تثير استغرابي كثيراً حالة العداء السياسي الذي بداء يظهر في محافظة عدن خاصة ومدن الجنوب عامة بين أنصار الوحدة ورافضيها من المطالبين بفك الارتباط، ولعل ما يثير دهشتي في هذا هو يقيني بعشقنا نحن الجنوبيون لحياة السلم والتمدن والالتزام بالنظم والقوانين وكراهية المظاهر العدائية والمسلحة. وأنا هنا لست بصدد الدفاع عن طرف من الأطراف فلكل طرف حجته وحيثياته وأسلوب فهم خاص للقضية الجنوبية. إن حل المشكلة الجنوبية يقتضي منّا الصدق والجدية في طرح أسبابها ليتسنى لنا التوصل للمعالجة المناسبة لها، كما أن علينا جميعنا أن نعترف أن القضية الجنوبية قضية عادلة مائة بالمائة، وأن مظالم الجنوبيين مظالم حقيقية مائة بالمائة أيضاً ومن حقنا كجنوبيين التعبير عن هذه القضية وعرض تلك المظالم وليس لأحد أبداً منعنا من ذلك، ولكن في المقابل يجب أن نعترف أننا قد نختلف في آلية التعامل مع هذه القضية وبالتالي قد نختلف أيضاً في أساليب الحل، فنجد فريق يرى الانفصال هو الحل وفريق آخر يدعو للاستمرار في الوحدة الاندماجية وفريق ثالث يجد في مشروع الوحدة الفيدرالية آلية مناسبة للمعالجة وهكذا تتعدد الحلول بتعدد زوايا رؤيتنا للمشكلة ولكن يظل في الأول والأخير أن من حق كل فصيل أو جهة التعبير عن رأيها وتصوراتها دون تقيد أو ممانعة من أحد فليس من حق أحد أن يحجر على الآخرين أرائهم أو يمنعهم من التفكير والتعبير. إن حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً وواقعياً يتطلب أولاً وقبل كل شيء التفاف شعبي جنوبي وتوحيد صفوف جميع التيارات السياسية والاجتماعية والثقافية الموجودة في الجنوب باختلاف اتجاهاتها ونظرياتها. هذا الالتفاف والتوحيد في الرؤية و التصور لا يمكن حدوثه ما لم يكن هناك حوار بين جميع الجماعات والمنظمات والأحزاب، لقد حان الوقت لكي نجلس نحن الجنوبيون جميعاً على طاولة واحدة طاولة الحوار نتحدث فيها مع بعضنا البعض من غير اعتراض أو تهميش أو تجاهل ونحاول من خلال هذا الحوار توحيد تصوراتنا لحل قضيتنا وإزالة الظلم الواقع على مجتمعنا وأهلنا. أعتقد أننا كجنوبيين علينا أن ندرك جيداً أن حل القضية الجنوبية يتطلب الكثير من الجهد، لذا لا يستطيع فصيل دون الآخر تحمل أعباء هذا الجهد لوحده وبمفرده خاصة وأن هذه القضية تخص جميع الجنوبيين دون استثناء ولهم جميعهم الحق في المشاركة في حلها كما أن على جميع الفصائل والأحزاب الموجودة في الجنوب أن تتيقن أن لكلاً منها قاعدته الشعبية العريضة والتي تجعل من المستحيل تماماً على أحدها مهما بلغت قدراته وإمكانياته الإنفراد بالساحة الوطنية أو إلغاء الآخرين وتجاوزهم. لأجل الجنوب أقول أن الحوار الجنوبي واجب وطني وضرورة سياسية يُحتمها الواقع السياسي في الداخل وتقتضيها الظروف الدولية المحيطة بنا الحوار الذي لا سقف له والذي سيمكننا نحن الجنوبيون من إرساء قواعد المجتمع المدني الديمقراطي الحر سواء كان هذا المجتمع في ظل دولة يمنية موحدة أو دولة جنوبية مستقلة.