جارنا أبو رامي رجلا كهل تجاوز السبعين من عمرة عرفته بصلابة جأشه لكن العمل المضني الذي كان قدرة قبل التقاعد أثقل كأهلة و ترك بصماته على قواه المجهدة إلى جانب أمراض الشيخوخة تراه يتحسس الطريق بخطاء بطيئة مترنحة أذا بادرته بالسلام يرد بصوت شاحب يعبر عن مدى معاناته مع المرض والوهن وإذا صمت لا يشعر بك أذا عاتبته يقول لك العتب على النظر هذا الموقف يتكرر مع موعد صرف رواتب المتقاعدين وطريقة محدد نحو بريد المنصورة وبعد جهد جهيد يصل إلى مبنى بريد المنصورة حيث يلتقي بجمع غفير من رفاقه الذين يعانون ما يعانيه مع تفاوت في الحالات . يتجمعون نساء ورجال ممن افنوا شبابهم وقواهم لخدمة هذا الوطن الغالي كلا في مجال عملة لا يخلوا أحدا منهم من مرض ومعاناة أضرار الشيخوخة ويتجمعون أو بالأصح يحشرون داخل ذلك المبنى الضيق الذي يفتقر لأبسط وسائل استقبال البشر لا مقاعد انتظار كافية ولا أجهزة شفط و تجدد التهوية ولا مكيفات تلطف الهواء الحار الذي تمتاز به مدينتنا عدن وبعضهم يفترش الأرض والبعض الأخر يستمر قائما لساعات الفوضى تعم المكان ولهث الأنفس غمت الغرفة اجزم لو أن هناك حالة مرض معدي سيصيب الكل دون استثناء والبعض ممن مصابون بضيق التنفس لا يستطيعون تحمل الوضع ويضطرون للانتظار خارج المبنى عسى أن تخف الزحمة ويتحسن هواء الغرفة .
كل هذا والمعاناة تستمر فالصرف للمعاش لا يتم منذ الساعة الأولى للدوام أحيانا يطول الانتظار لتعزيز البريد بالسيولة النقدية وأحيانا أخرى يطلب من المستفيدين العودة عصرا حيث يفتح البريد أبوابه من الساعة الرابعة عصرا ويبدأ الصرف الرابعة والنصف أو الخامسة ويغلق الساعة السادسة أو السابعة هذا الوقت القصير لا يسمح باستكمال الصرف للكل فيضطر البعض للعودة يوما أخر ومعاناة أخرى والمصيبة الأكبر عند انقطاع التيار الكهربائي أو قلة السيولة النقدية لان القائمين على أدارة شئون البريد غير معنية بوضع الاحتياطات ألازمه لذلك من توفير مولد كهربائي أو توفير سيولة نقدية كافية .
ويحكى أن هناك سماسرة يعرضون على المستفيدين خدماتهم لصرف المرتب لهم دون طابور مقابل ألف ريال على الفرد وهناك حالات تؤكد انه يتم الصرف بهذا الأسلوب بعد الإعلان عن نفاذ السيولة النقدية البعض راودته الشكوك أن السماسرة على اتفاق مع الصرافين حول ذلك أنا اجزم أن هذا السلوك لا يرضي أدارة البريد مع ثقتي بنزاهة البعض بحكم تعاملي معهم لكن هناك من الحراس أو من خارج طاقم البريد من يمارسون هذا العمل المشين وللعلم أن ظاهرة النصب على المتقاعدين انتشرت أمام مباني البريد حيث أصبح اللصوص والنصابين يتصيدون المتقاعدين وتطورت حيلهم في سلب المتقاعد راتبه مجرد خروجه من البريد والحوادث كثيرة في غياب الأمن كل هذه المعاناة تجدها في كل مناطق البريد على مستوى الجمهورية لكنها تتفاقم في المناطق المزدحمة والتي لا يكفيها مبنى بريد واحد فقط بل هي بحاجة لفتح أكثر من مبنى بريد كالمنصورة والشيخ عثمان مع تقديرنا للجهود المبذولة لهذه المؤسسة الحيوية التي تقدم الخدمات للمواطنين كتسديد الفواتير وتحويل الأموال وصرف مرتبات العاملين بالقطاع العام والمؤسسات العامة والمتقاعدين مدنيين وعسكريين والشئون الاجتماعية مع العلم أن هناك تسهيلات قدمتها في السابق للمعاقين والمقعدين وتحديد صرافين متجولون لصرف مرتباتهم إلى المنازل ويشكرون على ذلك .
لكن يبدوا أن المهام الموكلة فوق طاقة وإمكانيات المؤسسة لان مضاعفة المهام يتطلب تطور أدوات العمل ومضاعفة الصرافين وتحسين الأداء وتوسيع المباني لتستوعب حجم المستفيدين وتجهيزها بالوسائل الممكنة من مقاعد ومكيفات لتليق باستقبال البشر وتوفير مولدات كهرباء حتى لا يتوقف العمل وتجديد أساليب العمل ومراعاة المرضى وكبار السن وتحديد نوافذ صرافة مخصصة لهم ونوافذ أخرى للنساء منفصلة عن نوافذ الرجال أو فتح الصراف الآلي الذي قد يسهل كثيرا من مهام المؤسسة ويحد من الازدحام ويخفف من معاناة المستفيدين وأنا لا احمل المؤسسة وحدها المسئولية لكن تتحمل المرفق جزا من هذه المسئولية فالمتقاعدين تتحمل المؤسسة العامة للتأمينات والمعاشات مسئولية تسهيل صرف مرتبات المتقاعدين ولديهم صندوق المعاشات المعني بالمتقاعدين ليوفر سبل الحياة الكريمة لهذه الشريحة المظلومة من ابسط سبل العيش الكريم من رعاية صحية لهم و لأسرهم و نوادي ترفيهية وثقافية ورحلات استجمام بعروض ميسرة وتحسين معاشاتهم لتواكب معاشات ذويهم العاملين في القطاع العام لكن القائم هو الحكم عليهم بالموت المبكر وهم قاعدين .
مع العلم أن هذا الصندوق من اكبر الصناديق في البلد وأمواله لا تستغل لخدمة المتقاعدين بل سلطة الصرف فيه سلطة سياسية ليست بيد أصحابه وممن وضع الصندوق لأجلهم وهوا قادر على بناء مستشفى ضخم للمتقاعدين وتوفير عناية صحية للمتقاعدين والكل يعلم انه سيكون يوما جزا من هذه الشريحة والأصح أن يكون العمال والمتقاعدين منهم هم القائمين على هذا الصندوق وللأسف الاتحاد العام لعمال الجمهورية بعيدا كل البعد عن قضايا ومعاناة العمال والمتقاعدين بل هو أداة من أدوات السلطة بحكم تركيبته القيادية التي فرضت على العمال من قبل الحزب الحاكم للنظام السابق حينها هل يمكن أن نصلح هذا الخلل بانتخابات حرة نزيهة ليؤدي دورة النقابي والحقوقي وتصب جهوده في خدمة العمال والمتقاعدين .