المحاولات جارية على قدم وساق لضبط الأمن في العراق من قبل الحكومة العراقية من جهة ومن قبل الإدارة الأميركية وقوات التحالف من جهة أخرى، والدبلوماسية الأميركية والأوروبية تتحرك في اتجاه استصدار قرار يفرض عقوبات على طهران بشأن ملفها النووي، ووزير الدفاع الأميركي الجديد «روبرت جيتس» يزور العراق ويبدأ في تطبيق خطته الأمنية بعدما تم الإعلان عن زيادة عدد القوات الأميركية في العراق، الإدارة الأميركية بدورها تعلن عن اتفاق استراتيجي أمني واسع بين الولاياتالمتحدة والحكومة العراقية، ووزير الدفاع الأميركي يعلنها صراحة بأن الجيش الأميركي باق في العراق لفترة طويلة، والأسطول البحري الأميركي في الخليج عزز في الأسابيع الأخيرة، كل هذه الأمور تشير إلى أن هناك شيء ما تنوي الإدارة الأميركية فعله، وأول ما يتبادر إلى الذهن هو التعامل مع الملف النووي الإيراني، فعندما يتزامن التحرك الدبلوماسي الأميركي في الأممالمتحدة بشأن إيران مع التعزيزات العسكرية في الخليج، فهذا يعني بالتأكيد وجود نية لتطبيق عقوبات على إيران أو السعي إلى عزلها بشكل يمنعها من امتلاك التكنولوجيا النووية. وإذا ألقينا نظرة على صيغة القرار بخصوص الملف النووي الإيراني نجد أن العقوبات تتضمن تجميد أرصدة إحدى عشرة شركة إيرانية متصلة بالبرامج النووية أو الأسلحة البالستية، مشروع القرار يستند إلى المادة «41» من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة بمعنى أن القرار سيكون إلزاميا في حال تبنيه من قبل مجلس الأمن، روسيا من جهتها تضغط في اتجاه تخفيف صيغة القرار لدفع طهران للموافقة على المفاوضات، وقد تم الاستجابة لطلب روسيا بحذف بند من بنود القرار والذي يحظر سفر مسؤولين إيرانيين مرتبطين بالبرنامجين النووي والبالستي إلى الخارج، وتم تخفيف هذا البند ليقتصر على فرض قيود بسيطة لا تكتسي الطابع الإجباري. كما تم التنازل عن بنود أخرى في القرار تتعلق بالودائع المالية. كل هذه التنازلات قدمت بهدف كسب الصوتين الروسي والصيني لاستصدار قرار يفرض عقوبات على طهران. رغم هذه التعديلات والتنازلات في بنود القرار فإن المضمون العام والهدف الأساسي لم يتغير، لأن المشروع مازال يندرج تحت الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وهذا يعني أن كل ما جرى هو تغييرات سطحية فقط، وهو حسب اعتقادي ما جعل السفير الروسي «فيتالي تشوركين» يطلب تأجيل التصويت، بمعنى أن القرار مازال بحاجة إلى تعديلات جوهرية تدفع روسيا والصين للموافقة، وهذا هو المغزى الذي تهدف إليه الدبلوماسية الأوروبية والأميركية لأن كسب الصوتين الروسي والصين يعني الحصول على الإجماع بخصوص القرار. طهران من جهتها تسعى إلى التقليل من أهمية القرار وتعلن بأن برنامجها النووي مستمر حتى لو تم التصويت على القرار بالإجماع، وهذا يعني أن القرار لن يدفع طهران إلى التنازل عن مشروعها النووي، وستعمل على إفشال أي حصار عليها، وستحاول في المرحلة المقبلة جر المجتمع الدولي إلى المفاوضات لكسب مزيد من الوقت بهدف الحصول على تنازلات وعروض أكثر. الرد الإيراني يصب في بوتقة الفخر والاعتزاز وهو ما جاء على لسان الرئيس الإيراني الذي أعلن عن أن البرنامج النووي الإيراني يشكل مصدراً للفخر القومي في بلاده ، وأن من حق إيران امتلاك التكنولوجيا النووية المدنية بناءً على معاهدة حظر الانتشار النووي التي وقعت عليها طهران. واتهم نجاد الولاياتالمتحدة بتسييس القضية لخدمة مصالحها وأهدافها في الشرق الأوسط. من هذه المنطلقات وكما يبدو فالمرحلة المقبلة ستشهد بالتأكيد ضغوطاً كبيرة على طهران من المجتمع الدولي، خاصة إذا نجحت الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي في الخروج بإجماع على فرض عقوبات على إيران، الضغوط على إيران ستكون أيضاً من قبل دول ا لجوار خاصة دول الخليج، التي يكتنفها هاجس الخوف من الأضرار البيئية المحتملة جراء البرنامج النووي الإيراني، بالنظر إلى القرب الجغرافي، ورغم تقديم طهران برنامجاً استراتيجياً لحماية البيئة فإن هاجس الخوف يبقى وارداً بالنظر إلى عدم الاستقرار الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط، واتجاه الوضع في العراق نحو المجهول ، وهو ما سيدفع بالتأكيد الدول المجاورة لإيران إلى الضغط في اتجاه البرنامج النووي الإيراني. *كاتب مغربي - جدة - المملكة العربية السعودية [email protected]