وثائقي "الملف الأسود" .. يكشف عن نهب ممنهج لنفط اليمن    الإمارات تفوز على اليمن في كأس الخليج للناشئين    350 كشاف يشاركون غدا ايقاد شعلة ثورة 26 سبتمبر بميدان التحرير    بحضور فريق التوجيه والرقابة الرئاسي.. غيل باوزير تؤكد تأييدها لقرارات الرئيس الزبيدي والبيان السياسي للانتقالي وتتأهب للأحتفاء بذكرى 14 أكتوبر    مليشيا الحوثي تختطف شيخا في عمران ومعلما في إب بسبب شعار ثورة 26 سبتمبر    مسيرة قادمة من اليمن تستهدف ايلات والاعلام الاسرائيلي يتحدث عن إصابات    عبدالله العليمي يدعو لآليات تمويل مرنة لدعم التنمية في اليمن    تعز.. شقيق الشيخ حمود المخلافي يسلم نفسه بعد ورود اسمه في تسجيل مرئي للمتهم الرئيسي بقتل المشهري    الزبيدي: هدفنا استعادة الجنوب وعضويته، وسنرفع علمنا بالأمم المتحدة قريباً    تسجيل ست هزات أرضية في محافظتي الحديدة وصنعاء    موعد وتاريخ كلاسيكو برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    فعاليات بالبيضاء إحتفاءً بالعيد ال 11 لثورة 21 سبتمبر المجيدة    إنشاء مركز ثقافي يمني في نيويورك بالولايات المتحدة    التدخل في مهام سالم بن بريك، سيشعل فتيل الفوضى غدا    اجتماع للجنة الفنية المشتركة للبرنامج الوطني للطاقة المتجددة بصنعاء    مسيرة حاشدة بجامعة صعدة إحياء لثورة 21 سبتمبر وتأكيداً على نصرة غزة    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة    الحديدة.. وفاة وإصابة 20 شخصا بصواعق رعدية في عدة مديريات    الميناء العدني يشارك في البطولة العربية لكرة السلة بدبي بجهود ذاتية    محافظة مأرب تحتفي بأعياد الثورة بمسيرة شبابية وكشفية بالموسيقى العسكرية    وزير النقل يرأس وفد بلادنا المشارك بأعمال الجمعية العمومية لمنظمة الطيران بكندا    مسيرة لمنتسبي الجامعات بالحديدة دعمًا لغزة    انتقالي زنجبار ينظم ورشة عمل بعنوان "المعالجات والحلول لمكافحة المخدرات والحد من ظاهرة حمل السلاح.    الدفاع المدني في غزة يفيد بمقتل العشرات في غارات إسرائيلية    محافظ شبوة يطلق برنامج تشجيع زراعة القمح في 8 مديريات    جريمة قتل اخرى بتعز ضحيتها امرأة والجاني يلوذ بالفرار    محافظ حضرموت يتفقد سير العمل بمؤسسة الاتصالات في الساحل    حملة لإتلاف المياه المعبأة مجهولة المصدر في المنصورة    العاقل يبحث خطط تطوير المكاتب الإعلامية في العاصمة و3 محافظات    مطالبة بتوفير جهاز غسيل الكلى في مديرية دمت    دراسة تهامية: أبناء المناطق الساحلية هم الأولى بحمايتها عسكريا    الأرصاد: أمطار رعدية على أجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    السبت إجازة في صنعاء والأحد في عدن    عمار المعلم .. صوت الوطن وروح الثقافة    رئيس إعلامية الإصلاح يعزي الكاتب الصحفي حسين الصوفي في وفاة والده    منظمة أمريكية: لدى القوات المسلحة اليمنية ترسانة عسكرية تهدد أسرائيل    المعرفة القانونية للمواطن تعزز العدالة وتحمي الحقوق    بلباو وإسبانيول يكتفيان بالتعادل أمام جيرونا وفالنسيا    حضرموت.. تفريق وقفة احتجاجية للتربويين بالقوة واعتقال قيادات نقابية    الليغا: ريال مدريد يواصل انطلاقته الصاروخية بفوز سادس على التوالي    جمعية الصرافين بصنعاء تعمم بإيقاف التعامل مع شركة صرافة    رئيس هيئة الإعلام والثقافة يبحث مع مركز اللغة المهرية آفاق التعاون المشترك    علامات تحذير مبكرة.. 10 أعراض يومية لأمراض القلب    القسام تدعو لركعتين (ليلة الجمعة) بنية الفرج لمرابطي غزة    المساوى يدّشن مشروع التمكين الاقتصادي لأسر الشهداء    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين وممثلي القطاع الخاص خلال اليوم المفتوح    البقوليات وسيلة فعّالة لتحسين صحة الرجال والتحكم في أوزانهم    نائب وزير المياه يبحث ترتيبات إحياء يوم اللغة المهرية    إلى أرواح أبنائي الشهيدين    منارة عدن المنسية.. إعادة ترميم الفندق واجب وطني    صحة بنجلادش : وفاة 12 شخصًا وإصابة 740 آخرين بحمى الضنك    الراحلون دون وداع۔۔۔    السعودية تسرق لحن زامل يمني شهير "ما نبالي" في عيدها الوطني    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    على خلفية إضراب عمّال النظافة وهطول الأمطار.. شوارع تعز تتحول إلى مستنقعات ومخاوف من تفشّي الأوبئة    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    في محراب النفس المترعة..    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل الإمام الشهيد حسن البنا (الحلقة الثالثة والثلاثون)
نشر في أخبار اليوم يوم 31 - 08 - 2012

وقد يقال إن الجهر بالعودة إلى نظام الإسلام مما يخيف الدول الأجنبية و الأمم الغربية , فتتألب علينا وتتجمع ضدنا , ولا طاقة لنا بهم ولا قدرة لنا عليهم , وهذا منتهى الوهن وغاية الفساد في التقدير وقصر النظر .. وها نحن أولاء نرى هذه الدول وقد سايرناها في نظمها , وأخذنا بألوان حياتها , واتبعناها في تقاليدها , فهل أغنى ذلك عنا شيئا ؟! وهل دفع من كيدها ؟ وهل منعها من أن تحتل أرضنا ، وتسلب استقلالنا وتستأثر بخيرات بلادنا ، ثم تتجمع في كل مؤتمر أو مجتمع دولي ضد حقوقنا وتثير المشكلات والصعاب والعقبات في وجوهنا , ولا تتأثر إلا بشيء واحد هو ظروفها ومصالحها فقط ، ولا يعنيها بعد ذلك إلا أنها نصرانية, فقد رأيناها في الحرب الماضية يحطم بعضها بعضا , وكلها مسيحية , وتتملق مع هذا دول الإسلام وأممه وشعوبه , وتتزلف إليه بمعسول وحلو الحديث , وهاهم أولاء جميعا يناصرون الصهيونية اليهودية وهى أبغض ما تكون إليهم لارتباط مصالحهم المادية وأغراضهم الاستعمارية بهذه المناصرة . وقد أصبح هذا المعنى معلوما في تصرفات كل الساسة الغربيين.
إذن فلن يجدينا شيئا عندهم أن نتنصل من الإسلام , ولن يزيدهم فينا بغضا أن نعلن التمسك به والاهتداء بهديه , وبخاصة وهم الآن معسكران مختلفان متنافسان على المصالح المادية وحدها.
ولكن خطر التنصل من الإسلام والتنكر له عظيم على كياننا نحن , فما دمنا بعيدين عن تشرب روحه وتحقيق تعاليمه , فسنظل حائرين فتتحطم معنوياتنا . متفرقين فتضعف قوتنا . ولو أخذنا بالحزم وأعلناها صريحة واضحة : أننا معشر أمم الإسلام لا شيوعيون ولا ديمقراطيون ولا شئ من هذا الذي يزعمون ، ولكننا بحمد الله مسلمون ، لارتسمت أمامنا توا طريق الهداية والنور ، ولجمعتنا كلمة الإسلام , ووحدت بيننا وبين إخواننا جميعا في أقطار الأرض ... وفى ذلك وحده – ولا شئ غيره – القوة والمنقذ أمام هذا العدوان الغربي الاستعماري الجارف الذي يهددنا في كل مكان .
وخلاصة هذا الكلام في إيجاز : أننا إذا لاحظنا غضب الغربيين ورضاهم في تمسكنا بالإسلام أو بعدنا عنه ، فليس لهذا من معنى إلا أننا إن لم نتمسك بالإسلام فلن نكسب رضاهم وسنخسر أنفسنا ، في حين أننا إذا تمسكنا به وتجمعنا من حوله واهتدينا بهديه كسبنا أنفسنا ولا شك . وكان هناك احتمال قوى أن نكسبهم أيضا بتأثير قوة الوحدة فأي الرأيين أولى بالاتباع يا أولي الألباب ؟ !
أما اعتراض الأقليات الغير مسلمة فقد أشرنا إليه من قبل ولا نريد أن نطيل فيه القول اليوم , فالأمر أوضح من أن يكون موضع مراء .
إنه ليس أمام الأمم الإسلامية اليوم إلا هذه الفرصة ، وإن الدول الغربية تدرك هذا تماما ، فهي تشغلنا بأنفسنا ، وتزيدنا حيرة على حيرة . وليس في الوقت متسع للتردد , وإن تبعة من لا يعلم في عنق من يعلم ، ولا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم .
فيا رئيس الحكومة ... ويا رجال الأزهر الشريف...
ويا أعضاء الجماعات والأحزاب ويا ذوى الغيرة على هذا الوطن .
ويا أبناءه جميعا ... إليكم أقول :
عودوا إلى الإسلام تغنموا وتسلموا : (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) (النور:51) .
ألا قد بلغت ... اللهم فاشهد
قضيتنا الوطنية في ضوء التوجيه الإسلامي
حقوقنا الوطنية معروفة ، أعلنتها الأمة بكل وضوح وجلاء على لسان أحزابها وهيئاتها وجماعاتها وأفرادها في كل المناسبات ، وهى : تحقيق وحدة وادي النيل جنوبه وشماله , وجلاء القوات الأجنبية عنه جميعا , لتتم بذلك حريته واستقلاله .
والإسلام الحنيف يعلن الحرية ويزكيها ، ويقررها للأفراد والأمم والجماعات بأفضل معانيها ، ويدعوهم إلى الاعتزاز بها والمحافظة عليها ، ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم : (من أعطى الذلة من نفسه طائعا غير مكره فليس منى) . وهو يحارب هذه اللصوصية الدولية التي يسمونها الاستعمار بكل ما فيه من قوه ، ولا ترضى تعليمها أبداً بأن تسود أمة أو يرهق شعب شعباً آخر ، ولا تزال كلمة عمر الفاروق رضى الله عنه ترن في الأذن حين قال لعامله عمرو بن العاص : (متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً) .
ويوم حمل الفاتح المسلم سيفه على عاتقه ، وانطلق غازياً في أراضى الله لم يكن يرجوا من وراء ذلك مغانم دنيوية ، ولم يكن يتطلع إلى خيرات الأمم والشعوب ليستأثر بها دونها وإن امتلأت يداه منها بغير قصد منه .. ولكن كان يؤمن بدعوته ويحمى رسالته ، ويحمى في العالم مبادئ الحق والعدل والسلام وتاريخ الصدر الأول من أئمة المسلمين الراشدين المهديين – وهم الحجة للإسلام – يعطيك هذه الصورة بنية المعالم ، واضحة الحدود .
والإسلام مع هذا يعتبر الأمة الإسلامية أمينة على رسالة الله في أرضه ، وله في العالم مرتبة الأساتذة – ولا نقول مرتبة السيادة – بحكم هذه الأمانة ، فلا يسمح لها أن تذل لأحد ، أو تستعبد لأحد ، أو تلاين قناتها لغامز أو تخضع لغاصب معتداً أثيم : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء:141) .
ويوم قرر الإسلام هذا ، قرر الطريق العلمي لحماية هذه الحرية . فافترض الجهاد بالنفس والمال ، وجعله فرض كفاية لتأمين الدعوة ، وفرض عين على كل أبناء الأمة لرد العدوان على الوطن إذ واجهته قوات الغزاة من غير المسلمين ، وجعل الشهادة أعلى مراتب الإيمان , ووعد المجاهدين النصر و التأييد في الدنيا , والخلود والبقاء والنعيم المقيم في الآخرة ، وأعلن أن الجهاد أفضل الأعمال بعد الإيمان , (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ , يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ , خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة:20-22) .
ومع هذا فقد رحب الإسلام بالوسائل السلمية وإنهاء الخصومة متى أدت هذه الوسائل إلى الاعتراف بحق الكمال لأصحابه , (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (لأنفال:61) . وما خير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن محرماً , ومن السلم المفاوضة إذا أوصلت إلى الحق الكامل , وقد فاوض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية , ومن السلم التحاكم إذا أدى إلى هذا الحق أيضاً . وإن كنا لا نعلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو أحد من الخلفاء الراشدين المهديين رضي بتحكيم كافر . ولكنه مقتضى عموم الآية , ولازم الاتفاق على الخير ، الذي لا يمنعه الإسلام بين المسلمين وغيرهم متى كان فيه مصلحة لهم وليس فيه ضرر عليهم .
فإذا فشلت هذه الجهود السلمية فإن رأى الإسلام صريح في (النبذ) الذي يتضمن إعلان الخصومة ، ثم الأخذ تواً بكل وسيلة من وسائل الجهاد : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ , وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ , وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) (لأنفال:58-60) .
وقد وعد الله المجاهدين للحق أن يدافع عنهم ، وينصرهم لا محالة على أعدائهم مهما يكن عدوهم كامل الأهبة ، عظيم العدد ، مرموق العدة ، قوى الوسائل ، وعليهم ألا يعبأوا بذلك ، وإن يعتمدوا على الله وحده , (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم:47) , هذه الأحكام جميعاً مقررة في الإسلام يعرفها بتفصيل أوسع واستدلال أقوى وأدق وأحكام كل من نهل من معينه , وأخذ بحظ من الفقه فيه , وعلى ضوئها نستطيع أن نحل قضيتنا الوطنية التي وصلت إلى حد من الارتباك , واضطربت الأذهان , وإليك بيان بذلك :
لقد فاوضنا فلم نصل إلى شيء لتعنت الإنجليز وتصلبهم ومناورتهم .
واحتكمنا فلم نصل إلى شئ ، كذلك أمام تغليب المصالح الدولية والمطامع الاستعمارية , ولقد قال كاتب فاضل : أننا وصلنا إلى كسب أدبي عظيم بالدعاية الواسعة لقضيتنا بطرحها أمام أنظار العالم كله ، وإخراجها من حيث التفاهم الثنائي الضيق , إلى حيز التحاكم الدولي الواسع ، وذلك صحيح ولكن هذا الكسب الأدبي لم يغنى عن الحقيقة الواقعة شيئا ، وهى أننا مازلنا مع الإنجليز حيث كنا لم نقدم خطوة , بل أن هذا الركود كان مدعاة إلى التساؤل والبلبلة .
لم يبقى إذاً إلا (النبذ على سواء) بأن نعلنهم بالخصومة الصريحة السافرة ، ونقرر في صراحة إلغاء ما بيننا وبينهم من معاهدات واتفاقات , ونعلن اعتبارا أمة وادي النيل معهم في حالة حرب - ولو سلبية - وننظم حياتنا على هذا الاعتبار .
اقتصادياً : بالاكتفاء والاقتصار على ما عندنا وعند إخواننا من العرب والمسلمين والدول الصديقة إن كانت.
واجتماعياً : تشجيع روح العزة والكرامة وحب الحرية .
وعلمياً : بتدريب الشعب كله تدريباً عسكرياً حتى يأتى أمر الله.
وتهيأ نفوس الشعب لذلك بدعاية واسعة تامة كاملة ، كم تفعل الأمم إذا واجهت حالة الحرب الحقيقية ، وتتغير كل الأوضاع الاجتماعية على هذه الأساس .
وهذا العمل لا يتسنى للأفراد ولا للهيئات ابتداء , ولكن الحكومة هي المسئولة عنه أولاً وأخيراً ، فأما الشعب نقولها في صراحة ووضوح وثقة ، أنه على أتم استعداد لبذل كل شيء لو سلكت الحكومة هذا السبيل ، إنه مستعد ليجوع ويعرى … وليموت ويناضل ، ويكافح بأشد النضال والكفاح .. ولكن على شريطة أن يكون ذلك في سبيل حريته واستقلاله لا في سبيل ارتباك اللجان الحكومية ، وضعف الوسائل الإدارية والتخبط في السياسة الاقتصادية والوقوف أمام مكائد الإنجليز وضغطهم موقف المستسلمين العاجزين .
لقد سمعت عاملا فقيرا يقول حين صدرت الأوامر بخلط الخبز : إنني مستعد أنا وأولادي أن نأكل كل يوم مرة واحدة , إذا وثقنا من أن هذا في سبيل الحرية والتخلص من الإنجليز , ولكنني ساخط كل السخط لأني لا أفهم لماذا نلجأ إلى هذا الخلط ونحن بلد زراعي أعظم محصوله المواد الغذائية؟!
فالشعب على أتم استعداد للبذل , ولكن في الطريق واضحة مرسومة تؤدى إلى الحرية أو الشهادة , بقيادة حكومة حازمة ترسم له في قوة وإخلاص مراحل هذا الطريق , أما إذا استمرت الحكومة في ترددها وتراخيها واضطرابها ، فلن يؤدى ذلك بالشعب إلا إلى أحد أمرين ، إما أن يثور ، وإما أن يموت ، و كلاهما جريمة وطنية لا يغتفرها أبداً التاريخ .
فيا دولة رئيس الحكومة ..
ويا رجال الأزهر الشريف ..
و يا زعماء الهيئات والأحزاب ..
ويا ذوى الغيرة على هذا الوطن ..
ويا أبناء الأمة جميعا :
هذه هي الطريق فاسلكوها في ضوء الإسلام والله معكم .
ألا قد بلغت .. اللهم فأشهد
وحدتنا في ضوء التوجيه الإسلامي
وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ
بالأمس وضعت بين يدي قومي وفي قضيتنا الوطنية الخاصة ، توجيه الإسلام الذي هو أخصر الطرق كلها حلاً حاسما كريما ، والذي لا يعدوا النبذ بالخصومة ، وإعداد وسائل الجهاد , ومتى فعلنا ذلك , فقد خرجنا ولا شك من هذه الحيرة ، ووجدنا الجواب الصحيح لهذا السؤال الذي يتحرك به كل لسان ، ويتردد في خاطر كل مواطن : ماذا نعمل الآن ؟ .
والحق أننا لا نحار لأننا لا نريد أن نفعل شيئا , ونهرب من تبعات العمل , ونفر من ثقل التضحيات وتكاليف الكفاح ، ونلتمس اللين والسهولة دائماً ، ولا نفكر في سواهما , ونتصور أن الحرية والاستقلال يهبطان من السماء بغير عمل , والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ، ولا تفيض بحرية أو استقلال .. ولو كنا جادين حقيقة في الطلب ، لسرنا في الطريق بعد أن عرفنا في كلمتين اثنين (ننبذ ، ونجاهد) ، والنصر بعد ذلك من عند الله .
والآن أعرض لموضوع آخر يتصل بقضيتنا الوطنية العامة ، التي تنتظم قضايا الأمة العربية بمختلف شعوبها والعالم الإسلامي كله , لنرى كيف تحل هي الأخرى في ضوء توجيه الإسلام الحنيف .
معلوم أن الإسلام رسالة عالمية جاءت لخير الأمم والشعوب جميعاً ، لا فرق بين عربي أو عجمي أو شرقي أو غربي : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1) . ولهذا دعا إلى القضاء على الفوارق الجنسية والعنصرية ، و أعلن الأخوة الإنسانية ، ورفع لواء العالمية بين الناس لأول مرة في تاريخ البشرية : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) .
ومعلوم أن الإسلام كذلك قد قرر من باب الأول أقوى معاني الأخوة بين المؤمنين به والمنتسبين إليه والمعتقدين لرسالته ، حتى جعل الأخوة معنى من معاني الإيمان ، بل هي أكمل معانيه : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10) , (المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه) ، (ومثل المؤمنين فى توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) , (والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضهم بعضا) .
ويوم واجه المسلمون العالم كله صفاً واحداً وقلباً واحداً في ظل هذه الأخوة الصادقة الحقة ، لم تلبث أمامهم ممالك الروابط الإدارية أو السياسية المجردة ساعة من نهار ، وانهزم أمامهم – بغير نظام – الروم والفرس على السواء . وكونوا إمبراطورية ضخمة تمتد من المحيط إلى المحيط ، ذات علم وحضارة ، وقوة وإشراق .
ويوم غفلوا عن سر قوتهم , ولم يأخذوا بهدى كتابهم : (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (لأنفال:46) , ودب إليهم داء الأمم من قبلهم من تغليب المصالح المادية الزائلة على الاخوة الإيمانية الباقية … تمزقت هذه الإمبراطورية أيدي ابن سبأ , ولعبت بها المطامع الخارجية والداخلية ، وانتهى أمرها مؤخراً بعد الحرب العالمية الأولى إلى الانهيار ، والوقوع في أسر خصومها من غير المسلمين , الذين احتلوا أرضها ، وملكوا أمرها , وتقاسموها فيما بينهم ، وظنوا أنه قد انتهى أمر الإسلام وختمت الحروب الصليبية أفضل ختام .
وكانت الدسيسة الكبرى التي اقتحمت على المسلمين عقولهم وقلوبهم أولاً ، ثم أراضيهم وبلادهم ثانياً ، هي تأثرهم بالعنصرية والشعوبية ، واعتداد كل أمة منهم بجنسها ، وتناسى ما جاء به الإسلام من القضاء على عصبية الجاهلية والتفاخر بالأجناس والألوان والأنساب .
وقد انتهت الحرب العالمية الثانية , التي قضت على العنصريات الحديثة في أوربا ، عنصرية النازية والفاشية ، فرأينا بعدها الدول الأوربية الكبرى تسعى سعياً حثيثاً إلى التجمع والتكتل ، باسم العنصريات تارة , والمصالح تارة أخرى .. فروسيا تحاول أن تجمع العنصر الصقلبى بكل شعوبه تحت لواء الاتحاد السوفيتي , وإنجلترا وأمريكا تتجمعان باسم الجنس واللغة ، ثم تتقاسمان بعد ذلك أمم العالم ومناطق النفوذ في الأرض باسم المصالح والضروريات الحيوية , وتستر هذا التنافس بينها بتكوين هيئة الأمم المتحدة لتوهم الناس أنها تزكى العالمية ، وتعمل لخير بنى الإنسان , كما رأينا هذه الدول نفسها تتجمع ضد حقوقنا الوطنية ، وتخذلنا في كل قضية من قضايانا الجوهرية , سواء عرضت على مجلس الأمن أم في هيئة الأمم المتحدة , كما حدث في قضية مصر , وفى قضية فلسطين , وفي قضية إندونيسيا .
نحن أمام كل هذه الأوضاع العالمية الجديدة ، وأمام تشابه قضايانا ، فهي كلها قضية واحدة معناها استكمال الحرية والاستقلال , وتكسير قيود الاستغلال والاستعمار .. ولا بد أن نلجأ من جديد إلى ما فرضه الإسلام على أبناءه منذ أول يوم ، حين جعل الوحدة معنى من معاني الإيمان … يجب أن نتكتل ونتوحد . وقد بدأنا بالجامعة العربية ، وهى وإن كانت لم تستقر بعد الاستقرار الكامل ، إلا أنها نواه طبية مباركة على كل حال ، فعلينا أن ندعمها ونقويها ، ونخلصها من كل ما يحيط بها من عوامل الضعف والتخلخل . وعلينا أن نوسع الدائرة حتى تتحقق رابطة أمم الإسلام – عربية وغير عربية – فتكون نواه (لهيئة الأمم الإسلامية) بأذن الله … وبهذه الطريقة ، والتي ستضيف إلى وسائلنا الخاصة بكل أمة ، من النبذ والجهاد معنى آخر من معاني القوة , وهي الوحدة والتجمع ، نستطيع أن نتخلص ، وأن نحفظ التوازن العالمي بين الأمم الطامعة ، والدول المتنافسة على المغانم والحطام .
والمسؤول عن تحقيق هذه الخطوات ، الحكومات العربية والإسلامية جميعاً ، وكل دعاة الإصلاح في هذه الشعوب من رسميين وأهليين . واليوم أوجه النداء : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103) .
ألا قد بلغت .. اللهم فاشهد .
حسن البنا
نظام الحكم
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ
الحكومة في الإسلام
يفترض الإسلام الحنيف الحكومة قاعدة من قواعد النظام الاجتماعي الذي جاء به للناس ، فهو لا يقر الفوضى ، ولا يدع الجماعة المسلمة بغير إمام ، ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه : (إذا نزلت ببلد وليس فيه سلطان فارحل عنه), كما قال في حديث آخر لبعض أصحابه كذلك : (إذا كنتم ثلاثة فأمروا عليكم رجلا) .
فمن ظن أن الدين – أو بعبارة أدق الإسلام – لا يعرض للسياسة ، أو أن السياسة ليست من مباحثه ، فقد ظلم نفسه ، وظلم علمه بهذا الإسلام ولا أقول ظلم الإسلام فإن الإسلام شريعة الله لا يأتيها الباطل من بين يده ولا من خلفه .. وجميل قول الإمام الغزالي رضى الله عنه : (اعلم أن الشريعة أصل ، والملك حارس ، وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع) فلا تقوم الدولة الإسلامية إلا على أساس الدعوة ، حتى تكون دولة رسالة لا تشكيل إدارة ، ولا حكومة مادة جامدة صماء لا روح فيها , كما لا تقوم الدعوة إلا في حماية تحفظها وتنشرها وتبلغها وتقويها .
وأول خطئنا أننا نسينا هذا الأصل ففصلنا الدين عن السياسة عملياً , وإن كنا لن نستطيع أن نتنكر له نظرياً فنصصنا في دستورنا على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام , ولكن هذا النص لم يمنع رجال السياسة وزعماء الهيئات السياسية أن يفسدوا الذوق الإسلامي في الرؤوس ، والنظرة الإسلامية في النفوس , والجمال الإسلامي في الأوضاع ، باعتقادهم وإعلانهم وعملهم على أن يباعدوا دائما بين توجيه الدين ومقتضيات السياسة ، وهذا أول الوهم و أصل الفساد .
دعائم الحكم الإسلامي
والحكومة في الإسلام تقوم على قاعدة معروفة مقررة ، هي الهيكل الأساسي لنظام الحكم الإسلامي .. فهي تقوم على مسؤولية الحاكم ووحدة الأمة واحترام أرادتها ولا عبرة بعد ذلك بالأسماء والأشكال .
مسئولية الحاكم :
فالحاكم مسئول بين يدي الله وبين الناس ، وهو أجير لهم وعامل لديهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ، وأبو بكر رضى الله عنه يقول : عندما ولى الأمر وصعد المنبر: (أيها الناس ، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم ، فأنا الآن أحترف لكم ، فافرضوا لي من بيت مالكم) . وهو بهذا قد فسر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير ، بل هو وضع أساسه , فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة , فإذا أحسن فله أجره , وإن أساء فعليه عقابه .
وحدة الأمة :
والأمة الإسلامية واحدة , لأن الأخوة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصل من أصول الإيمان لا يتم إلا بها ولا يتحقق إلا بوجودها . ولا يمنع ذلك حرية الرأي وبذل النصح من الصغير إلى الكبير ، ومن الكبير إلى الصغير ، وذلك هو المعبر عنه في عرف الإسلام ببذل نصيحة ، والأمر المعروف النهى عن المنكر ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الدين النصيحة) ، قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) وقال : (إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها) ، وفي رواية : (وبطن الأرض خير لهم من ظهرها) ، وقال : (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) .
ولا تكون الفرقة في الشؤون الجوهرية في الأمة الإسلامية ، لأن نظام الحياة الاجتماعية الذي يضمها نظام واحد هو الإسلام ، معترف به من أبنائها جميعاً . والخلاف في الفروع لا يضر ، ولا يوجد بغضا ولا خصومة ولا حزبية يدور معها الحكم كم تدور .. ولكنه يستلزم البحث والتمحيص والتشاور وبذل النصيحة , فما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه وما لا نص فيه فقرار ولى الأمر يجمع الأمة عليه وهى شيء بعد هذا .
احترام إرادة الأمة :
ومن حق الأمة الإسلامية أن تراقب الحاكم أدق مراقبة ، وأن تشير عليه بما ترى فيه الخير , وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها , وأن يأخذ بالصالح من آراءها , وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159) . وأثنى به على المؤمنين خيرا فقال : (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) (الشورى:38) .
ونصت على ذاك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهدين من بعدهم .. إذا جاءهم , أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم ، بل أنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثونهم عليه . فيقول أبو بكر رضى الله عنه : (فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أو قوموني) , ويقول عمر بن الخطاب: (من رأى فيّ اعوجاجاً فليقومه) .
(والنظام الإسلامي) في هذا لا يعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحققت هذه القواعد الأساسية التي لا يكون الحكم صالحاً بدونها , ومتى طبقت تطبيقاً يحفظ التوازن ولا يجعل بعضها يطغى على بعض , ولا يمكن أن يحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم ، وإن في المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة ، وهو ما يعبرون عنه فالاصطلاح الحديث (بالوعي القومي) أو النضج السياسي أو (التربية الوطنية) أو نحو هذه الألفاظ ، ومردها جميعاً إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلاحية النظام ، والشعور بفائدة المحافظة عليه … إذ أن النصوص وحداها لا تنهض بأمة كاملة كما لا ينفع القانون إذا لم يطبقه قاضٍ عادل نزيه .
ونحن في حياتنا العصرية قد نقلنا من أوربا هذا النظام النيابي الذي تعيش في ظله حكوماتنا الآن , ووضعنا دستورنا على أساسه ، وتغيير هذا الدستور مرة باسمه كذلك ، وجربنا الكثير من آثاره ، فإلى أي مدى ينطبق هذا النظام على الإسلام ؟ وإلى أي مدى كانت فائدتنا منه طوال هذه المدة ؟
ذلك ما سنعرض له إن شاء الله .
مسؤولية الحاكم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.