أخبار اليوم الرياضي/ معتصم عيدروس اليوم نودع عروس بحر العرب "عدن" بعد أيام جميلة قضيناها في رحابها على شرف كأس الخليج العربي في نسخته ال20.. نودعها وفي النفس حسرة لأن ظروف العمل الصحافي لم تمهلنا حتى نتعرف عليها أكثر ، فالركض خلف الأخبار شغلنا كثيرا،ً وأخذ كل وقتنا، ولم يدع لنا سوى سويعات فقط في سكون الليل وبين أستاره نرتاح فيها قليلاً من عناء هذا الهم الجميل. بين أكثر من 1200 إعلامي عربي وخليجي وأجنبي وجدنا أنفسنا في مدينة عدن ، نلتقي جميعاً صباحاً ونبدأ رحلة عملنا، ونظل نعمل ونكد، وتستمر أعيننا أمام شاشات الكمبيوتر ، أو تلتقط خبراً ، أو تغطي مؤتمراً ، ليظل التاكسي هو وسيلتنا الأبرز للتعرف على أخبار المدينة، وسائقو التكاسي كما هو معروف عنهم في كل العالم ثرثارون من الدرجة الأولى ولكنهم في اليمن وتحديداً في عدن يقابلونك ببشاشة، ويتطوعون للإجابة على أي سؤال توجهه لهم عن المدينة وعن النسيج الاجتماعي والوضع الاقتصادي، وتظل الإجابات على كثير من الأسئلة هي نفسها، احتفظ بها لنفسي مرفقة مع صورة جميلة للعروس التي تغتسل من البحر متلاطم الأمواج مرات ومرات، ويغسل أهلها همومهم عليه. في اليمن يحرص الناس على راحتك، وبطيبتهم يسألونك عن مدينتهم (كيف تراها .. عن عدن وكيف تبدو .. وهل ستكرر الزيارة؟) .. أسئلة تنتظر الإجابة. الهاجس الأمني ورحلة الأكفان الزائفة في البداية.. كان هناك الهاجس الأمني الذي جعل بعض الزملاء يقول إنه سيذهب إلى اليمن ومعه "كفنه" كدلالة على أنه يتوقع أن يجد الحرب في كل مكان ، والقتلى يملأون الشوارع، وبعد الوصول إلى عدن، ولأننا لم ننجح في حجز أي فندق، وبسبب أعلام مشابه للذي كان يروج لشكل الحرب المأساوي في شوارع اليمن، انطلقت الأخبار تؤكد أن فنادق اليمن ممتلئة عن آخرها. وبمجرد وصولنا وجدنا البلد تنعم بالسلام ، وبعدها حصلنا على الفندق المناسب لأداء عملنا ، ثم انطلقت البطولة. - الجمهور اليمني عنوان نجاح البطولة كان الهاجس الأول الذي يخشاه الخليجيون في هذه البطولة هو التقاليد التي تعودوا عليها ، وسبل الراحة التي توفر لهم في أي مكان أقيمت به البطولة، كما كان الخوف كبيراً على خلفية الهاجس الأمني أن تخلو مدرجات الملاعب من ملح البطولات وكرة القدم "الجمهور" ولكن ما حدث كان رداً وصفعة لكل من شكك، فقد سجل الجمهور اليمني موقفاً صامداً، وهو يتحدى كل التخرصات، ويتدافع بكلياته من أجل إنجاح البطولة شيباً وشباباً .. رجالاً ونساء .. لم يحضر لتشجيع المنتخب اليمني الذي أحبطه وهو يخسر في الافتتاح برباعية، وإنما قدم لمؤازرة كل المنتخبات المشاركة مجسداً صورة ملحمية نادرة في عالم كرة القدم، شجع الجمهور اليمني كل المنتخبات ورفع أعلامها، وتعصب لها، وأثبت أنه معلم يحب "اللعبة الحلوة"، ويتمتع بها ، صفق لهدف يسجله العراق ، وازداد حماساً والمنتخب الكويتي يسجل التعادل، تعاطف مع المنتخبات التي خرجت، وواصل تشجيعه للمنتخبين المتأهلين للنهائي "السعودية والكويت" حتى النهاية، وحتى قبل المباراة كانت مظاهر التشجيع العالمية التي نراها في كل مدن العالم متوفرة، ففي الشوارع كان الصخب، ورفع أعلام المنتخبين ظاهرة عادية جداً، ولذلك لم يكن غريباً أن ينطلق بأعداد كبيرة عقب نهاية المباراة ليودع البطولة، ويرسم الحرف الأخيرة في لوحة خليجي 20، بألوان زاهية، وكأنه يقول للخليجيين أحسنا استقبالكم، ونحسن الآن وداعكم، ونتمنى أن نراكم في القريب العاجل بعد تغيير الصورة القاتمة التي كنت ترسمونها عنا. - خذلان المنتخب كان الجمهور اليمني قبل انطلاق خليجي 20 يضع آمالاً عريضة على منتخب بلاده، وظلت الآمال تزداد مع كل مباراة ودية يخوضها المنتخب، خاصة وأنه حقق الكثير من الانتصارات على منتخبات كبيرة في القارتين الإفريقية والآسيوية، ولكن بمجرد انطلاق البطولة انطفأت الأحلام، وتبددت الآمال في أن يتحصل المنتخب على نتيجة أفضل مما حاز عليه في البطولات السابقة، فلم يظفر حتى بالنقطة التي تعتبر أفضل انجازاته، ولكنه لم يترك الرقم (1 ) يمر بدون أن يضع بصمته، فكان الهدف الذي سجله في مرمى المنتخب القطري هو حصاده من هذه البطولة. خذل المنتخب الجماهير اليمنية ولكنها بوعي كبير تجاوزت هذه المرحلة بسرعة، وانتبهت إلى دورها الأهم وهو مقابلة التحدي الكبير والهم الذي أرق الجميع وهو إنجاح البطولة، وخاصة من الناحية الجماهيرية، وهذا ما حدث بالتأكيد، ليستحق الجمهور اليمني لقب الأجمل في البطولة، وأثبت بحق أنه اللاعب رقم "1" ليس لمنتخب بلاده فقط ، وإنما لكل المنتخبات. وصحيح أن الحكومة اليمنية بدأت تهتم بالرياضة وبكرة القدم لكننا نتمنى إن يتبع هذا الاهتمام اهتمام بتقصي أسباب الخسارة، وتصحيح الأوضاع التي أدت إلى خسارة الأحمر اليمني على أرضه وبين جمهوره لأن منتخب لديه جماهير تعشق كرة القدم مثل تلك التي تزينت بها مدرجات الملاعب، وازدحمت بها الشوارع لابد، وأن يكون منتخبا قويا ومنافسا.
- كيف سيكون الحال يا عدن أحاول توقع كيف ستكون هي الأمور في مدينة عدن بعد انتهاء خليجي 20، وانفضاض السامر الخليجي، والفوج الكبير من الإعلاميين الذين قدموا من مختلف الدول، أحاول رسم صورة في مخيلتي.. أعتقد أنها ستكون صادقة، فخليجي 20 أسهمت كثيراً في إنعاش أسواق المدينة، ومثل كل الفعاليات الكبيرة فهي تأتي دائماً بالخير، يستفيد منها البائع الصغير ، والتاجر الكبير، سائق التاكسي، صاحب المطعم، صاحب البقالة، وصاحب الفندق، أتساءل كيف سيكون الحال في فندق القصر وعدن وميركيور، أعتقد أن انقضاء البطولة سيترك أثراً كبيراً وفراغاً عريضاً سيحتاج أهل المدينة إلى التعاطي معه رغم صعوبته، وكما تجدنا حزينين لوداعها فمؤكد أن أعين أهلها ستدمع بسبب انقضاء هكذا فعالية لونت شوارع المدينة بالفرح، ودفعت بالحكومة مجبرة أو طوعاً إلى إعادة طلائها وتنظيم وتنظيف شوارعها. - 22 مايو والوحدة من المكتسبات المهمة التي خرجت بها اليمن من البطولة ملعبي 22 مايو بعدن والوحدة في محافظة أبين ، اللذين تم تشييدهما على أرفع مستوى وأصبحا جاهزين لاستقبال كل المنافسات الكروية آسيوية كانت أم خليجية أم محلية، ويفترض أن يسهم هذان الملعبان في وضع أساس جديد لكرة القدم اليمنية ، ولا يوجد سبب لتبدأ من الصفر بوضع برنامج واضح وإستراتيجية بعيدة المدى للاستفادة من المواهب الموجودة مثل الطفلين صقر ومالك اللذين أبهرا الجميع في حفل افتتاح البطولة، وأثبتا موهبتهما العالية في مداعبة الكرة وتطويعها مثل ما يفعل النجوم الكبار ميسي ورونالدينيو وكريستيانو رونالدو، ومن المؤكد أن باليمن تمتلك الكثير من المواهب المقبورة التي لم تجد الفرصة لتبرز إبداعها، ويفترض أن يتم عمل برنامج خاص لرعايتهما بواسطة اتحاد الكرة، وأنا على ثقة بأن هذا الطريق سيجعل اليمن تفاجئ الجميع في البطولات المقبلة بمنتخب مختلف ومغاير عن ما ظلت تظهر به خاصة في البطولات الخليجية التي تعد المنتخبات المشاركة فيها اليمن حصالة للنقاط. صحفي سوداني شارك في تغطية خليجي 20