أزمة المشتقات النفطية العنوان الأبرز هذه الأيام في ربوع البلاد ,والغرابة أن تفتعل هذه الأزمة في ظل أوضاع حساسة جداً كالتي نعيشها اليوم , لتستهدف أخلاق الناس، وتمتحن وعيهم ومستوى رقيهم في التعايش ومصداقية تلاحمهم . المعاناة لن تنتهي عما قريب ولن يجدي التزاحم على محطات الوقود للحصول على بعض لترات في سد حاجة المجتمع ومتطلباته.. مزارع تلف محصولها، ومواصلات تعطلت وأسعار ترتفع بجنون وهلع يلف الجميع. ليس هذا محور تناولنا طالما وكل ذلك واقع عام في كل وطننا الغالي، وإنما ما يشد الانتباه هو تعاطينا مع الأزمة أخلاقياً والدور المطلوب منا كشعب يجب أن يكشف عن وجهه الحضاري وتعامله الراقي مع أزمات تضعه على المحك. "أخبار اليوم" من بين مشاهد عدة عاشت لحظات الصراع حول قطرات البنزين في المحطة الوحيدة في طور الباحة وعلى مدى ثلاثة أيام وخرجت بالآتي: بعد أسبوعين من طول انتظار ولحظات العبث بالناس في السوق السوداء التي وصل فيها سعر الدبة سعة 20 لتراً إلى قيمة 5000 ريال ؛ أي ثلاثة أضعاف سعرها السابق – بعد أسبوعين من الانتظار وصلت الكمية المقررة للمحطة الوحيدة في طور الباحة والمديريات المجاورة " 50" ألف لتر من البنزين فقط في ظل طوابير طويلة للسيارات أمام المحطة وبالمئات منذ أيام على وصول الكمية.. وما إن وصلت قاطرة النقل منتصف الطريق حتى أجبرها مسلحون على العودة إلى عدن ،وبعد مفاوضات أعيدت إلى طور الباحة وباتفاق أن يتم صرف الكميات للسيارات فقط وعلى هذا أجمع الكل وبمباركة محلي المديرية. • الأخلاق تبدلت: بدأ صرف الكميات وبسعر الشركة الرسمي إلا أن الطوابير تتزاحم في هلع غير مبرر طلباً للبنزين.. وبالمقابل واصلت السوق السوداء تصريف كمياتها بالسعر المعتاد 5000 ريال. الظروف المحيطة وغياب الأمن أسالت لعاب كثير من ضعفاء النفوس وبأسلحتهم فرضوا على الناس إتاوات مالية مقابل إشرافهم المزعوم على عملية التعبئة وسرعان ما اختلف أولئك فيما بينهم على تقاسم عائدات الجباية تحت ذريعة التنظيم، بينما استولى أحد المشائخ على مبلغ كبير من الغنيمة. مديرية طور الباحة، سألناه عن تلك العصابات فرد" أولئك عصابات بلطجية لا علاقة لنا بهم، نحن فقط شكلنا لجنة لمتابعة عملية التوزيع وليس للإتاوات". منظر بشع وأنت تراقب أولئك وهم يتصارعون على لعاعة من الدنيا كادت أن تودي بحياتهم .. يشتد الصراع ويتم إيقاف التوزيع، ثم تهدأ الفوضى وتعود من جديد وهكذا والناس يزدحمون ويقطعون الطريق بمركباتهم، بينما الكل يتفرج للمهزلة دون دور أخلاقي ..أخلاق تبدلت ووعي أثبت عدم قدرته على التعامل الجاد مع ما يدور حوله ,غير مدرك أن كميات البنزين لن تكون بديلاً عن الأخلاق والقيم ,فهي أزمة سنتجاوزها ,إلا أن أزمة أخلاقنا لا يمكن أن تتجاوزها بسهولة. ماذا لو كنا عند مستوى المسؤولية جميعاً وتقاسمنا كميات البنزين بعيداً عن الجشع وإثارة الفوضى والزوابع، على حساب أخلاقنا وقيمنا واستقرار بلدنا ؟..دور يجب أن يستشعره الجميع ويسهم فيه الكل بداية من السلطات المحلية وانتهاءً بالمواطن العادي. . • التهدئة ومصلحة البلد: تتباين الرؤى وتشدد حول الحديث عن حكومة وفاق وطني كمشروع تهدئة لما يجري في البلد اليوم , فكثيرون اعتبروها محاولة لكبح جماح الثورة وآخرون يرونها بداية فعلية لتحقيق أهداف الثورة وسيكون لها دور في نضج الثورة وتحقيق أهدافها بالكامل وبالمقابل إن صدق حديث أحد الطرفين تظل مشكلة الخوف من غدر النظام وعدم مصداقيته قائمة طالما وهو من غرس عدم الثقة في قلوب الجميع. يقول وهيب بقيم : التهدئة والحوار مع القائم بأعمال رئيس الجمهورية ليست ضرراً على الثورة بقدر ما هو تعزيز لنضج الثوار وانفتاحهم تجاه الآخر بما يحمي البلاد ويصون عزها. وأردف: هذا الحوار لابد أن يكون متزامناً مع إجراءات عملية على أرض الواقع وعلى سبيل المثال تشكيل حكومة انتقالية أو إنقاذ وطني تتيح المجال لجميع أبناء اليمن في بناء بلدهم وإصلاح ما أفسده النظام. وفي نفس السياق يضيف منصور أحمد ثابت: ثورتنا الشبابية تنفتح مع الآخر بما يحفظ لها ألقها وقوتها، ولكن أي حوارات أو مبادرات تهدئة تسعى لزعزعة الثورة فإنها لا محال ستفشل وستتحول إلى مجرد استهلاك إعلامي. وأضاف : قد يقبل شباب الثورة بعض الحوارات تنازلاً للوطن والشعب, لكنهم لن يقبلوا بأن يتم التعامل معهم بأساليب المكر والخداع وعليه لابد أن تتفهم كل القوى سواءً الداخلية أو الخارجية أن الثورة ستحقق أهدافها كاملة وإن اختلفت عن الطريقة المصرية والتونسية, لكنها ستبعث الأمل وتعيد للأمة مكانتها. أما الأخ/ بسام بقة فقال: قد تحاول بعض الدول البحث عن دور ما بعد الثورة ,لكنها لا محالة ستفشل في فرض التبعية على الناس، الشعب ثار ليكون حراً، ومن غير المعقول أن يتحول من عبودية إلى عبودية.. هذا جانب والجانب الآخر إن أي مساع للتهدئة تتجاوز تضحية الشباب ودمهم المراق على طول وعرض البلد نعتبرها مؤامرة على انتصارات الثورة ومحاولة لإعادتنا للمربع الأول, فالثورة تطهير لا تقبل المساومة أو التراجع. • اعترافات صريحة: منذ أن أعلنت أحزاب اللقاء المشترك تأييدها ودعمها للثورة الشبابية السلمية وجه لها كثيرون نقداً لاذعاً ,بعضه مبرر والبعض الآخر غير مبرر ,إلا أن معظم الانتقادات أعقبت بعض المواقف أو التصرفات الانفرادية لتلك الأحزاب وباسم الثورة, الأمر الذي اعتبره الشباب مزحة للنظام ليجد مزيداً من الوقت في اللعب بالأوراق ..ومن باب الإنصاف فإن أحزاب اللقاء المشترك بقدر مالديها من أخطاء في تعاملها مع الثورة، لكنها أسهمت بشكل كبير في إنجاح الثورة وعلى الأقل حافظت على التعامل العقلاني خدمة للبلد , مع العلم أن النقد لم يكن من جهات محددة بل من كل الأطراف بما فيهم منتمون تلك الأحزاب. وعن الانتقادات الموجهة لأحزاب اللقاء المشترك في التأثير السلبي على مسار الثورة حدثنا وبصراحة الأخ/ فهيم صالح ثابت أحد قيادات أحزاب اللقاء المشترك قائلاً: في اعتقادي أن الثورة ستكون أجمل بدون تدخل الأحزاب التي وبصراحة لا ننكر أنها أثرت سلباً على مسار الثورة إلى جانب التدخلات الإقليمية والدولية والتي نراها اليوم تعمل بشكل كبير على مساعدة النظام ليعيد ترتيب أوراقه. واختتم: أقول للشباب عليكم أن تحسموا أمركم في تأسيس المجلس الانتقالي ورفض أي مبادرات مهما كانت. • لا بد من الحسم: تبقى الانتقادات متواصلة، والتحليلات تستمر وقد تخرج عن مسارها إلى صراع في أشياء هامشية وبالتالي ستكون الانتكاسة , فالفعل الثوري يتطلب حسماً سريعاً وخروجاً من دائرة التعاطي غير الناضج مع قضيتنا الوطنية.. فالثورة لن يخبو وهجها بعد اشتعال وفي نفس الوقت تحتاج لحماية وموقف متجرد من كل شيء إلا من مصلحة الوطن. لن يختلف اثنان على أن الجميع اليوم -أحزاباً وثواراً وقوى وطنية أخرى- يقع على عاتقهم مهمة الحسم السريع لتجنيب البلاد الانزلاق نحو الفوضى والعنف..