أثبت سلوك صنعاء حتى الآن انها لا تريد وحدة عادلة لا يتسلط فيها طرف على طرف، ووضع اسس تمنع هذا التسلط. لا تريد صنعاء الا الهيمنة العسكرية على الجنوب لاستنزاف ثرواته. وعدم اعتراف صنعاء على الاقل بان المشكلة هي مشكلة الوحدة، دليل واضح ان صنعاء ليس لديها اي نية في وحدة صحيحة وحقيقية. ان صنعاء تتهرب بكافة السبل والوسائل من هذا الاستحقاق التاريخي في حده الادنى. وليس امام الشعب الجنوبي الا النضال لنيل استقلاله الناجز في ظل هذا التعنت الاستعماري الرافض للحديث عن الوحدة واعادة التفاوض بشأنها بين طرفيها الاصليين. ان فكرة الوحدة الصحيحة، هنا، في تجربة الوحدة بين الدولتين العربيتين، تقتضي الاعتراف بانها وحدة بين كيانين سياسيين لهما ارادة حرة ونبذ بروباجندا الوحدة التي تبناها نظام الحزب الواحد الشمولي الذي حكم الجنوب، وكذلك نبذ فكرة الاصل والفرع لدى النظام القبلي العنصري الذي حكم العربية اليمنية وما يزال وعمم حكمه الاستعماري على الجنوب. وبالتالي يجب ان تقوم الوحدة على اسس وشروط تراعي الواقع بين الطرفين، والتكافؤ من عدمه، وتؤخذ في الاعتبار ما جرى ويجري وضمان عدم تكراره. وقبل كل هذا الايمان بالوحدة حقيقية وهو الاساس الجوهري الذي تفتقده صنعاء، والا لما اعتمدت شعار الوحدة او الموت سلوكا، بغض النظر فيما اذا تم التصريح به ام لا. واهم هذه الاسس، التي يجب ان تسبق كل التفاصيل الاخرى في اتفاقية جديدة للوحدة، هي: (1) الفدرالية الثنائية. (2) الطوعية (3) المناصفة في الجيش والبرلمان. عدم اخذ الاساس الاخير بعين الاعتبار سيؤدي الى الغاء الجنوب كطرف في الوحدة، لعدم وجود تكافؤ. وبدونه لا مصلحة للجنوب اطلاقا في الوحدة. كما ان هذا الاساس هو في صالح الشعب في "الشمال"، وهو يعني بناء جيش دولة الوحدة، وليس هيكلة الجيش العائلي القبلي التابع للشمال والمستعمر للجنوب. وسيكون جيشا محايدا. وبالتالي هذا الشرط يعطي الفرصة لبناء دولة مدنية في الشمال التي تكاد تكون مستحيلة. ان تحجج صنعاء وقواها بان هذه الاسس مقدمة لانفصال، بعد ان اعدموا الوحدة، لا يعني الا عدم وجود نية في اعطاء الوحدة الصحيحة اية فرصة، والهرب من الوحدة الصحيحة والحقيقية الى الاستعمار، ومحاولة رمي الكرة من ملعبها الى ملعب الجنوب، وجعل المجني عليه هو المسؤول على الحفاظ على هذه الوحدة اللعينة (الاستعمار)، اي معاقبته، واتخاذ من رفض الشعب الجنوبي للاستعمار ذريعة لبقاء الاستعمار والهيمنة. إن صنعاء -ضمنيا- تتبع المعادلة التالية: الهيمنة الشمالية تضمن الوحدة، وعدم الهيمنة والسيطرة يعني الانفصال. وفي ظل هذه المعادلة الاستعمارية، ليس امام الشعب الجنوب الا ان يلعن الوحدة بمفهوم استعماري، وليس امامه الا ان يقول تبا لكم ولوحدتكم سائر الدهر. لانها معادلة تعكس حقيقة الاستعمار والحفاظ عليه لا الحفاظ على الوحدة. ان الجنوبيين في السلطة في صنعاء (الذين احتوتهم صنعاء مستغلة الانقسامات الماضية التي اصبحت في ذمة التاريخ اليوم) وكذلك الحزب الاشتراكي اليمني ان كان فعلا يتبنى مشروعا وحدويا صحيحا قائما على اسس صحيحة (لا مشروع الايدلوجية البالية التي الغت الشعب وارادته)، وكذلك كل القوى والشخصيات المنصفة في"الشمال"، عليهم جميعا الدفع بهذا الاتجاه نحو وحدة صحيحة تضمن عدم الغلبة. فليس هناك من نقطة وسط، تعيد الثقة للشعب الجنوبي في الوحدة، وتجعله يشعر بالامان بعد كل هذا الغدر والكوراث، وتُشعره بالعدل والانصاف وسيادتة المفقوده على ارضه ومستقبله، ضمن سيادة دولة الوحدة التي تمثل الجميع، سوى وحدة بهذا المفهوم الصحيح، وعلى الاسس الصحيحة. وإلا عليهم دعم استقلال الجنوب، او على الاقل عدم الاعتراض عليه.