الغريب والعجيب في هذا البلد إن الوحدويين يسعون لأقلمة البلد وتجزئته تحت شعار ما يسمى (بالدولة الاتحادية ) وغير الوحدويين الانفصاليون يسعون إلى التخوف من الأقلمة والتجزئة ...الوحدويون يرون الحل لمشاكل البلد غير الموحد بإعطاء المزيد من التفكك وتسهيل التجزئة حتى يكف الانفصاليون عن المطالبة بالانفصال وهم ايضاً يرون إن الحفاظ على الوحدة أو قل البقاء على نهج عدم التوحد هو قيام الدولة الاتحادية .
أيها الوحدويون لم يشهد العالم يوما إقامة دولة اتحادية من تجزئة بلد موحد ولم يشهد العالم يوما إقامة دولة اتحادية بإصطناع الأقاليم غير الموحدة من أقاليم موحدة فالدولة الاتحادية دائما تقوم على أنقاض دول مستقلة او كيانات مستقلة تتفق فيما بينها اختيارا لا إجباراً على إقامة الدولة الاتحادية الجديدة وهي كما اتفقت اختيارا تستطيع أن تنفك عن بعضها اختياراً أيضاً.
والسؤال هو هل الدولة الاتحادية اليمنية قامت من هذه الكيانات أو الدول أو الأقاليم اختياراً ؟ الجواب لا، طبعا ً. لان الدولة الجديدة الاتحادية التي يراد بناءها هي في الأساس دولة واحدة نعم كانت هذه الدولة الواحدة قبل ما يزيد عن عشرين عاما عبارة عن دولتين مستقلتين إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب ثم توحدتا باختيارهما وصارتا دولة واحد لم تستطع البقاء على وحدتها الاختيارية أكثر من عامين, ثم عصفت بها وحدتها المشاكل وحنت الدولتان إلى ماضيها قبل الوحدة ولم تنجحا في حل مشاكلهما حتى بغت احدهما على الأخرى. وغلبت الدولة كثيرة العدد أختها الأخرى قليلة العدد ولم تجد الدولة الباغية من يقاتلها حتى تفيء إلى أمر الله. بل وجدت من ينصرها ظالمة لا بحجزها عن الظلم بل بعونها علية وإسنادها بظلم مثله وغلبت الكثرة القلة ثم غلب الأمراء والزعماء الكثرة والقلة جميعا, ولما أن الله تعالى لا يقر أحداً على ظلم فلم تستقر الأمور لهؤلاء وهيأ الله أسباب زوالهم ولكنهم يعاندون ويكابرون ويتعالون على خلق الله فيدعون أنهم حماة الوحدة وحماة للتاريخ وحماة للإسلام فوجدوا لحماية الوحدة حلاً بتقسيم البلد إلى أقاليم ولحماية التاريخ حلاً بإستلهام الأقاليم منه ولحماية الإسلام حلا باعتبار الوحدة فريضة إسلامية وتحقيقها يتم بالأقاليم.
يا هؤلاء ليست الأقاليم إلا التجزئة وليست الدولة الاتحادية إلا مكون من عدة دول تتحد وتنفك باختيارها وانتم إذا أردتموها دولة اتحادية حقاً فلتكن بين الدولتين السابقتين من إقليمين وعلى هذا تحاوروا وعلى هذا اتفقوا أو اختلفوا فان اتفقتم فيها ونعمت، وإن اختلفتم فلتعود الأوضاع إلى سابق عهدها وكفى الله المؤمنين شر القتال ...
صارت الثورة جملاً
قال احد الكتاب مرة إن الثورة هي أنثى الثور وإن تؤنث الثورة فليس هذا عيبا فيها فتاء التأنيث حرف أصيل فيها ولكن العيب أن تصير ذكراً يركب عليه من يشاء فقد صارت الثورة جملاً ركب عليه منذ قامت ناس كثيرون كلهم يريد أن يسير بالجمل والثورة نحوا التغيير الشامل فتارةً يركبه صانعوا المبادرة الخليجية وأطرافها وتارةً يركبه أطراف لعبة الحوار والمتحاورون وتارةً تركبه حكومة الوفاق التي شكلت بلا استحقاق وأكلت الرفاق وأشاعت النفاق. وحتى الرئيس نفسه يركب الثورة أحياناً ويخاطب الشباب ويقول لهم أيها الشباب لولاكم لما صلحت البلاد وطهرت من الفساد وهكذا كثيرون ركبوا هذا الجمل بأسباب ومسميات مختلفة بما فيها مسمى الوحدة والدولة المدنية ولا يزال كثيرون آخرون يحاولون الركوب ويلتمسون له الأسباب والأعذار .
أما الشباب الثائرون فمنهم شهيد ومنهم معاق ومنهم معتقل, ومنهم لازالوا يهتفون للثورة وللشعارات التي يضعها لهم الراكبون على الجمل فتارةً يهتفون لاسترداد الأموال المنهوبة ويسمون لها جمعة، وتارةً يهتفون لإستمرار الثورة وعدم العودة للماضي ويسمون لها جمعة أخرى، وتتوالى الهتافات والشعارات والجمع ولا نرى جديداً يظهر ولا شعاراً يتحقق فالأموال سلبت ولا يظهر أمل لاستردادها والأراضي والثروة في الجنوب فيها نهبت ولا يزال الاستيلاء عليها قائماً والماضي رابض فينا ويقودنا إلى مستقبل مظلم.. ولكن الجنوبيون ثائرون وإن لم يعدوهم ثائرون على الرغم من الاعتراف بعدالة قضيتهم, وعلى الرغم من رفع شعارات الحل بإسمهم فالأقاليم حلاً لمشكلتهم ولجان لرفع المظالم عنهم قد شكلت وتتشكل بإسمهم ولكنهم لا يتفقون بشي من كل هذا فهم قد شبعوا كذباً وجربوا حلولاً ووعودا كثيرة, فما صدقوا في وعود وليس بإمكانهم إن يصدقوا, فكم من حلول ووعود بقيت حبرا على ورق ولم يبدأوا فيها. وان بدأوا فيها لن يكملوها ولن يسيروا بها حتى إلى ربع الطريق فلا ثقة لديهم في شي. وأي ثقة يمكن بناءها على مثل هكذا وعود.
الثائرون في الشمال كالحكومة لا يعنيهم من أمر الجنوب شيء, لأن الراكبين على جمل التغيير(الثورة) يركبون كما يشاءون, وينزلون كما يشاءون ولا أظن بقاء الجمل ماشيا نحو التغيير بل لعلة التدمير. وعندما نصل إلى هكذا نتيجة فأننا بدلاً أن نردد مع الأخت توكل كرمان ( هذا شعب لا يقهر ) سنردد بصوت انثوي حالم (هذا شعب مستغفل).