غادر مئات من المقاتلين الأجانب صفوف الثوار في شمال سورية بسبب إحباطهم المتزايد من اقتتال داخلي دموي، وهو اتجاه يوحي بتراجع الحماس بين المسلحين الإسلاميين المتشددين من السنّة، ويرفع من مستويات القلق بين المسؤولين الأمنيين الغربيين من احتمال توجه هؤلاء المقاتلين إلى أماكن أخرى. ويقول ثوار ونشطاء إن تدفق المقاتلين الأجانب إلى الخارج لا يزال قليلاً، لكن ربما يوضح هذا زوال وهم يبدو أن كثيرين بدأوا يشعرون به بسبب قضائهم وقتاً في قتال بعضهم بعضا أكثر من الوقت الذي يقضونه في قتال نظام الرئيس بشار الأسد. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مجموعة مؤيدة للمعارضة، تسبب الاقتتال الداخلي بين الثوار في كل أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في شمال وشرق سورية، في مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة. وقال رامي عبد الرحمن، مدير المرصد: "ساد شعور بين الثوار بأنهم جاؤوا لقتال نظام قمعي، وليس لقتال الثوار. وعدد هؤلاء ليس كبيراً جداً، لكن هذا مهم جداً لأنه يبين مستوى التذمر والاستياء بين المقاتلين الأجانب مما يحدث". وأضاف: "يتساءل هؤلاء المقاتلون: ما هذه القضية التي سأموت من أجلها؟". بدأ الصراع في سورية قبل ثلاث سنوات على شكل انتفاضة ضد حكم بشار الأسد، لكنه تحول إلى حرب أهلية بعد قمع وحشي من جانب قوات الأمن. وجذب البعد الطائفي للصراع مقاتلين أجانب لكلا الجانبين. واستقبلت المعارضة التي يتكون معظمها من الأغلبية السنية في سورية، مقاتلين سنّة من حول العالم، كثير منهم قاتلوا القوات الأمريكية في أفغانستان أو العراق. وساعد هؤلاء المقاتلون الثوار المحليين في السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي على طول الحدود السورية الشمالية والشرقية في عام 2012. ويقول نشطاء وثوار إن من بين من غادروا سورية إلى بلادهم مقاتلين سعوديين، وكويتيين، وليبيين، وتونسيين، ويمنيين، وأوروبيين، وإن قليلين منهم توجهوا إلى ساحات معارك أخرى. وقال منسق في جبهة النصرة، المجموعة السورية المرتبطة بتنظيم القاعدة: "عاد منذ الأسبوع الثاني من كانون الثاني (يناير) مئات إن لم يكن آلاف إلى بلدانهم الأصلية". وتعتقد مصادر المخابرات الغربية والإسرائيلية أن بإمكان المقاتلين السنّة الذين تمرسوا على القتال في سورية التوجه للجهاد في دول أخرى، حيث تعمل مجموعات إسلامية متطرفة، مثل العراق، أو اليمن، أو شبه جزيرة سيناء المصرية التي لها حدود مع إسرائيل. وقال أحد المسؤولين الكبار في المخابرات الإسرائيلية: "يوجد بالفعل مؤثرات (في سيناء) جاءت من سورية، ومن الواضح أننا قلقون من مجيء المزيد منهم للانضمام إلى هذه المجموعات، وإدخال أنفسهم في الوضع، نريد أن نمنع هذا من أن يصبح أكثر سوءاً". ويوجد ما يقدر ب 11 مقاتلا أجنبيا في سورية، ويقول محللون في أجهزة استخبارات أوروبية إن أعداد المقاتلين المغادرين قليلة، ولا يزال مقاتلون آخرون يأتون. والأعداد الباقية في سورية تبقى خطراً ليس فقط على الدول الغربية التي تخشى من احتمال استخدام العائدين منهم لمهاراتهم في شن هجمات داخل بلادهم، وإنما أيضاً على دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية التي جاءت منها أعداد كبيرة منهم وانضمت للقتال في سورية. وفي هذا الشهر أعطت الرياض مواطنيها الذين يقاتلون بالخارج مهلة أسبوعين للعودة إلى بلادهم، أو مواجهة عقوبات غير محددة بحقهم. وبدأ الاقتتال في كانون الثاني (يناير) الماضي، عندما شن تحالف مكون من ثوار معتدلين ووحدات إسلامية حملة ضد دولة الإسلام في بلاد العراق والشام "داعش" للسيطرة على معابر حدودية وحقول غنية بالنفط. وعمَّ الغضب أيضاً مقاتلين من غير "داعش" بسبب استيلاء المجموعة على أراضي الثوار وتركيزها على بناء دولة إسلامية بين الحدود الشرقية لسورية والعراق، وليس قتال بشار الأسد. وتركز "داعش" الآن جهودها على معاقلها القوية في منطقة الرقة الواقعة شمال شرقي سورية، ثم التحرك أبعد إلى الشرق نحو منطقة دير الزور، ما يسمح لها بتحدي سيطرة ثوار آخرين على حقول النفط ووصل أراضيها مع العراق المجاور. وقال مصدر قريب من "داعش"، طلب عدم ذكر اسمه، إن أغلب من اصطفوا مع المجموعة "وانسحبوا" من سورية توجهوا بدلاً من ذلك إلى العراق. وبحسب مسؤول أمني غربي، لاحظ مسؤولون عراقيون تزايد الأعداد، وأصبحت "داعش" والقوات العراقية تتقاتلان الآن في المناطق ذات الأغلبية السنية من البلاد. ويتزايد الشعور بخيبة الأمل بين جميع الثوار، كما قال مقاتل سوري من كتائب صقور الشام في الشمال. وأضاف: "تم تصوير الجهاد السوري بصورة رومانسية مبالغ فيها حين بدأت الثورة. وربما أخذ الأجانب يدركون الآن أن الأمر ليس رائعاً كما كانوا يتصورون".