بداية التغيير في دول الخليج جاءت من الأعلى إلى الأسفل، ومن الحاكم لمصلحة الفرد والمجتمع، بعكس ما حصل في دول الربيع العربي. إجماع دول الخليج على محاربة الإرهاب بداية لتقوية مفهوم وسلطة الدولة واستعادة هيبتها التي كادت تختطفها فئات متنطعة ومثبطة في المجتمع بحجج دينية واجتماعية. لو تدبرنا حال دول الربيع العربي التي ضربها الإرهاب لتمكنا من رصد ثلاثة عوامل مشتركة: ضعف مفهوم الدولة، هيمنة الخطاب الديني والطائفي، تقليدية النظم والبنية الاجتماعية. هذه العوامل أدت إلى تشتيت وإضعاف الولاء للدولة وتعطل التنمية وتنامي التطرف. ولذا بات على حكام الخليج العمل في شكل عاجل على محاور عدة غير منفصلة: أولاً: تصحيح العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع ووضع الدين في مساره الصحيح. ثانياً: تقوية الدولة ومنحها جرعات من المضادات الحيوية لتحصين مناعتها وصمودها أمام المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. ثالثاً: تفعيل مشاركة المجتمع ومؤسساته وإشغاله بالتنمية الحقيقية، ليواكب التطور الذي يعيشه المجتمع الدولي. ولذلك نطرح المقترحات الآتية: أولاً: صياغة دستور جديد وعصري يحدد الهُوية ويبين الحقوق والواجبات، ويؤكد المساواة ويحترم جميع الأديان والملل والمذاهب وحرية المعتقد وممارسة الشعائر وتجريم التعرض لها أو لرموزها أو أتباعها. ثانياً: تحويل المؤسسات الدينية الحكومية إلى مؤسسات مجتمع مدني تحت مظلة الدولة، وهو ما يعني فصل تلك المؤسسات عن الحكومة - السلطة التنفيذية - التي تملك حق الإكراه والقوة الجبرية، لتعارُض ذلك مع نص التنزيل الحكيم «لا إكراه في الدين». ثالثاً: تعريف وتوضيح مصالح الدولة الاستراتيجية والحيوية والحساسة والهامشية، لتحديد ماهية العدو ورسم السياسة الخارجية وخريطة التحالفات. رابعاً: إنشاء مجلس أعلى للدولة يترأسه الحاكم ويُعنى بالمصالح العليا High Politics، مثل الحرب والسلم وإقرار الموازنة العامة ويضم الوزارات السيادية. خامسا: إنشاء مجلس وزراء يترأسه أحد المواطنين من ذوي الكفاءة يعينه المجلس الأعلى للدولة ويُعنى بالمصالح الإدارية للتنميةLow Politics، ويضم الوزارات الخدمية للمواطنين. سادساً: إعادة هيكلة الحكومة المركزية لتقتصر على التخطيط والتنسيق والمتابعة فقط ونقل الموازنة وإقامة المشاريع ومراقبتها والصلاحيات المصاحبة إلى المناطق الإدارية. سابعاً: تفعيل نظام انتخابات المجالس النيابية أو اعتماد نظام الغرفتين، بإضافة مجلس جديد باسم الشعب أو الشورى أو الأمة يتم انتخاب أعضائه ممثلين عن فئات المجتمع كافة، مع تفعيل انتخاب المجالس المحلية في المدن والأحياء. ثامناً: احترام حقوق وحريات المواطنين والوافدين والزائرين والمقيمين، وتفعيل الحوار بين سائر أطياف المجتمع وتأكيد مبدأ المساواة في التعيين والاختيار على أساس الكفاءة. تاسعاً: التركيز على الفئات المهمشة، مثل المرأة والشباب والأقليات الطائفية وكبار السن والأطفال وذوي الإعاقة. عاشراً: زيادة وتفعيل القوانين الخاصة بالمراقبة والمحاسبة وزيادة الشفافية. أخيراً، دول الخليج أمام مفترق طرق في أن تكون أو لا تكون، ونحذّر من التأخير أو المداهنة لأي من تلك الفئات والجماعات المتنطعة والمثبطة التي ستنشط في استخدام عاملي التخويف والتخوين، لتحصين مكانتهم بحجج دينية، متناسين أننا «أعلم بشؤون دنيانا». كما أن الفرصة لا تزال مهيأة في شكل جيد لما يتمتع به حكام الخليج في عنصرين: شرعية الحكم والولاء من المحكوم. ولكن لا ننسى أن تناقص الثقة في الوزارات الحكومية المعنية بالتنمية بسبب الفساد والتعثر في البطالة والعمل والإسكان والصحة والتعليم والخدمات البلدية والشؤون الاجتماعية، يضاف إليه اضطراب المجتمع، خصوصاً الأجيال الشابة، نتيجة خطاب ديني تغلغل في حياتهم اليومية، قد يشكلان بيئة خصبة لفئات المتنطعين والمثبطين الذين لن يتورعوا في استغلالها لإضعاف الدولة وتحقيق مآربهم الخاصة بحجج دينية واجتماعية. ختاماً: الحرب على الإرهاب التي أعلنتها دول الخليج طويلة وشاقة ومضنية، وسيكون لها اهتزازات ارتدادية تتعاظم بعد السيطرة على التطرف والعنف في دول الربيع العربي، وعودة الجهاديين إلى بيئة تحتضن الفكر المتطرف الذي لم يختفِ منه سوى الأصابع الأربع. ولذا فإن تطبيق النقاط أعلاه سيمكن دول الخليج من المزاوجة بين السياسة الخارجية والأمن الداخلي واستمرار التنمية، في ظل عالم محلي وإقليمي ودولي مرتبك ومضطرب وغير مأمون.