من المعلوم سلفاً بأن عقم رؤية فريق (الحراكيش نت) وهنا يعي القارئ الحصيف ما أرمي إليه دونما غمز أو لمز يكمن في الوظيفة السياسية المرجوة من المال المدفوع لصنع حلفاء أو حتى أصدقاء في بلدان شقيقة أتقنت قواها السياسية فن الحصول على المادة بلا مقابل سياسي جدي اللهم إلا قائمة وعود مبتورة ، بل وبات واضحاً أن المال قادر على تجنيد مرتزقة مؤقّتين وليس حلفاء إستراتيجيين إذ ليس هناك من هو على استعداد للتضحية بالروح من أجل أن يحسن ظروف حياة لا أن يحفر القبور ، وهو بالمناسبة ما لا يريد استيعابه فريق المراهق البيض في بيروت . وفي هذا الصدد ليس ضرباً من التعسف والتجني القول بأن فصيل الحراكيش ونهجه التطرفي الانفصالي كانا دائماً يعمل على عكس مسار التقارب والتفاهم بين اليمنيين على اختلاف فرقهم وتوجهاتهم منذ العام 2008م فلو سألت أحداً من ضحايا الفتنة المناطقية في الحبليين و المكلا والشيخ عثمان عن أسباب اندلاعها وتوقيتها ودوافعها لوقف حائراً.. فلماذا أخفى الضالعون آثارهم سريعاً في هذه الفتنة حتى بات كثيرون منشغلين بتسجيل حضور فيها دون إدراك ، وكأن ثمة غريزة تملي عليهم الخوض فيما يخوض فيه صنّاع الفتن الذين يتفرّجون بزهو إلى ما أحدثوه وشغلوا الساحة اليمنية به.
ولم يلفت إنتباه المراقبين سوى قلة إلى بداية انفجار الخطاب الطائفي المناطقي في يوليو 2011، حيث بدأت اللغة العنصرية تغمر وسائل الإعلام الانفصالية علانية ، فكانت المفردات في النسيج اللغوي للخطاب الإعلامي ذات طبيعة طائفية ومناطقية صرفة ، فمن يقرأ ما يكتب يُصاب بغثيان حيال الاجترار المُقرف لعبارات منفلتة لا تكشف عن نفسيات مريضة وموتورة فحسب بل عن جنوح فارط نحو الإسفاف واللغة الصبيانية المثيلية والشاذة ، ألا أن هذه اللغة لم تفلح في اجتياح الفضاء الثقافي اليمني خلال فترة الثورة الشبابية الشعبية اليمنية مؤخراً على إنزال هزيمة قاصمة بالوحدة اليمنية الخالدة الأمر الذي أساء إلى المراهنين والمرتهنين وجعلهم مصنّفين في خانة الأعداء بنظر أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الشرفاء ، ولكن بعد ارتفاع وتيرة التوتر الطائفي مؤخراً في (دماج) يضاف إلى هذا التوتر تصاعد الغزل الإيراني لفريق البيض المسلوق فأعيد تحريك الخطاب المناطقي مجدداً وعلى نطاق واسع وبدأت الماكينة الانفصالية الرخيصة بدعم من بقايا فتات نظام المخلوع صالح ووسائل إعلامها ومواقعها على الانترنت باستدراج اليمنيين إلى السجال المناطقي.
ومن المفارقات المدهشة أن أقلاماً ومواقع ليبرالية يمنية أصيبت بعدوى المناطقية حتى لم يعد المرء يميّز بينها وبين أقلام ومواقع انفصالية متشددة، فوقع المتنوّرون ضحية مكر مناطقي انفصالي ونسي هؤلاء مهمتهم الوطنية وسقطوا في الفتنة وخلعوا ثوب التنوير وغادروا مواقعهم تحت إغراء ما وعدهم به من أرادوها فتنة ، فتعجب من مثقفين تنويريين أفصحوا في وقت سابق وبمرارة عن سخطهم من هيمنة الجهوية في المجتمع وإذا بهم يشاركون الآن في توفير المزيد من الزخم والحشد للخطاب الانفصالي عن طريق الخوض في المعترك الطائفي والجهوي الذي يدركون جميعاً بأنه جزء من صراع سياسي على مستويات محلية وإقليمية ودولية.
ويبقى القول أن الفكر العنصري والتمييزي ليس بضاعة مستوردة ، فمعامل الفكر المتطرف مندّسة في مؤسسات الدولة وتحظى برعاية رجال النظام البائد مع الأسف الذين مازالوا يعتقدون بأن هذا الفكر المنتج محلياً لا يفضي إلى العنف المسلّح أو ربما يرون بأن الفئات التي تحمله قد ضلّت طريقها للخارج وباتت تضطلع بمهمة داخلية نكاية بطرف آخر إثر نكسة أو هزيمة سياسية ،لكن في الواقع أن غياب حركة نقدية تبدأ بمراجعة عميقة للمنابع الفكرية المتفسخة للفتتاتير الانفصالية يجعل من تفكيك شبكات التطرف ضد الآخر مجرد وهم .
أخيراً ينبغي التذكير بأن ما يحدث على الساحة الجنوبية ليس أكثر من حرب ورقية وإلكترونية ليس أكثر ، كون العقم في الرؤية السياسية هو المسيطر لدى عقليات ما يسمونها بقيادات الحراكيش الكرتونية وتماثيلها الرملية التي ألفت التعايش في حال الخوف الدائم وأدمنته ولذلك فهي تبطش مجازاً بطرحها وتنكّل بمن هم ضدها من حيث الفكر لأنها تدرأ عن نفسها هلعاً يهيمن عليها من الآخر الذي قد يكون عدواً واضحاً أو حتى صديق يخشى منه الانقلاب في لحظة ما ، لا بل والأدهى من والشعور بالحصار هو ما ينتاب أقطاب المشروع التقزمي الانفصالي هذه الأيام وهو ما يجلب جملة مخاوف قد تدفع بهم للتصرّف بطريقة غير منطقية وربما حمقاء ولابد من قرار تاريخي ومراجعة الحسابات ونخشى أن يكون هذا القرار يأتي في الوقت الضائع.