من لا يتحدث عن المستقبل لا يمكن اعتباره ممن يهمهم الحاضر.. وهكذا هو الأمر فيمن يتحدث عن حتمية استعادة الدولة، ولا يقدم آلية معينة لما بعد استعادة الدولة وما هي الطرق التي يمكننا أن نستعيد بها دولتنا بأقل الخسائر. نحن الآن بحاجة لخارطة طريق أكثر من حاجتنا لشعارات نرفعها كل يوم في الساحات.
ليس لديكم وقت لقراءة كل هذا، كما ليس لدى الكثير وقت للتفكير بالمستقبل وتخيل شكله، في حين وصل الشارع الجنوبي طوال الفترة الماضية لتشبع كبير من الشعارات "المزهنقة"، والتصريحات النارية، بل قد مل الكثير من هذه الشعارات التي لا تصنع شيئا.. فالشعارات التي استخدمناها ضد النظام اليمني وضد الشمال، قد تجاوزت المعقول، والكثير ممن يرددون تلك الشعارات يشعرون براحة مؤقتة لكونها تفرغ كما هائلا من الحقد ضد السلطة المتراكم لسنوات وتولد احقادا أكثر، ونجد انفسنا بعد مرور الايام مفلسين، ونشعر كما لو أن مطالبنا في واد والشعارات التي كانا نصرخ بها في واد آخر، بل اننا رددنا شعارات في اوقات كثيرة لم تكن من صلب ارادتنا ولا علاقة لها بهدفنا النبيل، وأقصد هنا تلك الشعارات التي تخرج عن إطار الثورة وهي بالعادة شعارات يمكن اعتبارها "شعارات لا ثورية"، ولكوننا نفتقر لمن يوجه ويرشد تلك الشعارات، تجد الكثير من الشعارات كما لو أنها كتبت في إحدى مقرات نظام صنعاء وهدفها ضرب الثورة وتشويهها أخلاقيا أمام المجتمع. من العيب أن نتحدث عن دولة في صعدة، وعن لا دولة ولا رغبة في استعادة الدولة في الجنوب. الثورة معناها اكبر بكبير من مجرد الخروج بمسيرة، ونحن هنا في الحراك نفتقد لأجزاء كثيرة من الثورة ما زلنا لم نكتشفها، او ان هناك من لا يريدنا ان نكتشفها ونعيشها.. نفتقد للتنظيم والقيادة التي تحقق لنا النتائج والانتصارات، وتقوم بترجمة زخم الشارع الجنوبي المتصاعد يومياً إلى واقع، وإن استمر هذا الخذلان وعدم تقديم جديد لهذا الشارع، فإن أقرب مشروع تطرفي سيلجأ إليه شارعنا وستفقد قيادات الحراك قيمتها ومصداقيتها لدى شرائح واسعة في الجنوب حتى التي تراقب من بعيد.
لقد علقت الهوية الجنوبية والدولة التي حكمت الجنوب إبان الاستقلال من الاستعمار البريطاني في وجدان الشعب، لارتباطها الكبير بحياتهم ولهذا حققت نجاحات كبيرة بغض النظر عن فشلها في بعض السياسات، ولذلك تجد حتى من لا يحب المشاركة في المسيرات والفعاليات - التي ينظمها الحراك - يحمل نفس الهم ويؤمن بذات الحق، ولا يمكنه التنازل عن خيار الحرية, استعادة وطنه، مثله مثل الذي يحضر الساحات يومياً، بيد أن الأول سئم من كثرة الخطابات والمشاكل التي تؤرق مسيرة أي ثورة غير مخططة ولا تحرز أي انتصارات خصوصاً في الوقت الذي يسمح لها بتحقيق تقدم ولا تستغل ذلك.
لم يشعر الفرد في الجنوب بعد أن مطلب استعادة الدولة سيتحقق في فترة زمنية معينة، وأن من يمثل هذا المطلب سيحقق للمواطن الكثير من الطموحات، وإنها ستنقله إلى وضع أفضل بكثير من الوضع الحالي، فتجد الكثير يشعر بقلق حيال المستقبل القادم، في الوقت الذي يعيش الشارع الجنوبي في قطيعة مع من يعول عليهم من قادة الثورة، وهذا يعد فشلا داخليا لم ننتبه له طوال الفترة الماضية، ويؤسفني القول ان هناك عددا كبيرا من المناضلين القدامى شاركوا في أيام الحراك الأولى يجدون انفسهم في حيرة مما يحدث حالياً من تراكمات وتصرفات لا تمثل الثورة، فراغ قيادي كبير نعيشه داخل ثورتنا يجب علينا تلافيه وإلا فإنه سيسبب الكثير من المشاكل. الكثيرون يشعرون بقلق حيال المستقبل القادم، في الوقت الذي يعيش الشارع الجنوبي في قطيعة مع من يعول عليهم من قادة الثورة. من يخبرني عن فرصة أكبر من هذه التي يمر بها الجنوب لفرض السيادة على الخارطة الجنوبية، المركز في صنعاء يعاني من فراغ كبير، ويعيش حالة من الهزيمة، لافتقاده لمؤسسات الدولة، ومع هذا لم نلحظ حتى حركة منظمة أنشأها الحراك أو حتى مجلس من المجالس، كلها لم تقدم أي أنموذج، وكل الحركات تفتقر إلى التنظيم الداخلي، ولا تعرف شيئا عن البناء المؤسسي، وفي الوقت نفسه تجدها تخاطب الشارع عن هلامية استعادة الدولة، شعارات مطاطية، واحلام لا يمكن لها أن تتحقق على أرض الواقع في ظل عمل عشوائي.. فمتى سنرى عملا منظما، فمن العيب ان نتحدث عن دولة في صعدة، وعن لا دولة ولا رغبة في استعادة الدولة في الجنوب!.
سبع سنوات ونيف، لم يتطور الحراك في مراحلة المختلفة التي مر بها، لم يتغلغل في حياة الناس، لم نشاهد حراكا ثقافيا، حراكا سياسيا، لم نشاهد حراكا مجتمعيا، وحقوقيا، وكل ما هو ظاهر الآن باسم الحراك، عبارة عن جهود شخصية ومبادرات ذاتيه تحاول بعض المجموعات تقدميها، ومنها من يفشل والبعض حتى وان نجح فإنه مع مرور الوقت يشعر بالإحباط ويتوقف عن المواصلة.. لقد أصابت الحراك لعنة الفراغ التي جعلت المهاترات والخلافات المستمرة سمة في الحياة اليومية، والسبب هو عدم تطور آلية المواجهة أمام محتل يمتلك كل الوسائل ويستند إلى القوة والمال.
يمكن لنا أن نظل لسنوات نعيش على هذه الحالة، ويمكننا التطور والانتقال إلى مرحلة أخرى عبر البدء بأي مجلس او حركة نعمل على تنظيمها وتوظيفها لخدمة الثورة ويكون لها بناء مؤسسي وعلمي، بمعنى أن يكون في جبهة هذا المجلس أجنحة تقسم عبر طريقة معينة منها تقود العمل الإعلامي مثلا والسياسي، والرياضي، والثقافي، والأمور الأخرى المتعلقة بالجماهير.. وأعتقد أن حاجتنا لمكون يعمل بشكل مؤسسي مهم للغاية فهو من سيؤسس لعمل منظم في المرحلة القادمة وستحاول جميع المكونات أن تكون الافضل، وسيكون هناك تنافس على العمل، بدلا من التنافس على المنصات وعلى التصريحات الرنانة. أصابت الحراك لعنة الفراغ التي جعلت المهاترات والخلافات المستمرة سمة في الحياة اليومية. من لا يهمه أمر الجنوب، ويقف ضد العمل المنظم، يهمه بقاء العشوائية، وبقاؤها لن يقود لشيء وعلى القيادات أن تستفيد من زخم الشارع الجنوبي ودون ذلك سنظل جميعاً شارعا بدون قيادة، ولن نحقق أي نصر، فمن يعول على الشارع ويراهن عليه في صنع الانتصارات واهم إذا لم توجد قيادات تترجم العمل الشعبي إلى واقع، وسنظل خلال السنوات القادمة، نبحث عن قناة أو وكالة أجنبية كي تغطي لنا فعالية مركزية، وربما نفشل، لان العالم لا يعير أي أهمية للحشود المليونية، بقدر ما يهمه من هو المسيطر على الأرض.
من قال لكم إن قطع الشارع الرئيس وإحراق إطار السيارات يخدم الوطن ويكبد المحتل الخسائر، نسيتم أن هناك شوارع خلفية يمرون منها، يمكنكم الآن التأكد أنكم بتلك الأفعال المستمرة تكبدون المواطنين الجنوبيين خسائر فادحة، وتخدمون صنعاء في الكثير من تلك الأعمال، وبصراحة منذ متى كان قطع الشوارع هو عمل الحراك الجنوبي، مازلنا لا نملك القوة العسكرية كي نواجه، او نقدم على مواجهات مسلحة، لنترك الأرض بعدها لمشاريع أقذر ومشاريع متطرفة - لا يمكننا محاسبتها أو تحميلها المسئولية كجهة رسمية - بشكل أكبر من الحكومة اليمنية، فالفراغ الامني الذي يمر به الجنوب اليوم لم يحدث من قبل.
من أخبركم أن العصيان المدني يخدم الحراك بهذه الطريقة التي نشاهدها يومياً، وعلى العكس فمن يناطح من اجل فرض العصيان المدني يهمه تدمير الحراك وتكبيدنا خسائر كبيرة اقلها خسارة الكثير من المتعاطفين معنا، العصيان المدني الذي يمنع الطلاب من الذهاب إلى المدرسة لا يخدم الحراك وأهدافه، حتى وان كانت هناك بيانات تستثني المدارس والمستشفيات، العصيان الذي يقطع شوارع ويفتح أخرى لا يخدم الحراك، لأن العصيان الذي يعم أجزاء معينة ويستثني أجزاء أخرى لا يخدم الحراك لأن هناك ممن يسمون أنفسهم قيادات ميدانية يستلمون ثمن استثناء بعض المناطق من العصيان وهم يعرفون أنفسهم جيداً، العصيان غير المنظم والذي لا يهتم لمصالح الناس ليس عصيانا من أجل الجنوب بل عصيان من أجل صنعاء، وعليكم التفكير بذلك جيداً.
من يحلم أن صنعاء ستعيد له الدولة يسخر من نفسه ومن ينتظر المجتمع الدولي ليأتي ويقدم لنا الدولة فهو يعول على أمر لن يحدث ما يزال الحراك الجنوبي غير قادر على تأمين الجنوب بمساحته الكاملة المتعارف عليها قبل 90، لذلك ستظهر قوى أخرى متطرفة هي من تجني حصاد نضالنا المستمر، فلماذا نستعجل على المواجهة، ولا نعجل على ترتيب أنفسنا وبناء القوة التي ستواجه القوى الأخرى، وحتى وإن طمعت قوة خارجية بالسيطرة على ارضنا، فإن الحراك بقوته المنظمة هو من سيواجه تلك القوة، وإذا فرضنا أننا أسقطنا المعسكرات من سيديرها الآن، ونحن لا نملك البديل بعد، علينا فقط الآن إيجاد البديل وكل الأمور بعدها ستصبح سهلة، فغياب البديل يتيح الفرصة لأي قوى إرهابية للقضاء على كل منجز حققناه، وسنقع مجدداً في مواجهة قوى لم نحسب لها حساب، ولا نملك القوة لمواجهتها، فصنعاء منذ سنوات بذلت جهدا كبيرا في زرع الجماعات الجهادية في الجنوب لتجعل منه أرضا خصبة، وللعلم كل القوى التي زرعت لقتل الجنوب والقضاء عليه ولاؤها ومنشأها شمالي بالأصل حتى لو كانت قد استقطبت عددا كبيرا من أبناء الجنوب.
من يقرأ هذا الأسطر عليه أن يتخلى عن التفكير كرجل مهمته الذهاب للساحة كل يوم من أجل الجنوب، والتفكير الآن كقائد لهذه الثورة وما الذي علينا فعله حيال تحقيق هدف هذه الجماهير التي تصدح باسم الجنوب يومياً دون كلل، الآن وقت التفكير فيما بعد العودة من الساحات، التفكير في كيف سنبني دولتنا الجنوبية قبل استعادتها، فإذا بنينا دولتنا، مسألة الاعتراف بها واستعادتها رسمياً أمر سهل جدا. العقل يقول إن الانفصال غير العلمي لن يبني لنا دولة مثله مثل الوحدة غير العلمية التي رمت بنا إلى الحرب ثم إلى الاحتلال نحتاج لبناء ذاتنا أكثر من حاجتنا لرفع العلم فوق مبنى حكومي يقدمون على إنزاله في اليوم الثاني.. لذلك يجب علينا قبل الاسراع في رفع العلم، علينا أن نملك القوة كي نضمن أن العلم الذي سيرتفع لن يكتب له أن ينزل مرة أخرى، والآن عليكم إخباري كم عدد أعلام الجنوب التي رفعت فوق مراكز حكومية في أول أيام الهبة، وكم بقيت.
العقل يقول إن الانفصال غير العلمي لن يبني لنا دولة، مثله مثل الوحدة غير العلمية التي رمت بنا إلى الحرب ثم إلى الاحتلال، وهذا دليل قاطع على فشل كل المشاريع التي تبنى على العاطفة فقط حتى لو كان كل الشعب يؤيدها، وكي لا يكون الانفصال عاملا للكثير من المشاكل القادمة داخل الجسد الجنوبي، علينا ترتيب الأمر منذ اللحظة، فبدون بناء دولة داخل الدولة اليمنية سنخسر دولتنا الجنوبية التي سنستعيد قبل أن نضع أقدامنا عليها، ومواجهتنا يجب ان تكون أكبر بكثير من القوة التي واجهونا بها وقوى بكثير من تلك الرغبة التي اجتيحت بها الجنوب.
أصبحت الحاجة ملحة لاستعادة دولتنا، والحاجة الماسة الأكثر هي بوضع منهج علمي يوضح - ليس للشعب إنما للقيادات التي ستتولى المهمة - كيف سنستعيد تلك الدولة، وكيف سيتم التعامل مع كل هذه التعقيدات التي زرعت داخلنا طوال ال23 عام عشناها في كنف نظام صنعاء الذي تعامل بأبشع الاساليب هادفاً لعدم قدرتنا على النهوض مجدداً.
المطلوب أن يتبلور وينعكس رفضنا لهذا النظام على مدى تناغمنا وانسجامنا في الطريقة التي نواجهه بها، وكيف سنكون قادرين على اخراجه ورد الهزيمة له مرات عديدة ليس فقط عن طريق الشعارات بل عن طريق الفعل والعمل المنظم، فالقوي هو من يحكم والقوة البشرية والحشود المليونية ليست دليلا على القوة، تنظيم هذه الحشود هي القوة والنصر معاً. ما أن نقتنع بأننا قادرون على بناء دولة داخل الدولة التي بناها الشمال فستجد صنعاء نفسها تحكم خارج حدودها ظل علي صالح يقسم إن الجنوب لن تلتئم جراحه ولن تقوم له قائمة بعد ما تأكد أنه قد اوسعه جراحاً، وقد مزق قيادته، وأيضا علينا أن نقسم على تجاوزنا للغة الماضي ونراهن على جدية وصدق تحقيقنا لهدفنا المتمثل باستعادة وبناء دولتنا القوية وترجمة ذلك على أرض الواقع، حتى لو تطلب ذلك منا وقتا طويلا، فالمهم هو أن نصل للهدف.. وأن تصل متأخرا، خير من أن لا تصل أبدا!.
لو كان الحراك وقياداته يعمل من أجل ما يسعى له الشارع ما شهدنا أناسا يأتون ويحملون مشاريع تنتقص من أحقية شعبنا في الخلاص من الوحدة، بعد تلك المليونيات وآخرها مليونية الضالع، ضعفنا، ليس في الشارع، بل في القيادة التي تخشى الشارع، وهناك من ينفذ مشاريع باسم الشارع تنتقص من الهدف الذي سقط من أجله المئات من الشهداء، بل هناك قوى تسعى لإضعاف الشارع وتمزيقه من الداخل، وخلال السنة الماضية يمكنكم ملاحظة كيف انبرى لنا من لم نكن نتوقعه، ليتحدث باسم الجنوب مع أنه لا يعرف مضمون القضية الجنوبية وحيثياتها وجذورها.
الانتقال إلى مرحلة العمل من أجل الهدف الذي نؤمن به جميعاً ملح للغاية، وعلى سبيل المثال ستجد من يقول إننا في وضع "احتلال" ولا يمكننا سوى تنظيم المسيرات - كيف سنستعيد الدولة وممن ننتظر أن يعيدها لنا بهذه البساطة - وستجد الكثيرين يهولون هذا المحتل، مع ان الحقيقة تقول إنه أضعف احتلال على وجه العالم، ووجد فينا ضعفا أكبر من ضعفه وهو ما سيجعله مستمرا في احتلالنا.
وما أن نقتنع بأننا قادرون على بناء دولة داخل الدولة التي بناها المحتل، فستجد صنعاء نفسها تحكم خارج حدودها، وقتها سيأتي المجتمع الدولي ليتعامل مباشرة معنا وليس عن طريق صنعاء، وعليكم التصديق أن من لا يسعى لبناء دولة جنوبية منذ اللحظة على الأقل ليس جادا في مسألة استعادة الدولة وإنما أخذ من قيادة الحراك مهنة يحقق من خلالها مكاسب شخصية، لكون المقللين من حجم هذه المهمة هم أضعف من أن يكونوا ثوارا حقيقيين، ولهم مصالح من بقاء الوضع كما هو أكثر بكثير من مصالحهم في التخلص من الوضع المفروض على الجنوب.
تصرف الملايين في سبيل تنظيم فعالية صغيرة، ونجد أنفسنا عاجزين عن توفير مبالغ صغيرة لتنظيم أي فعالية ثقافية أو فنية، أو مبالغ لتقديمها لبعض الجرحى، متى ما استفدنا من المبالغ التي يتبرع بها البعض لبناء المؤسسات، وتأهيل الشباب، لمواجهة المستقبل، فأي دولة التي ستأتي ومن سيقودها، اذا كان جيلنا، حصل على شهادته الثانوية والجامعية بمساعدة الغش، بالإضافة إلى اننا يجب ان نهتم باستغلال الاموال التي يجمها المغتربون لبناء الذات وبناء مؤسسات حقيقية. مهم جدا ان نفرق بين رجال الثورة ورجال الدولة، وما افرز الحراك طيلة السنوات الماضية، هم رجال ثورة ومناضلون، وهناك مناضلون اعتقدوا انهم أنجزوا مكاسب للشارع الجنوبي، والحقيقة اذا كانت مكاسب فهي مكاسب شخصية لا أكثر، ومن هذه العينة كثيرون وجدوا أنفسهم يناضلون انطلاقا من مشاريع تمليها عليهم صنعاء.
من يقود الناس ولا يستطيع تغيير واقعهم للأفضل عليه التنحي جانباً والاعتراف بالفشل وهذا ليس عيبا، فمن لا يملك القدرة على تغيير واقعه، لا يملك حتى الأمنية في تغيير واقع شعبه، وهناك عينات من هذا القبيل فشلت في تغيير واقعها المحيط بها، ومع هذا تحاول بشكل مستميت ان تكون صاحبة قرار في تحديد مصير هذا الشعب.
دائماً ما تسمعون أن هناك قضية ناجحة ومحامين فاشلين وهنا علينا فقط تغيير المحامين وليس القضية حتى لو كان ذلك تغييرا مؤقتا ومشروطا.. نعرف ان هناك مناضلين نفخر بهم حقيقة، ونسمعهم يتحدثون عن الديمقراطية والمستقبل الأفضل، ولكنهم منذ ان تولوا قيادة الحراك لا يريدون حتى التخلي عن مناصبهم، بل إن بعضهم لا يهمهم البحث عن بديل أفضل، أو يسعى لتأهيل قادة جدد وتشجيع الشباب، والبعض لا يكتفى بذلك فحسب، يلهي نفسه في مناكفات جانبية لتكون شغله الشاغل يومياً، وينسى أن الشعب ائتمنه على المستقبل.
هناك شعب يلهث وراء الوطن وقيادات تلهث وراء تلميع انفسها، ونحن نعرف ذلك جيداً، وعلى من يتحدث عن هذا الأنموذج سرعة إيجاد بديل أفضل، وعلى الشارع أن يكف عن تلميع وتقديس أي قيادة حتى لو كان من الهيئة الشرعية ، فنحن لا نريد أن نقع بنفس التقديس الديني لرجال الدين كما يحصل لدى الشماليين، فمثلاً الزنداني رجل دين تقدسه شريحة واسعة من أبناء الشمال لكونه يحتمي بصفة رجل الدين، ويتغاضون عن مساوئه، فالمهم لديهم أنه رجل دين ولحمه مسموم، حتى لو تسبب في مقتل الكثير فإن لحمهم مقارنة ب(اللحم المسموم) يظل بلا قيمة.
الدولة التي فقدناها هي عبارة عن مساحة من الأرض وقوانين تحكم بها هذه المنظومة، ومؤسسات: مؤسسة عسكرية، ومؤسسات اقتصادية، وتعليمية، وفنية، وصحية، ورياضية وغيرها، لنفترض أن الحراك استطاع أن يؤسس لجيش، واستطاع أيضاً أن يشكل نقابات كما حدث فيما سبق شريطة أن يفعلها، ويقدم على تفعيل جميع المؤسسات وليس شرطة دفعة واحدة، فمن يحلم أن صنعاء ستعيد له الدولة، يسخر من نفسه، ومن ينتظر المجتمع الدولي ليأتي ويقدم لنا الدولة فهو يعول على شيء لن يحدث، متى ما وجد الحراك - باعتباره الحامل لمشروع استعادة الدولة - نفسه مستعدا لخوض مرحلة استعادة الدولة عملياً فستتغير المعادلة، فنحن من يجب أن نتقدم لبناء الدولة وليس الاكتفاء بالمطالبة، لا ننتظر من أحد أن يعيد لنا كل ما فقدناه لأن ذلك مستحيل، وسنظل عشرات السنين في الساحات ولن يتحقق لنا شيء. New layer...