لم يكن انطلاق الثورة اليمنية الشعبية السلمية في فبراير 2011 مجرد حدث عارض في التاريخ اليمني الحديث ولم يكن ابدا وليد الصدفة ولم يكن مجرد تكرار او تقليد لتجارب الربيع العربي اطلاقا, لقد كانت الثورة اليمنية نتيجة تجربة سياسية طويلة خاضتها القوى السياسية اليمنية اللاعبة على ارض الواقع السياسي منذ 1990. كانت كل بلاد الربيع العربي تسعى من خلال الثورات الى الوصول الى الحرية السياسية والحق في صناعة المعارضة واصدار الصحف واعلان القنوات المعارضة وتشكيل الاحزاب السياسية المعارضة للسلطات في تلك البلدان, هذه التجربة التي كانت اليمن واحزابها قد قطعت فيها شوطا طويلا يمتد لاكثر من عشرين عام, وكانت اليمن هي البلد العربي الوحيد الذي كان قد خاض تجربة تنافس حقيقي على اعلى سلطة في البلد, تجربة التنافس على سلطة رئاسة الجمهورية, وبغض النظر عن نتائجها الا انه لايمكن لاي عاقل ان ينكر انها كانت تجربة فريدة في العمل السياسي العربي, وفوق كل هذا وذاك كانت تجربة التقاء الاحزاب اليسارية واليمينة والقومية في اطار سياسي باسم اللقاء المشترك كانت تجربة فريدة ومميزة جدا. ان الشعب الذي خاض كل هذه النضالات عبر الكيانات السياسية والمدنية المختلفة طوال تلك الاعوام لا يمكن ان يقبل ان يعود الى ماقبل هذه التجارب, ان اوضاع البلد اليوم تجبرنا جميعا ان نقف في مواقف وطنية جادة تلزمنا ان نقدر ونحترم تلك التجربة قبل ان نحدد مواقفنا من بعض قضايا اليوم. اعتقد انه من اهم مميزات الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن هو اصرارها على الحفاظ على الكيان السياسي للمؤتمر الشعبي العام والدفاع عنه رعم انه كان هو من يمثل النظام السابق بل ان كان الحامل السياسي لذلك النظام وكامل منظومة الحكم قبل الثورة, ان هذا الاصرار هو من خلق التوازن بين القوى ومنع تفرد اي قوة منها (ولكن ليس بشكل كامل) ان تتحكم بشكل الولة والسلطة وخلق نوع من التوافق الذي لعب دور رئيسي في منع انجرار البلد الى الحرب الاهلية وحفظ دماء اليمنيين, كما انه حد من قوة الثورات المضادة التي كان يمكن ان تعصف بالبلد منذ اكثر من ثلاث سنوات. ان هذا التوازن يتعرض اليوم لمشكلة جديدة تكاد ان تخل بهذا التوازن وتعيدنا بشكل او باخر الى ما قبل المشروع السياسي والعملية السياسية والتبادل السلمي للسلطة وفقا للعملية الديمقراطية, لقد وجدنا الكثير من القوى السياسية والقوى الثورية الشابة والعتيقة منها ايضا تشير الى ان ما يحدث في صنعاء والحشود التي تحيط بها وكل تلك الصرخات والنداءات لا تهدف الا الى اجتثاث قوة سياسية معينه (الاصلاح) وانها لا تهدف ابدا الى زعزعة النظام او العملية السياسية او حتى الى ما تدعوا اليه من مطالب وشعارات. ان الدعوة لمثل هذه المشاريع والتاييد لها ليس تاييد لانتزاع هذه القوة او الغاء تواجدها (مهما كان اختلاف هذا الطرف او ذاك معها) بل انه الغاء للعملية السياسية بشكل كامل, انه انتزاع للفكر الديمقراطي وفكرة التغيير الذي كنا قد زرعناها في عقول الناس في خلال الفترة التي مرت علينا منذ الثورة الى اليوم ودعوة لخلق نظام جديد بعيد عن ادنى مستويات وافكار التغيير, انه دعوة لانتاج مشروع سياسي طائفي قائم على التقاسم ليس من منظور سياسي بل من منظور طبقي طائفي ومناطقي مقيت يعيدنا ليس الى ماقبل 1990 بل الى ماقبل ذلك بالف سنه واكثر. اننا لا ندافع عن هذا المكون او ذاك بل ندافع عن ناتج تجربة سياسية طويلة خاضها فرج بن غانم وخاضها جارالله عمر وخاضها فيصل بن شملان ليصلوا الى ما وصلنا اليه اليوم واصبح لا يحق لنا مطلقا التنازل عن هذه الانجازات السياسية وان لا نسمح ابدا بتجاوز العملية السياسية التنافسية والتشاركية الديمقراطية للعودة الى فكر العصبية الجاهلية في اشكالها المقيته المختلفة.