خرج شعب الجنوب الى ساحة الحرية يوم ال14 من اكتوبر المنصرم في مليونية وأقام المشاركون الذين جاءوا من كل مناطق ومدن الجنوب مخيم اعتصام جاء للتعبير عن تمسكهم بمطلب استقلال الجنوب. هذا الاسلوب الثوري السلمي هو النهج الذي لا يزال الجنوبيون يتمسكون به منذ انطلاقة ثورتهم في العام 2007م، ومنذ ذلك التاريخ شهدت معظم دول العالم الكثير من الاحداث والمتغيرات التي ادت الى تغير كبير في المنظومة السياسية لبعض الدول العربية، وسواء اكانت تلك التغيرات ايجابية او سلبية لكنها حدثت بالفعل وحركت الركود السياسي الذي عاشته وتعيشه المنطقة العربية منذ عقود، وحتى اليمن نال حصته من الاحداث التي لا تزال في حركتها التي تتخذ مد وجزر حتى اللحظة في ظل تعاطي كبير وواضح من قبل دول المنطقة العربية والإقليم والعالم الذي تفاعل بصورة وبأخرى مع المشهد والإحداث وفيما تشعبت قضية الحرب على الارهاب وتعثرت خطط الدول الكبرى في سوريا وفي بلدان اخرى ليتحول المشهد الى حروب عبثية مع الارهاب المدعوم من قبل تلك الدول الكبرى التي اعلنت حربها على الجماعات الإرهابية لكن الجنوب الذي يواصل ثورته حتى هذه اللحظة ظل بعيد عن التعاطي الخارجي الإيجابي، على الرغم ان الحراك الجنوبي (الثورة الجنوبية) استطاع الصمود امام كافة المتغيرات الداخلية والخارجية التي طالته الكثير من الاحداث بما فيها ثورة التغيير اليمنية التي افضت الى ما يسمى بالمبادرة الخليجية بين اطراف النزاع في صنعاء والتي حاولت اختزال قضية وثورة الجنوب الى مجرد مشكلة يمنية من ضمن المشاكل الداخلية التي يعاني منها اليمن، وعلى ضوء تلك المبادرة الخليجية ظهر ما يسمى بمؤتمر الحوار اليمني الذي رفض الجنوبيين المشاركة فيه لكن رعاة المبادرة الخليجية اصروا على ادخال الجنوب في تمثيل وهمي باعتماد اشخاص لا علاقة لهم بالحراك الجنوبي.
المشهد اليمني لم يقف عند نقطة الخطة التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية لتظهر احداث اخرى بفعل التداخل السياسي اللامتجانس وبفعل طبيعة الواقع اليمني المتشعب لتبقى قضية الجنوب هي المشكلة الرئيسية التي كانت محاولة اختزالها سبباً قوياً لانهيار المبادرة الخليجية ليتصدر انصار الله المشهد السياسي والميداني في اليمن بقوة اجبرت الاخرين على التعاطي معهم كأمر واقع وآلت الأمور إلى سقوط اكبر قوة يمنية نافذة ظلت الحليف القوي والرئيسي للسعودية وقطر والولايات المتحدةالامريكية طيلة السنوات الماضية امام انصار الله الذين لم تجد الدول الراعية للمبادرة الخليجية بد إلا ان سارعت بالاعتراف بهم كأمر واقع.
وظل الجنوب على حالته بعيداً عن اي تعاطي جدي من قبل دول المنطقة العربية والعالم في ظل تصاعد ثورته.
يوم ال14 من اكتوبر المنصرم قرر الجنوبيون اقامة مخيم اعتصام لهم في كل من العاصمة الجنوبية عدن ومدينة المكلا بحضرموت في محاولة منهم للفت انظار العالم نحوهم، لكن ماذا يجري؟
لم تظهر حتى اللحظة دول الجوار نواياها بصدق وجدية في مساندة شعب الجنوب والوقوف الى جانبه واختزلت موقفها في محاولات استخدام المشهد الثوري الجنوبي كمجرد ورقة ضغط لتمرير مخططاتها السابقة وللضغط على انصار الله ولاستخدام الورقة في لعب اقليمية ليس الا، فالمساندة اقتصرت على مجرد اعطاء ضوء اخضر للمغتربين الجنوبيين المقيمين في دول الخليج على دعم اخوانهم في الداخل، في حين جاءت السياسة الاعلامية لوسائل اعلامها عبارة عن رسائل تبعث بها الى ابناء العربية اليمنية والى الخارج بأن الجنوب على وشك الانفصال ان لم يكف انصار الله من توسعهم، وان بإمكان دول الخليج الدفع بالجنوب نحو اقامة دولته المستقلة الموالية للخليج وستكون دولة معادية للشيعة، وانه بإمكان دول الخليج تحشيد شعب الجنوب ضد الشيعة لقتالهم على ضوء الطائفية باعتبار الجنوبيين سنة.
الرئيس هادي المنتمي للجنوب والذي جيء به كرئيس توافقي لأطراف النزاع بات هو الاخر وبدعم من واشنطن يحاول استغلال المشهد الجنوبي لتحقيق مكاسب تقوي من مركزه المتلاشي والمنهار في صنعاء بعد ان وجد نفسه مجرد رئيس توافقي لأطراف تهاوت امام انصار الله.
انصار الله هم الطرف الاخر لم يستطيعوا قراءة المشهد الجنوبي بل ربما اعتمدوا على قراءات من سبقهم عندما شرعوا في التعاطي مع شخوص الجنوبيين المتواجدين في صنعاء على انهم يمثلون الجنوب فوزنوهم بميزان وضعوا في كفتهم ثورة الجنوب وانطلقوا في تعاطيهم مع الرئيس اليمني هادي ومع الممثلين المزعومين في مؤتمر الحوار على انهم يمثلون الجنوب وثورته المتصاعدة.
هذا التعاطي من قبل انصار الله تجاه الجنوب اوجد المبرر لبعض القوى الداخلية والخارجية للعب بورقة جديدة اخرى تحاول من خلالها التشويه بهم امام الجنوبيين وتصويرهم على انهم الخطر الأكبر.
من الطبيعي ان تأتي نظرة الجنوبيين تجاه انصار الله على هذا النحو على ضوء ما حل بشعب الجنوب من كارثة ومأساة يعيشها الجنوبيين حتى اليوم جراء احتلال الجنوب في العام 1994م، ولكون الجنوبيين كانوا اكثر المتعاطفين مع انصار الله منذ الحرب الاولى التي شنتها صنعاء تجاههم في العام 2004م، لهذا فالوضع السليم والطبيعي هو ان الجنوبيين من حقهم اعتبار أيا كان يجلس على كرسي السلطة في صنعاء بأنه المحتل للجنوب.
اليوم شعب الجنوب يصعد من ثورته وتتمدد وتتسع ساحتي المخيمين في عدنوالمكلا ويرتفع شعار الاستقلال عالياً وقوياً لكن بالمقابل هناك من يسابق لاحتواء الفعل الثوري وتحويله الى اجندة اخرى في حين يعمل الرئيس اليمني على الدفع بما يسمى اللجان الشعبية الى المرافق الحيوية في العاصمة عدن وغيرها تحت مبررات حمايتها من العناصر الارهابية ومن الحوثيين وهي امور غير مفهومة في ظاهرها وتحت يافطة علم الجنوب التي ستعمل تلك اللجان على رفعه يجري الدفاع عن تلك المنشئات لتستمر في ضخ خيراتها لصالح صنعاء ليس إلا وهذا ما ستؤكده او تنفيه الايام القريبة القادمة.