على غير عاداتها كان لأمريكا دور فعال في قيام الوحدة اليمنية ، وعلى غير عاداتها كان لأمريكا دور فعال في تأييد شمال اليمن في حربه على جنوباليمن في عام 1994م لفرض الوحدة بالقوة ، وعلى غير عاداتها كان لأمريكا دور فعال في الحفاظ على الوحدة اليمنية حتى أنه كان لا يخلوا حديث لها عن اليمن إلاً وأكدت فيه على تأييدها وحرصها على الوحدة اليمنية.. حتى حلفاء أمريكا كانوا دائماً ما يحرصون على الوحدة اليمنية ، بريطانيا تحرص وفرنسا تحرص وألمانيا تحرص والشرق يحرص والغرب يحرص والكل يتغزل بالوحدة اليمنية والكل يتغنى بها والكل محب للوحدة اليمنية والكلعاشق وولهان. كل ذلك كان على غير عاداتها ، فمن عادات امريكا أنها تعشق تقسيم الشعوب وتمزيقها ولو بالقوة ، ودورها الدموي في فيتنامالجنوبية وكوريا الجنوبية وجنوب السودان وتيمور الشرقية لا يزال يشهد على ذلك ، وأما وحدة اليمن الشمالي واليمنالجنوبي فكانت استثناء لا شك أن لها أسبابها ودواعيها.
من أبرز تلك الدواعي والأسباب أن النظام السياسي في اليمنالجنوبي آنذاك كان نظام مشاكس وأرعن ، إضافة إلى كونه منمنظومة الاتحاد السوفيتي الاشتراكية المزروعة في منطقة استراتيجية وهامة من العالم.. فكان لا بد من القضاء عليه والخلاص منه ولم يكن هناك أفضل من سحقه وإذابته في الوحدة اليمنية التي كان هو نفسه ينشدها ليل نهار ، وما ألطف أن يُغتال المرء بسلاحه ، وهكذا تم لهم الخلاص من دولة اليمنالجنوبي الاشتراكية ورموهاغنيمة في شراك ثعالب اليمن الشمالي .
كان ذلك في عام 1991م وما فرضته المتغيرات الدولية آنذاك ، أما اليوم وما تفرضه المصالح الدولية والإقليمية فقد أنتهى دور الوحدة اليمنية في إنجاز مهمتها في سحق دولة اليمنالجنوبي ومسحها من الخارطة السياسية بنجاح وبالتالي انتهت مهمة الوحدة ودورها وعلى ثعالب الشمالأن تذهب بعيداً وهي نفسها مقسمة وممزقة جزاء لها على لؤمها كجزاء سنمار.
أما اليوم فإن المصالح الدولية والإقليمية لم تعد حريصة على الوحدة اليمنية وهي بدون شك لم يعد لديها مانع في انفصال الجنوب عن الشمال ولكن ليس انفصال دولة حتى لا تعود في الجنوب دولتها السابقة وإنما يمكن ان يكون انفصال الجنوب في إطار حيلة من حيل الفيدرالية مقسماً وممزقاً إلى ما يسمونها أقاليم وولايات ودويلات صغيرة متناثرة حتى يسهل ابتلاعها وهضمها وهذه المرة غنيمة للذئاب الدولية والإقليمية وليس للثعالب الشمالية.
هذه الدراما السياسية ليست نهاية المطاف فالشعوب لا تموت والحرية تضل أنشودة الشعوب التي تنبض بالحياة وبالأمل ومثلها شعب الجنوب .. والمؤسف أن شعب الجنوب سيضل عاجز عن استعادةحريته إذا غابت عنه القيادة الواعية ذات الصفاتالعالية، القيادة الشجاعة الجريئة الجسورة ، القيادة التي تنكر الذات وتترفع عن الزعامات ، القيادة التي تتسامح وتتقبل الرأي الأخر ، القيادة القادرة على التنظيم والتوجيه السياسي والميداني ، القيادة القادرة على قراءة الأحداث واستيعاب المستجدات والمتغيرات والتعامل معها بحنكة وتطويعها لتحقيق أهداف الثورة ، القيادة التي تمتاز ببُعد نظر وتشكيل المستقبل .
القيادة التي ترقى بنضال شعبها من شغب صبيان في قطع الشوارع ورمي الحجارة وحرق الإطارات إلى بناء مجتمع متماسك وواعي لقضيته في كل مفاصل المجتمع الجنوبي من طلبة وشباب ومرأة وعمال وفلاحين ومثقفين وحتى استيعاب وتطويع الجهاز القضائي والجهاز الإداري والشرطة المدنية والتربية والتعليم والإيراداتالمالية في الجنوب لفرض واقع جديد يتمشى مع أهداف الثورة أو كما عملها الحوثيونفي صعدة بناء دولة داخل دولة.
هذه القيادة حتى الآن منعدمة .. وإلى أن تأتي فإن على شعب الجنوب أن يختار بين أن يأكلها ذئب أو أن يأكلها ثعلب.