دائماً أحاول أن أتذكر من الذي «صرعني», دعوة بأن يبليني الله بخلق الله، وبالجيل القادم تحديداً.. ما تزال صوّر حالتي مع طلابي في مدرستي الخاصة التي كنت أعمل فيها ترافقني حتى اللحظة، حين كنت اشعر وأنا معهم أني ارغب في الصراخ "أشتي أبي، أشتي أمي» رغم أن العصا كان جزءاً لا يتجزأ من شخصيتي الفذ! هناك سؤال مازال يلح علي بحثا عن إجابة: هل يغدو العقاب باستخدام العصا وسيلة تربوية ناجحة؟!. ولأني عشت فترة أصنف نفسي من المغضوب عليهم، والعاملين في هذا المجال الذي أصابته لعنة الأرض والسماء ,فإني للحظات نصّبت نفسي مفتية تربوية، واستعرت من علمائنا ومشايخنا بعض طرق لي أعانق النصوص، لتتناسب مع رؤيتي التربوية"الطافحة".. الحمد لله القائل في محكم آياته:"واضربوهن" واستناداً على هذه الآية الصريحة الواضحة؛ فإنه يجوز للمعلم المصفوع على قفاه، والذي يترصده المؤجر والبقال والجزار وفواتير الماء والكهرباء والوايتات، ومصاريف الأولاد؛ يجوز له أن يضرب تلاميذه ضرباً مبرحاً طالما أن نيته هي الوصول بالطالب إلى بر الأمان. وحيث إنه إذا تعارضت مفسدتان قدمت أخفهما ضرراً، وهنا تتعارض مفسدتان؛ الأولى رسوب الطالب وهو ضرر متعدٍ، والثانية هي ضربه وهو ضرر أصغر غير متعد. أما إذا أزهقت روح طالب على يد معلمه، فلا بأس في ذلك، ولا دية وذلك استناداً إلى حادثة الخضر عليه السلام، حين رافقه موسى عليه السلام والمذكورة في القرآن الكريم بقوله تعالى: «حتى إذا لقيا غلاماً فقتله...» وجاء تفسير قتله «وكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا.. » هذا والله المستعان. داخل أسوار المدارس وجدران الفصول الدراسية هناك معارك طاحنة بين المعلم والمتعلم..!. المعلم الذي أنهكته مستلزمات الحياة، والذي يطلب منه بناء أجيال براتب لا يفي بأبسط متطلبات الحياة؛ يدخل ويخرج حارته متخفياً يردد بإيمان منقطع النظير مقالة سيدنا موسى عليه السلام: "وخرج منها خائف يترقب، قال ربي نجّني من القوم الظالمين» وما أن يصل إلى أحضان زوجته حتى يأخذ نفساً عميقاً وهو يقول: «الحمد لله الذي نجّاني من القوم الظالمين" وفي الجهة المقابلة هناك المتعلم طفل لم يعد للأسرة أو المدرسة دور في تنشئته.. فقط التلفزيون هو الأب والأم والمعلم والصديقة والقدوة أطفال الابتدائي والمتوسط اليوم نسخة من "توم وجيري" و"أبطال الديجتال" و"سبيدرمان" و"سوبرمان" فيتحول الفصل الدراسي إلى مكان للمصارعة والقتال. وهنا يأتي دور العصا المشحون «بغلائب المعلم» وصبره وجنون الأطفال الذي صار ظاهرة في جميع المدارس سواء كانت حكومية أم أهلية. في حصة واحدة أتاني عز الدين ماسكاً عينه وقد تورمت، وجاء ماجد ماسكاً ما بين فخذيه، بينما كان أيمن قد سدد ضربة موفقة على أنف زميله أحمد وجعل دمه مهدوراً.. هناك مشكلة حقيقية في ثقافة هذا الجيل. العنف صار لغة يتعامل بها الأطفال، وعندما تصرخ في وجه المذنب: لماذا فعلت ذلك بزميلك؟!.. يرد عليك مبتسماً: هو "صفاط" يا أستاذة.. رؤية الدم صار أمراً عادياً، وتوجيه الركلات واللكمات على أجسادهم صار مزاحاً خفيفاً؛ يتعجب الصغار أن يثير غضب المعلم ويضطره للعقاب. هل يعقل أن يرفع معلم عصاه في وجه طفل مهذب ومنظم وخلفه أسرة بنت جسراً من التواصل بينها وبين المدرسة؟!. إذا كان الأب أصلاً مشغولاً بالبحث عن لقمة العيش أو التسكع في مجالس القات وعلى شاشة الهاتف؛ بينما الأم صارت اهتماماتها كثيرة وعجيبة؛ البشرة النضرة، والشعر الناعم، وتكبير الصدر، وتنحيف الخصر.. و.. و.. والجميع يشارك في بناء الوطن. وهذا الجيل عهدة بين يدي المعلم، الذي «واصلة معه للشيطان الرجيم» ويبقى العصا سيد التعليم. [email protected]