صحيح أن السجن مدرسة إصلاح وتهذيب، لكننا في نفس الوقت لا نختلف مع المثل القائل "يا ما بالسجن مظاليم"، فالسجن المركزي بمحافظة إب الذي أحدث قبل عامين ضجة أدت إلى رحيل الإدارة السابقة بفضل الإرادة القوية والشجاعة لبعض السجناء الذين أوصلوا اهاتهم ومعاناتهم إلى عامة المواطنين والجهات الرسمية والمنظمات المدنية والحقوقية، لا يزال نزلاؤه يعانون من معظم تلك السلوكيات والممارسات التي ترتكب داخل السجن وفي مقدمتها التعامل مع المساجين بمعايير مختلفة، ولعل السبب الوحيد لمثل تلك الممارسات هي غياب الدور الرقابي من قبل الجهات المعنية وفي مقدمتها المنظمات المدنية والتي للأسف تتعامل مع انتهاكات الحريات ومصادرة الحقوق وفق معايير حزبية وخلافات شخصية لا علاقة لها بصلب مهامها، هذا إلى جانب قيام الإدارات المتعاقبة على السجن ومن يقف ورائها بتحويل السجن إلى مشروع استثماري خاص بدفع أرباحه للأسف من هم خلف القبضان، طبعاً يحدث هذا عندما نفقد كافة القيم وفي مقدمتها الأخلاق، ورغم التقارير المختلفة التي تؤكد ما أشرنا إليه سابقاً، إلا أن المصالح الشخصية للمستفيدين من هكذا وضع تقف حجر عثرة أمام تلك التقارير وتوصياتها، مادام المتضرر هو سجين وليس شيخاً أو حزباً أو قائداً عسكرياً أو تاجراً، وكانت لجنة مكلفة من مجلي إب قد زارت السجن قبل عامين إبان تلك الاحتجاجات وتطرقت إلى تلك الممارسات التي حولت السجن إلى مشروع استثماري، حيث جاء في التقرير ما يلي: "تصنيف السجناء قدر المستطاع والعمل على فصل أصحاب السوابق ومن يشكلون خطورة اجتماعية عن غيرهم من السجناء وفقاً لقانون السجون ولائحته التنفيذية خلال فترة لا تتجاوز شهر وكذا تشغيل ورشة النجارة وتأهيل السجناء وتدريب من يرغب منهم، أيضاً سرعة إصلاح دورات المياه الحالية في جميع الأقسام بما يجعلها صالحة للاستخدام اللائق والحفاظ على نظافتها باستمرار، أيضاً الاستفادة من بعض الغرف التي تم استغلالها للبقالات والبوافي من خلال إلغاء العقود الجديدة التي أبرمت والاكتفاء ببقالة أو بوفية داخل كل قسم" ونحن هنا نتساءل ماذا لو كانت التغذية التي تقدمها إدارة السجن كافية وصالحة، هل السجين بحاجة إلى تلك البوافي ونظراً لخلافات أصحاب تلك البوافي والبقالات المتواجدة داخل السجن تم إثارة هذا الموضوع، لكن الأمر الواقع يتجاوز ذلك بكثير فهناك أيضاً كبائن الاتصالات المتواجدة داخل السجن والتي صارت كل كبينة تتبع شخصاً معيناً سوى في إدارة السجن أو في مكتب الاتصالات، هذا إلى جانب السماح لبعض السجناء باستخدام التلفون السيار داخل السجن مقابل مبالغ مالية شهرية، وما خفي كان أعظم يمكن الكشف عنها لو كانت منظمات حقوقية فاعلة داخل البلاد، وبالرغم من صدور أكثر من توجيه إلى إدارة السجن بإغلاق البقالات والبوافي المستحدثة في قيادة السلطة المحلية بالمحافظة ووزارة الداخلية ومصلحة السجون وإدارة أمن المحافظة ومنذ أكثر من عام، إلا أن تلك التوجيهات الصريحة والواضحة تصطدم كل مرة بأطماع ومصالح مجموعة أشخاص داخل السجن وخارجه، والأغرب من ذلك كله هي مبررات مدير السجن الحالي لأسباب عدم إغلاق تلك البوافي والبقالات وتنفيذ التوجيهات السابقة الذكر، وفيما يلي مبررات مدير السجن في مذكرته المرفوعة إلى رئيس مصلحة السجون بتاريخ 14/4/2010م والتي جاء ما يلي "إشارة إلى الموضوع أعلاه ورداً على التوجيهات بإزالة البقالات والمقاصف المستحدثة في السجن المركزي بإب في مذكرتكم رقم "1/29/1/11" وتاريخ 17/2/2010 والرقم "1/29/1/34" وتاريخ 5/4/2010م وبناء عليه نود الإحاطة لكم بأن الأمن والنظام في السجن أصبح مهدداً من قبل جميع أصحاب البقالات والمقاصف كون كل طرف أصبح له عصابة داخل السجن تؤثر على سير العمل وتشكل ضغوطات على الإدارة وخطراً على أمن السجن، خاصة بعد الحرب الصحيفة والخلافات بين الإدارة السابقة والمستأجر محمد عصمان قعشة، بما أن الحفاظ على النظام والأمن داخل السجن بات من مسؤوليتنا لذا نقترح إزالة جميع المقاصف والبقالات الموجودة رغم أنها فتحت بعقود رسمية ومعمدة من المصلحة، إلا أن أصحابها يشكلون لهم عصابات من المساجين وأمن السجن لا يقبل ذلك، لذا نرجو التوجيه بإزالة جميع المقاصف والبقالات وتأجيرها لأشخاص آخرين بالشروط التي تكفل الحفاظ على أمن ونظام السجن، هذا رأينا والرأي الأول والأخير لكم".