وصفت مصادر يمنية حادثة اغتيال وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دوليا حسن زيد بأنها جزء من مسلسل الصراع المتنامي بين الأجنحة داخل الجماعة الحوثية التي تسعى لتوسيع نفوذها وزيادة حجم مكاسبها السياسية والمالية ضمن منظومة الانقلاب في صنعاء. وأشارت المصادر إلى أن اغتيال زيد في منطقة “حدة” بصنعاء وإصابة ابنتيه من قبل مسلحين مجهولين كانوا يستقلون دراجة نارية مؤشر على وصول الصراع إلى مستوى جديد من العنف، وخصوصا أن الحادثة وقعت في منطقة تخضع لإجراءات أمنية مشددة لأن معظم القيادات الحوثية تقيم فيها. وفرض الحوثيون طوقا أمنيا على مديرية السبعين ومنطقة “حدة” بعد الاغتيال وشنّوا حملات تفتيش واعتقالات، في ظل مؤشرات على اعتزام الجماعة توظيف الحادثة في خطابها الإعلامي بما يتلاءم مع أهدافها من ناحية وبما يمكّن من التستر على الجناة الفعليين من ناحية ثانية. وفي هذا السياق سارعت وزارة الداخلية التابعة لجماعة الحوثي إلى اتهام التحالف العربي بتنفيذ عملية الاغتيال. وقال مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية الحوثية في بيان على موقعه الرسمي “أقدمت صباح امس(الثلاثاء) في العاصمة صنعاء عناصر إجرامية تابعة للعدوان على اغتيال وزير الشباب والرياضة الأستاذ حسن زيد”. وقال البيان إن العناصر -التي وصفها ب”الإجرامية”- “اعترضت سيارة وزير الشباب والرياضة، التي كانت تقودها ابنته، وأطلقت النار عليه ما أدى إلى استشهاده بعد إسعافه إلى المستشفى اليمني الألماني، وإصابة ابنته بجروح بليغة”. وأضاف البيان الحوثي أن زيد “لم يكن لديه أي حراسة شخصية وكان دائما يتنقل بمفرده”، مشيرا إلى أن العملية تأتي “ضمن مخطط العدوان لاستهداف الشخصيات والكوادر الوطنية”. واعتبر مراقبون يمنيون أن مسارعة وزارة الداخلية الحوثية إلى تحميل التحالف العربي مسؤولية الحادثة قبل التحقيق في ملابساتها، مؤشر على اعتزام الجماعة الحوثية إخفاء التفاصيل الحقيقية التي تقف وراء عملية الاغتيال التي طالت وزير الشباب في حكومة الانقلاب، والذي كشف في سلسلة منشورات على حسابه في الفيسبوك قبل مقتله بأيام عن وقوف جهات حوثية وراء حملة إعلامية لاستهدافه. ويؤكد الصحافي اليمني ورئيس تحرير صحيفة “اليوم الثامن”، صالح أبوعوذل، أنه لا يوجد أي متهم آخر محتمل في قضية اغتيال حسن زيد غير الحوثيين. وأضاف أبوعوذل في تصريح له “الحوثيون هم الذين اغتالوه، أو هم يعرفون الجناة، فالمدينة خاضعة لهم بشكل كامل وشهدت ما يشبه عملية التهجير ليس للمناوئين فقط، ولكن لكل من لا يدين بالولاء للجماعة”. ورجح أن تظل عملية اغتيال حسن زيد المدرج على قائمة المطلوبين للتحالف العربي بقيادة السعودية، لغزا حوثيا، في ظل حالة الصراع الخفية بين أجنحة الجماعة الحوثية. ومن جهته، يشير الصحافي والباحث اليمني رماح الجبري إلى أن اغتيال زيد امتداد لسلسلة اغتيالات بدأت في عام 2014 واستهدفت القيادات المؤثرة في صفوف الجماعة الحوثية بدءا بأحمد شرف الدين وعبدالكريم جدبان ومحمد عبدالملك المتوكل وعبدالكريم الخيواني. وأضاف الجبري في تصريح له أن “استئناف هذه العمليات تأكيد على حجم الخلاف الكبير بين القيادات الحوثية الذي يظهر بين فترة وأخرى للعلن، وجذور هذا الخلاف تعود إلى تنامي الطبقية السلالية داخل الجماعة الحوثية بين القادمين من صعدة والسلاليين الذين هيأوا للانقلاب في صنعاء، ووسط سطوة كبيرة للسلاليين القادمين من صعدة والمرتبطين مباشرة بإيران”. اخفاء التفاصيل الحقيقية التي تقف وراء عملية الاغتيال ولفت إلى أن “عودة مسلسل الاغتيالات جاءت بعد أسابيع من تهريب أو وصول السفير الإيراني الذي يمكن وصفه بصاحب القرار الأول في صنعاء كون الجماعة الحوثية إدارة إيرانية ولاسيما الجناح الحوثي القادم من صعدة”، وهو ما يؤكد أن “الميليشيا الحوثية هي من قامت بعملية الاغتيال بالنظر إلى أن صنعاء تشهد منذ أيام تشديدا أمنيا وانتشارا كثيفا للنقاط الأمنية لتأمين الفعاليات الموسعة التي دعت إليها الميليشيا الحوثية للاحتفال بالمولد النبوي”. وإضافة إلى عمله في “حكومة الإنقاذ الحوثية” غير المعترف بها، يشغل زيد منصب رئيس حزب الحق الذي يوصف عادة بأنه نواة العمل السياسي الأولى للحوثيين في اليمن، كما يعدّ من المنتمين إلى التيار الحوثي التقليدي. وعمل من خلال حزب الحق -ضمن “اللقاء المشترك” الذي ضم أحزاب المعارضة اليمنية خلال فترة الرئيس السابق علي عبدالله صالح- على خدمة المشروع الحوثي عبر تأجيج الخلافات بين صالح وأحزاب المعارضة. صالح أبوعوذل: لا يوجد أي متهم آخر محتمل في قضية اغتيال حسن زيد غير الحوثيين ودأب زيد في الآونة الأخيرة على توجيه انتقادات خجولة وبشكل غير مباشر لمراكز النفوذ التي تشكلت في صنعاء، وحمّلها مسؤولية بعض عمليات السطو على الممتلكات العامة والخاصة التي كانت تقوم بها، وهو ما يرجح وفقا لمصادر خاصة من صنعاء أن تكون عملية اغتياله ذات طابع شخصي وليست عملية اغتيال سياسيّ، في إطار الصراع المحتدم بين الأجنحة المتنفذة في الجماعة الحوثية على توزيع مناطق النفوذ في صنعاء والمحافظات. وتزامنت عملية اغتيال زيد مع الظهور الرسمي للضابط في الحرس الثوري الإيراني حسن ايرلو الذي عينته طهران سفيرا لها لدى الحوثيين، وظهر ايرلو برفقة وزير الخارجية في حكومة الانقلابيين هشام شرف وهو “يتسلم أوراق اعتماده كسفير لإيران في صنعاء”. وتشير مصادر إلى أن وزير الشباب والرياضة في حكومة الحوثي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع قيادات متنفذة في طهران وحزب الله، في الوقت الذي تعمل فيه قوى جامحة في الجماعة الحوثية من الجيل الجديد على إنهاء أي تأثير للجيل القديم، وبناء شكل جديد من أشكال النفوذ لصالح التيار القادم من جبال صعدة الذي ينتهج خطابا ثوريا إقصائيا تجاه القيادات التي مارست عملا رسميا أو حزبيا ضمن منظومة الرئيس السابق علي عبدالله صالح رغم انضمامها إلى الحوثيين في وقت لاحق. وتشهد صنعاء، بحسب المصادر، صراعا صامتا بين عدد من الأجنحة الحوثية، يتمحور حول الهيمنة على النفوذ والسلطة والمال وبسط السيطرة على أراضي الدولة في المناطق الخاضعة لسلطة الحوثيين، والاستحواذ على تجارة المشتقات النفطية واحتكار استيراد المواد الغذائية وإدارة اقتصاد الحرب. وأثار سياسيون يمنيون تساؤلات عن دلالات تزامن اغتيال ما يسمى بوزير الشباب والرياضة، حسن زيد، في حكومة ميليشيات الحوثي، غير المعترف بها دولياً، الثلاثاء، في العاصمة صنعاء مع تسليم سفير إيران لدى الحوثيين، حسن إيرلو، أوراق اعتماده. وطرح السياسي والناشط اليمني، الدكتور معن دماج، عدة احتمالات عن هذا الاغتيال، منها أن الحاكم العسكري مطلق الصلاحية المعين من الحرس الثوري الإيراني يريد مسح الطاولة من السياسيين التقليديين بحساباتهم الشخصية والعائلية وحتى السلالية والطائفية لمصلحة عناصر الحرس الثوري الملتزمين والطائعين. وقال في منشور على صفحته في «فيسبوك»، «من يعرف كيف صفى الحرس الثوري الإيراني عناصر وقيادات حركة أمل الشيعية لإفراغ الساحة لأداة الحرس حزب الله وعناصره سيعرف طبيعة شغل هذا الجهاز الإرهابي». وبحسب دماج فإن ما سيرجح أيا من الاحتمالات هو الطريقة الحوثية في التعامل مع الاغتيال. وأضاف: «بقى أن ذلك سيدل على المستوى الذي انتقلت إليه أجندة الحرس الثوري التي تدرك أن الإمكانيات التي يوفرها اليمن هي عشرات أضعاف ما يوفره لبنان!!». وظهر سفير إيران لدى ميليشيات الحوثي والقيادي في الحرس الثوري الإيراني، المثير للجدل، إيرلو، الثلاثاء، للمرة الأولى علنا في صنعاء خلال تسليم أوراق اعتماده لما يسمى وزير الخارجية في حكومة الحوثيين الانقلابية غير المعترف بها دولياً، هشام شرف. وسارعت ميليشيات الحوثي بعد ساعات قليلة وعبر بيان لوزارة داخليتها إلى تحميل «عناصر إجرامية تابعة للعدوان» مسؤولية الاغتيال، وهو ما اعتبره المحلل السياسي اليمني، الدكتور محمد جميح، «حكما سريعا لم يصدر من جهة قضائية، وبالتالي فهو حكم «سياسي»يراد منه إبعاد الأنظار عن القاتل الحقيقي»، وفق تعبيره. ولم يعمل إيرلو في السلك الدبلوماسي قط، وهو مدرب مختص على الأسلحة المضادة للطيران، وقام سابقاً بتدريب ميليشيات حزب الله اللبناني. وعلق أحد الناشطين اليمنيين بأن تصفية الشخصيات السياسية الموالية لميليشيات الحوثي تأتي ضمن سياسة الحاكم الفعلي لصنعاء، إيرلو، لإفساح المجال أمام العناصر القادمة من صعدة باعتبارها جناح الحرس الثوري، وذلك لضمان حكم إيران بشكل تام لصنعاء. فيما يرى مراقبون أن اغتيال «زيد» يأتي في ظل موجة التصفيات الداخلية بين أجنحة الميليشيات نتيجة الخلافات على المنهوبات والنفوذ، خاصة وأن العملية تمت في ظل إجراءات أمنية مشددة قبيل احتفالات الميليشيات بالمولد النبوي. وشهدت الأشهر الماضية تفجر الصراع بين أجنحة الميليشيات الحوثية ليطفو على السطح عبر موجة تصفيات بينية وصلت إلى دار زعيم الحوثيين بمصرع أخيه إبراهيم الحوثي، الذي جرت تصفيته وآخرين برفقته في منزل وسط صنعاء، وسبقتها عمليات قتل واغتيال لعشرات القيادات، ضمن الصراع الداخلي بين قادة الميليشيات. وتزايدت بشكل لافت وتيرة الصراع بين قيادات ميليشيات الحوثي والتي بدأت تأخذ أشكالاً جديدة ومتعددة، أبرزها التصفيات الجسدية والاعتقالات، وتدور أسبابها حول خلافات تقاسم الأموال المنهوبة والنفوذ فيما تبقى من مناطق سيطرتها.