يخيم الرعب على المحافظة "المسالمة"، فيما يخلو كورنيش الساحل العزبي لمدينة الحديدة من الزوار والمتنزهين، تغادر الأسماك البحر الأحمر، على مقربة من فوهات بنادق القناصة المتمركزين على أسطح فلل في حي الكورنيش وحارة اليمن. "حراك تهامي"، بدأ متأخراً، وجاء عاصفاً وعنيفاً من حيث لا يحتسب أحد، حتى أبناء تهامة أنفسهم باغتهم العنف المتحرك، على حين عرة. تعد الحديدة التي تضم 26 مديرية ثاني محافظة يمنية من حيث السكان، والأولى من حيث إنتاج المحاصيل الزراعية وحركة النشاط التجاري والاقتصادي على شريط ساحلها الطويل ومينائها الهام، لكن سلة اليمن الغذائية الكبرى لم تسد رمق أبنائها الحقيقيين، إذ تعرضت وعلى مدار النظام الفائت إلى عمليات نهب وسطو منظمة، على يد نافذين في الدولة ومشائخ مؤتمريين، يقبضون على عروس البحر الأحمر بقيد من حديد ويتقاسمون الوديان والمزارع، حيث تمتلك عائلة الرئيس صالح معظمها. يقول شهود عيان ومواطنون من أبناء الحديدة إن أسطح المنازل التي أطلقت منها فوهات بنادق القناصة على رؤوس مسيرات ثوار الحرية والتغيير في2011م هي ذاتها من يطل منها الموت مجدداً في حمأة الحراك التهامي، الذي يتهم قياديون فيه جهات أخرى في حرفه عن سياقه السلمي أو محاولة ذلك، ورغماً عن أهميتها الاستراتيجية ودورها الرافد للتنمية والاقتصاد الوطني بسخاء يتصدر الأولوية من بين محافظات اليمن، ظلت الحديدة عرضة للنهب ومغرية لكثيرين من مسؤولي الدولة وشخصيات عسكرية وأمنية، في افتراسها بسهولة وبدون تداعيات صدام مسلحة، فعروس البحر الأحمر، مسالمة إلى حد أسال لعاب ذئاب الجبل. "إنه حراك طفافحة تهامة" يقول أحد المواطنين الذي يشير بأصبع الاتهام إلى شخصيات تهامية نافذة، ومن فلول نظام صالح السابق، في أنهم وراء جرائم العنف والاعتداءات المسلحة التي أرعبت فرائص عروس الأحمر، وأرعبت الناس. واصفاً المشائخ "الفاشق وبورجي ومزرية وشريم"، وهم أكثر أتباع النظام الساقط ولاءً له، على قائمة المتهمين فيما تشهده الحديدة هذه الأيام من رعب وعنف؛ يستنكر كثير من أبناء تهامة، الذين مازالوا يؤكدون على سلمية مطالبهم، وإرثهم التاريخي في السلم الاجتماعي ونبذ السلاح والعنف، ويضع تهامي آخر، متبرم من الوضع الطائش الذي يسود محافظته حالياً يضع خالد خليل ضمن لائحة من يقفون وراء فوهات بنادق تحمل اسم "المشير" وتتربص بأمن وحياة السكان وراء ستارة الحراك التهامي، الذي مازال العنف يرافق سكناته وحركاته، وخاصة في قلب مدينة الحديدة. صحفي وناشط حقوقي في الحديدة فضل عدم ذكر اسمه، لأسباب لم تعد مجهولة تحدث ل"أخبار اليوم" عن تصدع متفاقم داخل نطاق الحراك الذي بدأت بعض الشخصيات القيادية فيه فك ارتباطها به بعد دخول جهات وأشخاص لا يمثلون القضية التهامية ، لكنهم نجحوا إلى حد كبير في صرف بوصلته عن مساره الطبيعي وسياقه السلمي، ويتحدث حراكيون تهاميون عن وقوع الحراك وبشكل كلي تحت سطوة عبد الرحمن ترسي الذي يرجح انتماؤه إلى الحوثيين وتقول معلومات إنه هو من يدير كل أعمال العنف وفوهات البنادق المطلة من نوافذ الحراك التهامي. المطار.. الشرارة يوليو2012م دق مدير عام مطار الحديدة/صالح أحمد الذيب، جرس الإنذار، من أن مطار الحديدة قد يغلق نهائياً ويفقد صفته الدولية.. وجاء هذا الإنذار إثر تزايد عمليات البسط والسطو على أراضي حرم المطار، إلى مقربة أمتار من المدرج. وتحت تجاهل رسمي لا يستبعد حراكيون تهاميون كونه تواطؤاً لبسط نافذين في الدولة والمحافظة وضباط في القاعدة الجوية والقوات والشرطة الجوية أياديهم على مساحات واسعة من المطار، ونصبوا هناك عششاً ومباني عشوائية، كما قاموا بشق طرقات رملية، بعد مسح المساحة بالشيولات (لفرض الأمر الواقع) بحسب الذيب. وفي أكتوبر الماضي، أعلمن رئيس اللجنة الرئاسية الخاصة بحرم المطار اللواء الركن/أحمد الأشول رئيس هيئة الأركان العامة أن اللجنة باشرت إجراءات النزول الميداني، لبدء إزالة كافة الاستحداثات والمخالفات الواقعة داخل حرم مطار الحديدة، ووضع حد لأي مظاهر البسط على أراضي المطار. فقضية مطار الحديدة ليست طارئة فالنظام السابق يتهمه تهاميون بتلاعبه بالقضية وأنه اليد الطولي وراء ما شهدته الحديدة من نهب وسطو وبسط على أراضيها، وتقاسمها بين نافذين، وبالرغم من توجيه القيادة السياسية الجديدة بتطهير حرم المطار، من ناهبيه إلا أن ما يدور على أرض الواقع عكس ذلك تماماً، ففي حين حصل الناهبون على تعويضات بمليارات الريالات، تعرضت قرية "منظر" الواقعة على مقربة من مطار الحديدة لما يقول عنه منظمات حقوقية وتقرير الجهاز المركزي والملتقى الوطني لحقوق الإنسان (N.H.F.R) إنه جرائم تطهير وإبادة بحق التهاميين القاطنين قرية منظر شمال الحديدة، بدلاً من تعويض هذه القرية من 300معاد، وهبتها أواخر السبعينات لبناء ميناء جوي. ويتهم الحراك التهامي، اللجنة الرئاسية الخاصة بمعاجلة أوضاع المطار، أنها شكلت لامتصاص الغضب التهامي في بداية اندلاع شرارته الأولى، فيما يتحدث الملتقى الوطني لحقوق الإنسان عن جملة انتهاكات وجرائم إنسانية طالت أبناء قرية "منظر" بعد يومين من اجتماع مجلس الوزراء في الحديدة، فبراير الماضي، وهو الاجتماع الذي يصفه أهالي "منظر" بالممتوت ويعتبره المحلل السياسي/عبد الباري طاهر سبباً رئيسياً في اندلاع شرارة الحراك التهامي، التي يرتفع أوارها بتسارع مخيف. قتلى وجرحى .. واعتداءات على منشئات حكومية .. وتوجيهات رئاسية باحتواء الوضع الحديدة تشتعل أسبوع منذ أصبحت الحديدة تعيش حالة من الغليان والفوضى والصدامات، أطرافها الأمن والسلطة المحلية من جهة وما بات يطلق عليه بالحراك التهامي، فالأحداث، التي شهدتها محافظة الحديدة منذ يوم الخميس الماضي والذي وقعت في ميناء الاصطياد بالحديدة وحارة اليمن (على ساحل الحديدة) وكان سببها قيام الصيادين باحتجاز سفينة صيد مصرية (النجم الذهبي) والتي قالوا إنها تعمل على جرف الشعب المرجانية والمزارع البحرية لتحول هذه القضية الى بركان يضج الحالة الأمنية في مدينة الحديدة، حيث سقط خلال الأيام القليلة الماضية قتلى وعشرات الجرحى البعض منهم من رجال الأمن .. لم يتوقف الأمر عند هذا بل تطور ليصل للاعتداء على رجال أمن واختطافهم واقتحام بعض المنشئات الحكومية من قبل المواطنين رداً على ما قالوا إنه اعتداء عليهم وعلى بيوتهم الآمنة في حارة اليمن. فتحي الطعامي منذ ثلاثة أشهر – في منتصف يناير الماضي تحديداً - بدأ "الحراك التهامي" يظهر إلى السطح في منطقة محدودة وهي منطقة حارة اليمن جنوب غرب مدينة الحديدة (جوار ميناء الاصطياد) حيث قام الحراك بالعديد من المظاهرات والمسيرات والتي عبر فيها عن رفضه للتعيينات التي تتم لبعض الإدارات التنفيذية والتي يعين فيها من خارج المحافظة، الأمر الذي اعتبره البعض مناطقية، حيث يقول أبناء المحافظة إنه من حقهم أن يكونوا مسئولين في تلك الإدارات خاصة وأنه تم تهميشهم طوال الفترة الماضية. و لم يلق الحراك التهامي حتى اللحظة دعماً من الأحزاب السياسية في المحافظة أو من الشخصيات الاجتماعية، خاصة وأن بعض تلك المظاهرات تم اتهامها من قبل الجهات الأمنية بأنه تخللها أعمال شغب وفوضى واعتداء ودعوة للمناطقية وهو ما ينفيه قيادات الحراك، إلا أن الأحداث الأخيرة أظهرت أن هناك من يستغلون الحراك التهامي السلمي ويحاولون إلصاق تهمة "المسلح" عليه في محاولة لإفشاله. الفتيل منذ ما يقارب العام والصيادون في محافظة الحديدة يطالبون الدولة بإلغاء الاتفاقية الموقعة مع شركة "باقيس" والتي أعطتها الدولة للشركة بموجب تلك الاتفاقية يكون لها الاصطياد في البحر الأحمر بالسفن الكبيرة والتي أثرت على مستقبل الثروة السمكية بالبحر الأحمر واصبح الأمر يهدد مستقبل عشرات الصيادين من ميدي شمالاً إلى الخوخة جنوباً في حال استمر تنفيذ تلك الاتفاقية. وبالرغم من المناشدات المستمرة والجهود المبذولة من قبل الصيادين وجمعياتهم السمكية والمسئولين في المحافظة لوقف تلك الاتفاقية إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل وبقيت تلك السفن تمرح وتسرح في البحر الأحمر، الأمر الذي تسبب في حالة من الاحتقان في أوساط الصيادين، إلا أن الخطوة الأخيرة التي قام بها مجموعة من صيادي الحديدة باحتجاز (النجمة الذهبية) وهي سفينة صيد مصرية واقتيادها إلى ميناء الاصطياد السمكي (سوق الأسماك) احتجاجاً على اصطياد السفينة على مسافة قريبة من الشريط الساحلي واستعمالها لأدوات صيد قد تتسبب في إنهاء الثروة السمكية في البحر الأحمر. الخميس المظلم احتجاز السفينة المصرية والتي تقول السلطات المسئولة في المحافظة إنه مصرح لها بالصطياد في البحر تسبب ذلك الاحتجاز في إرسال حملة عسكرية من قبل السلطة المحلية في المحافظة للإفراج عن السفينة وعن طاقمها المصري المحتجز من قبل الصيادين إلا أن ما لا يتوقع، حيث سقط قتيل وعشرات الجرحى بعضهم من رجال الأمن والبعض مصابون نتيجة لإطلاق قنابل الغازات "مسيلة للدموع" إضافة إلى قيام الجهات الأمنية باستعمال الأسلحة الخفيفة والمتوسطة إلا أن لما جرى روايتان. الرواية الرسمية للأحداث تقول مصادر في السلطة المحلية في المحافظة إن مسلحين قاموا برفض تسليم السفينة والطاقم المصري الذي عليها، الأمر الذي اضطر الجهات المسئولة في المحافظة لإرسال تعزيزات أمنية بعد ذلك لتحرير السفينة، وقال إن الحملة فوجئت بوجود مسلحين لتضطر الحملة لاستعمال القوة (غير المفرطة) والتي رد عليها البعض بالمقاومة والرصاص الحي سواء من ميناء الاصطياد أو من حارة اليمن القريبة من ميناء الاصطياد والتي بها بعض المسلحين المحسوبين على الحراك التهامي، الأمر الذي أدى إلى سقوط بعض الجرحى ليتم بعد ذلك انسحاب القوات الأمنية تفادياً لسقوط المزيد، بعض أولئك الجرحى من رجال الأمن والذين أصيبوا نتيجة إطلاق الرصاص الحي من قبل مسلحين متحصنين في ميناء الاصطياد وفي حارة اليمن. الرواية الميدانية ويقول الأهالي وبعض أعضاء الحراك التهامي أنهم قاموا بالتواصل مع السلطة المحلية بعد قيام البعض منهم بإقناع الصيادين بضرورة تسليم السفينة إلا أن السلطة المحلية في المحافظة فاجأتهم بإطلاق الرصاص الحي عليهم واقتحام حارة اليمن وسقوط العديد من الجرحى بعضهم بالرصاص الحي والآخرين سقطوا نتيجة الغازات المسيلة للدموع. وبالرغم من الروايات المختلفة في بعض جزئياتها والمختلفة في البعض الآخر إلا أن ثمة من يقول إن تلك الأحداث كان وراءها أيادٍ خفية تعمل على إثارة الفوضى والمشاكل في محافظة هادئة وآمنة، مستغلة توتر الوضع وعدالة القضية التهامية، سعياً لإفشالها واستغلالها. احتقان "اليمن" تسببت أحداث ليلة الخميس الماضي والتي استمرت من الساعة السادسة وحتى الساعة التاسعة من المساء والتي سقط فيها قتيل وجرحى لم تتوقف عند هذا الحد بل تطورت لتطال بعض المرافق الحكومية ومن ضمنها قيام بعض مجموعة من شباب حارة اليمن بالاعتداء على قسم شرطة "النسي" في نفس الحارة وإحراقه ونهب المحتويات الموجودة بداخله، ناهيك عن قيام البعض الآخر بإحراق باص جديد تابع لموانئ الحديدة، الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل إلى قيام مجاميع من الشاب بالاعتداء على جنود أمن مركزي أثناء تناولهم وجبة الغداء في أحد الأسواق القريبة من حارة اليمن- كما تقول الأجهزة المسئولة. مسيرات ومظاهرات أحداث الخميس دفعت بمجموعات الحراك التهامي للقيام بالعديد من المسيرات والمظاهرات السلمية كان أهمها تلك المظاهرة التي تم تنفيذها عقب صلاة الجمعة، حيث توجه المئات من الشبان إلى مبنى البحث الجنائي للإفراج عن المحتجزين المتهمين بأعمال الشغب من قبل الأجهزة الأمنية (ليلة الخميس) المظاهرة والتي قصدت البحث الجنائي قوبلت بحواجز أمنية تخللها إطلاق للرصاص الحي والذخيرة الحي، الأمر الذي أدى الى سقوط العديد من الجرحى والاصابات، المظاهرة تبعتها أيام السبت والأحد والاثنين مسيرات لإدارة الأمن ومبنى المحافظة للمطالبة بإقالة أمين عام المحافظة العقيد/حسن أحمد الهيج والذي يتهمه أفراد الحراك بالتوجيه للقيام بالحملة العسكرية وكذا إقالة مدير أمن المحافظة المسئول عن الجانب الأمن و عن الحملة العسكرية. ولم تخلُ تلك المسيرات من نبرة وعبارة تطالب بإنصاف أبناء تهامة ومعالجة حالة التهميش والإقصاء والتهميش الذي طالهم طوال عقود من الزمن. وساطة وتوجيهات ونظراً لما تعيشه المدينة من وضع متوتر وحالة من الفوضى سعت أطراف عديدة بوساطة للتهدئة، حيث قامت تلك الشخصيات الاجتماعية والوجاهات لعمل جهود تهدئة بين السلطة المحلية وبين قيادات الحراك التهامي من جهة أخرى كان آخر تلك الجهود مقابلة محافظ المحافظة/أكرم عيطة والذي قام بدوره كما تقول لجنة الوساطة بالتواصل مع رئيس الجمهورية والذي قام بدوره بالتوجيه بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول ما جرى ومعرفة ملابسات الأحداث ورفع تقرير وتوصيات عن ذلك. وكذا وجه الرئيس عبد ربه باعتماد القتيلين والذين سقطا في الأحداث واعتبارهما شهداء واجب واعتماد راتب لكل منهما واعتماد مبالغ مالية مواساة لذويهم، إلا أن تلك التوجيهات لم ترض الطرف الآخر والذي ما زال مصراً على إقالة الأمين العام ومدير الأمن قبل الحديث عن أي جهود وساطة، وقبل أي توجيهات .. مهدداً بالتصعيد الميداني والانتصار لقضيته العادلة. مطالب ويطالب الحراك التهامي بإنصاف أبناء تهامة وتعيينهم في المناصب الرسمية في المحافظة تعويضاً عما عانوه طوال الفترة الماضية وإدخال قضيتهم في الحوار الوطني أسوة بقضية الحراك الجنوبي وقضية صعدة ومعالجة العديد من القضايا التي تعاني منها المحافظة وفي مقدمتها قضية نهب أراضي الحديدة والتي أخذت في سنوات ماضية بتوجيهات عليا، إضافة الى تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، والعمل على اشراك ابناء تهامة في صنع القرار. مؤكدين أن حراكهم هذا نابع من ذات أنفسهم ولا يوجد أي طرف داعم وليس موجهاً ضد أي طرف. وتطالب وجاهات وشخصيات اجتماعية الدولة والسلطة المحلية بعدم استخدام القوة وعدم اللجوء إلى العنف تجاه أبناء المحافظة المسالمين.