في الوقت الذي أعلنت فيه حكومة اليمن قبل مدة قصيرة، أن «حربها مفتوحة في اليمن»، فإن المؤتمر المزمع عقده في لندن نهاية شهر يناير الحالي، سيكون مفتوحا من حيث حضور الإعلام العالمي لتغطية حواراته وقراراته وتوصياته بقبض أموال يتعهد بها المانحون كما حدث قبل ثلاث سنوات، لكن جوانب أساسية أخرى، كالحرب على الإرهاب والحرب على المتمردين الحوثيين في الشمال، ستكون سرية ومغلقة بالتأكيد، إذ يختلف الملفان عن بقية الملفات. فالمؤتمر سيناقش خمسة ملفات يمنية أساسية: ملف الإرهاب وعلاقته بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، حيث يشكل هذا الملف في الوقت الراهن عصب الموضوع الإقليمي الجديد للقاعدة، بعد مرتكزها في أفغانستان وضعفها في العراق ونقل جانب من عملياتها إلى اليمن، وربطه بجغرافيا جديدة هي المملكة العربية السعودية، وبذلك تتحد ساحة العمل العسكري للقاعدة بأرضين متجاورتين وبقيادة جديدة. وزاد من حدة هذا الملف اكتشاف الطالب النيجيري عبد المطلب فاروق، الذي حاول تفجير طائرة أميركية مغادرة من مطار أمستردام إلى ديترويت، حيث أعلن تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية أنه يقف وراء تلك المحاولة الإرهابية. ويناقش الملف الثاني موضوع الحراك الجنوبي المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال، وما يمثله من تهديد لوحدة اليمن كدولة، وهو ملف له اشكالياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية. ويتعرض الملف الثالث لقضية ساخنة ومعقدة لها بعدها الطائفي والإقليمي، ولها تداعياتها المستمرة والمحتملة، وهو ملف الحرب في الشمال اليمني بين المتمردين الحوثيين وحكومة اليمن المركزية في صنعاء. فهذا الملف يضيف عبئا عسكريا وأمنيا وسياسيا ثقيلا، على عاتق حكومة مثقلة أصلا بالعجز في تطوير بنيتها التنموية. ويشكل أهمية في هذه المرحلة وجود ملف رابع في جدول أعمال المؤتمر، وهو ملف المعارضة اليمنية في مواجهة النظام، الذي تتهمه بعدم القدرة على تطوير أدواته السياسية وتفعيل مؤسساته الديمقراطية وبناء مجتمع سياسي ومدني صحي. ومع ان المعارضة اليمنية مختلفة على تفاصيل ملفاتها تلك، إلا أنها بمختلف أطيافها تصطف في خندق واحد ومشترك، بهدف الضغط على النظام وتغييره. يبقى الملف الخامس، وهو ملف حيوي قد يكون صمام أمان ومانعا للعنف ودخول البلاد في متاهات وصراعات دموية لا أحد يعرف نهاياتها كما هي معروفة أولى طلقاتها القاتلة. فبدون معالجة ملف الاقتصاد المتداعي في بلد تنميته بطيئة ومتراجعة، فإن كل المشاريع والحلول العسكرية لمعالجة التطرف والتخلف والإرهاب والنزاعات الداخلية، مصيرها الفشل إن لم تترافق وتتلازم بشكل متناغم مع الحل السياسي والاجتماعي معا. فاليمن تتداخل فيه الظواهر السياسية الاجتماعية، مثلما تتداخل فيه الظواهر الاجتماعية الاقتصادية، والظواهر المجتمعية الثقافية، إذ لا يمكننا الفصل تماما بين الفكر العنيف ونهجه، إن لم نربطه بتنمية غير متكافئة وثقافة قبلية متشددة ومحافظة، تصب زيتها المحموم في نار اليمن المشتعل. ومن تابع تحركات وتصريحات ما قبل مؤتمر لندن في داخل اليمن وخارجها، يجد أن الانفلات الأمني في اليمن ظاهرة واضحة، حتى وإن قرر النظام إرسال رسالة للعالم الخارجي بأنه قادر بنفسه على تنظيف «إسطبلات أوجياس»، غير أنهم في الوقت نفسه يلومون الدول الغربية على عدم تقديمها العون والمساعدات اللازمة لملاحقة الإرهاب والقضاء على جيوبه. وبما أن الخطاب في البيت الأبيض متضارب، بين جهة تلّوح بالتدخل والأساليب الملتوية، كما هو تصريح كارل ليفن رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، والذي حث وزارة الدفاع على استهداف القاعدة في اليمن بطائرات بدون طيار أو ضربات جوية أو حتى عمليات عسكرية، وبين تأكيد أوباما عدم نية بلاده إرسال قوات لليمن، فإن مناخا متوترا تنعدم فيه الثقة وتزداد الشكوك، يتصاعد فيه بالضرورة ترمومتر الشارع السياسي لمشروع الجهاد ضد أي تدخل أو غزو أجنبي للبلاد، حيث تداعت رابطة علماء الدين في اليمن إلى الجهاد في حالة أي تدخل أجنبي. ومثل هذا المناخ وفر للقاعدة تربة خصبة للتصعيد، إذ تضع النظام بين فكي الرحى، فإذا لم تتدخل قوى خارجية يصبح شاقا عليه كسب الحرب المفتوحة بسرعة، طالما أن هناك ثلاث جبهات داخلية تستنزفه سياسيا وعسكريا، وإذا ما تدخلت القوات الأجنبية، فإن مشروعية الجهاد تصبح أمرا واقعا. وبذلك فإن الحرب المفتوحة ستطول كثيرا، إذ ينتقل الصراع بعدها بين قطبين أساسيين هما المعارضة اليمنية والقاعدة من جهة، والنظام اليمني المتحالف مع القوى العالمية بقيادة الولاياتالمتحدة، فتدخل اليمن الفخ كما دخلته باكستان منذ فترة الجنرال مشرف، وما زالت تدفع ثمنه باهظاً. وإذا ما اتسع نطاق الحرب المفتوحة في بلد مسلح ومعقد جغرافيا، فإن كل أسلحة وتجارب وخبرات الحروب النظامية وغير النظامية سنراها في اليمن، حيث سنجد دولا وأطرافا عديدة تحاول تصفية حساباتها مع الولاياتالمتحدة في هذه الساحة الجديدة. وهذا سيكون أحد مفاتيح الحديث في الكواليس الخلفية لمؤتمر لندن، لمناقشة كيف نقضي على الإرهاب ونعالجه في المنطقة، في ظل ظروف اقتصادية معقدة وأنظمة في معظمها متعثرة في بناها المتنوعة، وفاقدة للشرعية، بعد أن عاشت ردحا من الزمن تقتات على التفرد والإقصاء والاولغارشية الفاسدة.
span style=\"color: #333399\"*نقلا عن البيان الإماراتية