مع انطلاق الثورة اليمنية شمالاً عام 1962 وجنوبا 1963،كانت الوحدة حاضرة بقوة لدى غالبية القوى والمكونات ، غير أن نشوب الصراعات الداخلية بعد الثورة مباشرة أجل تحقيق الوحدة اليمنية، بيد أنها لم تغب طويلا عن أجندة كافة القوى السياسية. نجح علي ناصر في بداية حكمه باستقطاب حلفاء أقوياء إلى جانبه يحتلون مواقع مهمة في الجيش والأمن والحزب الحاكم لكنه اصطدم بخصوم أقوياء يقودهم نائبه علي عنتر حتى انفجر الوضع في حرب دامية اشتعلت في يناير 1986 ،وانتهت لصالح فريق عنتر وحلفائه الذين تولوا الحكم حتى تمت الوحدة في مايو 1990م. بعد قيام ثورتي سبتمبر واكتوبر الخالدتين والتحرر من الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب وبعد انحلال جهود السلام وتلاشي التأثير العربي على الاحداث نوعا ما ؛ ضهرت خلافات بين القوى الثورية للسيطرة على مقاليد الحكم... نستعرص هنا الحلقة السادسة من هذه الدراسة والتي تسرد تفاصيل الخلافات التي نشبت بين فصائل المعارضة الثورية سواء في الشمال حيث انه كانت سلطات الشمال تحارب اليساريين او التيار اليساري وفي الجنوب ايضاً كانت السلطات تحارب تيار اليمين حيث كانت الصراعات بين هذه القوى من أجل السيطرة على الحكم وتقلد المناصب في السلطة. استمرت الخلافات والصراعات بين القوى الثورية على الحكم وتقلد المناصب والمحاصصة وتقسيم الثروة وذلك في فترة ما بعد التخلص من الاستعمار والاستبداد بقيام ثورتي سبتمبر واكتوبر وهذا ما أثر تاثيرا كبيرا على بقاء اليمن في الحضيض سواءً الجمهورية العربية اليمنية في الشمال او جمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب ، حيث ساعد على بقاء ذلك الضعف وعدم الاستقرار هو تأثير تدخل القوى الخارجية العربية والاجنبية في مستقبل اليمن.. نستكمل هنا في الحلقة الثامنة تفاصيل النزاعات البينينة لقوى الثورة وما حدث من انتقادات للسلطة الحاكمة والاختلاف الأيدلوجي المعارض لسياسة الانفتاح خصوصاً في الجنوب الى أن اشتعلت الحرب في كانون الثاني عام 1986 م قبل قيام الوحدة اليمنية ولا شك أن الصراع في هذه الفترة بين قيام الثورة وإعلان الوحدة تاثر بشكل او بآخر بالمتغيرات الإقليمية والدولية. صراعات على هامش الوحدة الوطنية حين بدا لنظام الحكم في عدن أنه حسم – ولو بشكل مؤقت، صراعه مع نظام صنعاء، تبلور تيار واسع داخل قيادة الحزب والدولة ينتقد أداء الرئيس/ عبدالفتاح إسماعيل، مقابل احتفاظه بنفوذ وتأييد داخلي وخارجي، غير أن موجة النقد كانت أقوى، فقرر تقديم استقالته في أبريل/نيسان 1980 ،بناء على رغبة معارضيه، وحرصاً منه على إغلاق باب جديد في الصراع على السلطة، وخلفه في تولي الحكم علي ناصر محمد السياسي والعسكري الذي دفعت به الأحداث سريعا إلى الواجهة منذ بداية السبعينيات، وفي بداية حكمه نجح في استقطاب حلفاء أقوياء إلى جانبه يحتلون مواقع مهمة في الجيش والأمن والحزب الحاكم تغير اسم الجبهة القومية إلى الحزب الطليعي، ثم الحزب الاشتراكي اليمني، لكنه لم يعدم – في المقابل خصوماً أقوياء أيضا، يقودهم نائبه العميد/ علي عنتر ،أحد قيادات ثورة أكتوبر 1963 وصاحب التأثر القوي في الجيش والحزب وتركزت نقاط الخلاف حول إدارة الصلاحيات والسلطة، وانعدام الثقة بين الطرفين، كما أن الاختلاف الأيديولوجي حضر من خلال معارضة خصوم عي ناصر لسياسة الانفتاح التي تبناها تجاه الشمال وتجاه دول الخليج العربي، ورأوا أن ذلك يفتح المجال أمام عودة ما يطلقون عليها البرجوازية الأمر الذي يؤثر من وجهة نظرهم على ( الطهارة الثورية). وظل الفريقان يعملان على الاستقطاب الذي بدا في الغالب مرتبطا بعوامل ودوافع جغرافية مناطقية أكثر منها سياسية فكرية، حتى انفجر كل ذلك في حرب دامية اشتعلت في يناير/كانون ثاني 1986 ،وانتهت لصالح فريق عنتر وحلفائه الذين تولوا الحكم حتى تمت الوحدة بن الجنوب والشمال في مايو/أيار من العام 1990 . والخلاصة أن ثمة حالة صراع سياسي ومغالبة طبعت الحياة السياسية في اليمن شمالا وجنوبا بين الشركاء والفرقاء على حدٍ سواء، وثمة استقطابات وتجاذبات داخلية وخارجية (إقليمية ودولية ) فرضتها ظروف المرحلة من توازنات ومعادلات إقليمية مطلوبة كانت ، تحملها استحقاقات الحرب الباردة ولا شك أن الصراع في هذه الفترة بين قيام الثورة وإعلان الوحدة، تأثر بشكل أو بآخر بالمتغيرات الإقليمية والدولية، إذ بدا في الكثير من الأحيان ،ولا سيما في السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وكأنه امتداد مباشر وطبيعي للصراع الدائر في قمة النظام الدولي، وما ينطوي عليه من استقطابات إقليمية. بين التشطير والوحدة: احتلت قضية الوحدة اليمنية صدارة القضايا الوطنية، وارتبطت لدى القوي السياسية المعارضة للاستعمار والإمامة، بالنضال الوطني والعمل الثوري شمالا ضد الحكم الإمامي، وجنوباً ضد الاستعمار الأجنبي وظلت القوى اليمنية ترفض واقع التجزئة والتشطير الذي فرضه الاستعمار البريطاني ليضمن سيطرته على الجزء المحتل في الجنوب، ووافق عليه نظام الإمامة عجزاً وضعفاً وحرصا على السلطة، حتى لو كانت منقوصة. وطوال النصف الثاني من القرن العشرين كان الموقف من وحدة اليمن معيار وطنية ونزاهة وانتاء كل قوة سياسية تظهر على الساحة شمالاً وجنوباً وتلاشت واضمحلت كل القوى والتنظيمات التي لم تتبنَ الوحدة أو وقفت ضدها ولقد حاول الاستعمار جاهدا ترسيخ التجزئة بكل ما أوتي من قوة وإمكانات، وتماهت معه بعض القوى الطامعة في الحصول على سلطات رمزية وامتيازات مادية، بيد أن صعود قوى الثورة وحركات التحرر الوطني محلياً وعربيا بأفكارها القومية الوحدوية ونزعتها الوطنية الثورية ضد الاستعمار الأجنبي وسياسته التي تقوم على قاعدة (فرق تسد ) ، ومع انطلاق الثورة اليمنية شمالاً عام 1962 وجنوبا 1963،كانت الوحدة حاضرة بقوة لدى غالبية القوى والمكونات ، غير أن نشوب الصراعات الداخلية بعد الثورة مباشرة. والتناقض الأيديولوجي بين القوى الثورية الحاكمة فرضا تحديات جديدة، تراجع معها العمل لأجل تحقيق الوحدة اليمنية، بيد أنها لم تغب طويلاً عن أجندة الحكام والقوى السياسية، فسرعان ما حضرت مطلع السبعينيات عقب مواجهة عسكرية نشبت على الحدود بن شطري اليمن، انتهت بانتصار جزيء للجنوب، وتدخلت دول عربية في العمل على جمع الشمال والجنوب، فكانت مفاوضات القاهرةوطرابلس- ليبيا، التي أسفر عنها الاتفاق على الهدنة وإقامة الوحدة مستقبلاً، وكان الجنوب أكبر إلحاحاً في طرح القضية، حيث كانت الجبهة القومية التي تحكم الجنوب تدعو إلى الوحدة، لكن بشرط سيطرة الجبهة وحلفائها اليساريين في الشمال، وإخراج من تسميهم (الرجعين وأتباع العهد البائد) كما أن «الوحدة حينها أعطيت مضمونا أيديولوجياً محدداً جعل من تحقيقها على أسس وطنية مجردة أمراً يكاد يكون مستحيلا. فقد آثر الثوريون في الجنوب وفي الشمال أن لا يحققوا الوحدة ما لم تصبغ بلونهم»،وكان حكام صنعاء يدعون إلى الوحدة أيضا، مع تحفظ بعض رموز التيارين الإسلامي والقبلي على الاتفاق مع حكام الجنوب، وهو التحفظ الذي أنهاه الرئيس عبدالرحمن الإرياني، عقب التوقيع على اتفاق القاهرة بقوله لكبار مسؤولي الدولة في صنعاء: الوحدة اليمنية هدف تاريخي ولايمكن رفضه، أما الاتفاقيات فيمكن تعديلها في أي وقت وفي عقد السبعينيات استمر الصراع السياسي- والعسكري، بين نظامي الحكم في الشمال والجنوب حينا وبين الأجنحة والفرقاء داخل النظام الواحد أحياناً أخرى، بينا تواصلت اللقاءات الثنائية بين الطرفين الحاكمين وعقدت الاتفاقيات بشأن تحقيق الوحدة، ومن أبرز تلك الاتفاقيات: • اتفاقية القاهرة أكتوبر/تشرين أول 1972. • بيان طرابلس، نوفمبر/ترشين ثاني 1972. • لقاء الجزائر، سبتمبر/أيلول 1973. • لقاء تعز- الحديدة، نوفمبر/تشرين 1973. • لقاء قعطبة، فبراير/شباط 1977. • بيان الكويت، مارس/آذار 1979. وكان التوافق يتم على أن «تذوب الشخصية الدولية لكل من الدولتين في كيان دولي واحد، وقيام دولة يمنية واحدة»، كما نصت على ذلك اتفاقية القاهرة، ومع ذلك استمر كل طرف يعمل على تطبيق الوحدة وفق رؤيته الخاصة، وبدأ كل طرف يدعم حرب العصابات ضد الطرف الآخر، فقد دعم الشمال الجنوبين الذين خسروا المواجهات مع الجبهة القومية في وقت سابق، ليقوموا بشن حرب عصابات داخل المناطق الجنوبية استطاع النظام القضاء عليها سريعاً، وكذلك دعم الجنوب عناصر اليسار الشماليين لشن حرب عصابات مماثلة في المحافظات الشمالية، وكان الشمال أكثر تضرراً من هذا الصراع، لأن اليساريين المدعومين من حكام الجنوب كانوا أكثر خبرة وتنظيماً، بينما كانت مؤسسات الدولة في الشمال وفي مقدمتها الجيش تعاني الضعف والاختراق من تيارات معارضة أبرزها تيار اليسار نفسه. وظهرت الأحزاب اليسارية في الشمال أكثر تنظيماً في العام 1976 عندما شكلت في عدن (الجبهة الوطنية الديمقراطية)، بهدف إسقاط نظام الشمال وتحقيق الوحدة اليمنية وفي الثمانينيات تواصلت اللقاءات بين القيادتين بعدما تم الاتفاق على إيقاف دعم الأعمال المعادية من الطرفين داخل كل شطر، وشهد الشمال بعض الاستقرار فيما استمرت الصراعات داخل أجنحة الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب، حتى كانت اتفاقية 30 نوفمبر عام 1989 ،وتلاها التوقيع النهائي على الوحدة بصيغتها الأخيرة التي أعلنت في 22 مايو/ايار 1990 ،بذوبان الشخصية الدولية لكل من الدولتين، وقيام الجمهورية اليمنية، وبمقتضى الإعلان تشكل مجلس رئاسة من خمسة أعضاء، واختير علي عبدالله صالح رئيساً لمجلس الرئاسة وعلي سالم البيض نائبا للرئيس.