيراً منهم يمكث في العمل الأكاديمي لعشرين سنة دون أن يقدم كتاباً أو بحثاً محكماً مع شديد الأسف على أن القليل منهم من يفعل ذلك فيقدم بين الفينة والأخرى كتاباً أو بحثاً محكماً أو ديوان شعر كالناقد والشاعر الكبير د/ عبدالعزيز المقالح أو د/فؤاد البنا أستاذ الفكر الإسلامي بجامعة تعز أو الدكتور الدغشي الكاتب والباحث المتمرس في شئون الجماعات الإسلامية وغيرهم. قد يكون الأساتذة في الجامعات وحتى المهتمون بالكتاب وتأليفه معذورين في ظل حياة الشظف والاهتمام بلقمة العيش وأنى لأستاذ جامعي يجد صعوبة في الحياة، في جانبها المادي تحديداً أن يهتم بتأليف أو ترجمة أو بحث على أن ذلك غير كاف لتبرير أن يظل أحد منهم السنوات الطوال دون أن يقدم شيئاً في المعرفة أو التخصص الذي يدرسه. نسمع عن جوائز باسم مؤسسات وشخصيات تعطى للمبدعين في مجال الثقافة والتأليف وتلك ظاهرة إيجابية، على أن ذلك غير كاف بالمرة إذا لم تضطلع الحكومة بكل مؤسساتها لتشجيع الكتاب وتأليفه ونشره والعناية بالمثقف؛ لأن أمة لا تعتني بالكتاب والمثقف أمة لا تستحق الحياة تلك حقيقة لا يختلف عليها اثنان. ما ترجمته دار الحكمة التي كان يشرف عليها سهل بن هارون في العصر العباسي وألفته من الكتب ربما يفوق ما ألف وترجم في زمننا هذا ليس في اليمن فحسب، بل في الوطن العربي كله، خاصة إذا قارنا ذلك بنسبة الزمن وعدد السكان حتى رفع عبقري الأدب العربي عقيرته بالقول: وخير جليس في الزمان كتاب.. فهل سيلتفت المسئولون عن الثقافة في بلادنا إلى أهمية العناية بالكتاب والمثقف حتى لا نأتي نبحث عن كتاب في مكتباتنا ويأتي الرد الذي عهدناه: لا يوجد.. وحتى لا يصير الكتاب هو الغائب الحاضر!